مطلع الأسبوع الثالث على الزلزال المدمر الذي ضرب عشر ولايات تركية، وأربع محافظات سورية، غادر رئيس النظام السوري، بشار الأسد دمشق، في ثاني زيارة لدولة عربية منذ عزله عربيًا ودوليًا عام 2011، قاصدًا سلطنة عمان.
أثار توقيت الزيارة الاستياء، إذ تزامن مع وجود آلاف العائلات السورية في خيام مؤقتة نتيجة تضررهم بالزلزال، بينما خرج الأسد باحثًا عن مكاسب يