عنب بلدي – محمد فنصة
منحت أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي تراخيص خاصة من العقوبات المفروضة على النظام السوري، ضمن إطار زمني محدد بستة أشهر، لتسهيل المساعدات الإنسانية لمتضرري الزلزال، ما يطرح السؤال حول تأثيرها الاقتصادي على خزينة المصرف أو الفعلي على السكان.
أحدث التراخيص جاء من الاتحاد الأوروبي، في 23 من شباط الحالي، بإصداره تعديلًا يسمح للمنظمات الإنسانية بنقل أو تقديم السلع والخدمات المخصصة للأغراض الإنسانية إلى الأشخاص والكيانات السورية المدرجة على قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي، دون حاجة لإذن مسبق من السلطات الوطنية المختصة في الدول الأعضاء.
وبرر الاتحاد هذه الخطوة بتسهيل إيصال سريع للمساعدات الإنسانية إلى سوريا، نظرًا إلى خطورة الأزمة الإنسانية التي تفاقمت جراء الزلزال.
وأصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، في 9 من شباط الحالي، ترخيصًا لمدة ستة أشهر، يسمح بجميع المعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الزلزال التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية.
ويشمل الترخيص الحوالات المصرفية عبر البنوك الحكومية، بما يخدم جهود الإغاثة من الزلزال، ليتمكن الأشخاص العاملون على إغاثة المتضررين من الزلزال من التركيز على جهودهم، وفق الوزارة.
بدورها، أصدرت الحكومة البريطانية، في 15 من شباط الحالي، ترخيصين من العقوبات على سوريا بشأن المساعدات الإنسانية، لتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية، عن طريق الاستغناء عن الحاجة إلى طلبات ترخيص فردية.
وحول هذين الترخيصين، قال وزير شؤون التنمية بوزارة الخارجية والتنمية، آندرو ميتشل، “العقوبات البريطانية لا تستهدف المساعدات الإنسانية أو الغذاء أو الإمدادات الطبية، لكننا ندرك أن المتطلبات الحالية للحصول على تراخيص فردية ليست عملية دائما في أثناء الاستجابة للأزمات”.
وأضاف، “بعد التواصل الواسع مع الشركاء والمنظمات غير الحكومية، فإن هذين الترخيصين العامين يستندان إلى الأحكام الحالية المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، وذلك يوفر مزيدًا من الوضوح للجهات العاملة على الأرض والتي تستجيب لهذا الزلزال المدمر”.
“الشيطان في التفاصيل”
تفرض الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي منذ بداية الثورة في سوريا، عقوبات على النظام السوري وأبرز المسؤولين فيه، ورجال الأعمال النافذين لضلوعهم بجرائم الحرب في سوريا.
ويستثني الجانبان المساعدات الإنسانية والأدوية والأغذية من العقوبات، وسط جدل مستمر بأن العقوبات تضر بالشعب السوري أكثر من الضالعين بجرائم الحرب ورجال الأعمال النافذين.
رئيس “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال في تسجيل مصوّر على صفحة المركز في “فيس بوك”، إن العقوبات الغربية لا تمنع من إيصال المساعدات للمتضررين من الزلزال في سوريا، لكن “الشيطان في التفاصيل”.
وفي التفاصيل، قسم العبد الله أنواع المساعدات التي قد تُرسل إلى سوريا إلى عينية ليس للعقوبات عليها أي تأثير، مستندًا إلى المساعدات العينية التي وصلت منذ اليوم الأول من عديد من الدول إلى المطارات الواقعة تحت سيطرة النظام.
أما القسم الآخر وهو مساعدات مالية، فتكون معفاة عندما يكون هدف إنفاقها إنسانيًا، لكن العقوبات المفروضة على المصرف المركزي في سوريا تؤخر وصول حوالات مالية خارجية من منظمات إغاثية دولية أو أجنبية، بسبب مراجعتها من قبل المؤسسات المالية المرسلة، والتدقيق في إثبات وصولها إلى جهات غير معاقَبة.
ونتج “عامل ردع” لدى البنوك وشركات التحويل الخارجية، بسبب الغرامات الكبيرة الأمريكية على المخالفين، وهو ما جعل المؤسسات المالية ترفض إرسال مبالغ صغيرة إلى سوريا، حتى لو كانت معفاة من العقوبات، وفق العبد الله.
وأوضح العبد الله أن التراخيص الأمريكية الجديدة سهّلت التحويلات المالية إلى سوريا المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، وهو ما يفيد المنظمات ذات الحوالات المالية الكبيرة، لكن “عامل الردع” سيستمر في منع إرسال المبالغ الصغيرة إلى سوريا.
وتسمى العقوبات الغربية بـ”العقوبات الأحادية الجانب”، كون الأمم المتحدة لا تعترف أو تلتزم بها، ويمكنها إرسال وتحويل الأموال إلى سوريا.
أثر سياسي أكبر
نشر معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” مقالًا يحذر من أن الترخيص الأمريكي الأحدث الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، قد يخلق “ثغرات جديدة للنظام السوري أو رعاته في موسكو وطهران أو لشركائه الإرهابيين الأجانب”.
ويرى المعهد أن الترخيص الجديد يختلف عن التراخيص السابقة الصادرة في عهد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في جانبين، أولهما أنه يتناول على وجه التحديد الخسائر المادية للزلزال، بدلًا من تركيزه على الدمار المستمر الذي أحدثه النظام، وثانيًا، يسمح الترخيص، وفي ضوء حالة الطوارئ، بإجراء المعاملات مع الأجهزة الرسمية للنظام.
والمشكلة، وفق المقال، أن المعاملات مع “الحكومة السورية” لا يمكن تمييزها عن أنشطة الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات التابعة للنظام وشبكاته، وتتفاقم هذه المشكلة من خلال خفض عتبة المعاملات المسموح بها بشكل كبير.
وأوصى المعهد الإدارة الأمريكية بإجراء تقييم استخباراتي باستخدام صور الأقمار الصناعية، حول الدمار الذي خلّفه الزلزال، للتمييز بينه وبين الدمار الذي نتج عن قصف النظام، وذلك لتحديد الأماكن التي ستُنفق فيها مساعدات الزلزال، وإلى أي درجة يتم تحويلها إلى أنشطة إعادة الإعمار التابعة للنظام.
الباحث الأول في مركز “عمران” الدكتور سنان حتاحت، يعتقد أن الاستثناءات الصادرة لها تأثير سياسي أكبر مما هو اقتصادي، لأنها عبارة عن تأسيس لمرجعية جديدة يمكن الاستناد إليها لاحقًا في تغيير طبيعة علاقة النظام مع المجتمع الدولي.
ويحاول النظام استغلال هذه التراخيص على المستوى السياسي عبر إعادة فتح العلاقات مع الدول، وحشد دعم لإعادة تعويمه على المستوى الإقليمي والدولي، بحسب رأي الباحث.
وعلى المستوى الاقتصادي، يمكن للحوالات من خلال القنوات الرسمية أو الخاصة غير المحدودة، مثل “ويسترن يونيون”، أن تفيد النظام بدخول قطع أجنبي للسوق، لكن بأثر “مؤقت وغير مستدام”، وغير قادر على تحسين الوضع الاقتصادي، وفق حتاحت.
وعلى مستوى الأفراد قال حتاحت، إن هذه التراخيص ستؤدي إلى فائدة “مؤقتة ومحدودة” في استقبال الحوالات بشكل أسهل، بالتوازي مع استجابة المهاجرين أو اللاجئين السوريين في الخارج لإرسال المساعدات إلى ذويهم المتضررين في سوريا.
النظام مستمر بالحملة
رافقت كارثة الزلزال دعوات من ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي لرفع العقوبات عن النظام، بذريعة أنها تقف عائقًا أمام تقديم المساعدات للشعب السوري، عززها بيان وزارة الخارجية الذي ذكر أن العقوبات تمنع إدخال المعدّات الثقيلة وأدوات رفع الأنقاض.
بينما أكدت حينها واشنطن أن رفع العقوبات عن النظام في هذه الظروف الحرجة، في إشارة لتبعات الزلزال، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وفق ما قاله المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، خلال إحاطة صحفية، في 6 من شباط الحالي.
ولم تتوقف حملة النظام بعد إصدار الولايات المتحدة التراخيص الجديدة على العقوبات، وإنما كررت وزارة الخارجية مطالبتها بإلغائها ردًا على قرار وزارة الخزانة الأمريكية، واصفة القرار بـ”المضلل، وينص على تجميد جزئي ومؤقت لبعض التدابير القسرية الانفرادية القاتلة المفروضة على الشعب السوري”.
كما استمرت البيانات والحملات الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي من ناشطين موالين تطالب بإلغاء العقوبات، قابلتها توضيحات من الاتحاد الأوروبي والخزانة الأمريكية للتراخيص الجديدة، بعدم تأثير العقوبات على المساعدات الإنسانية.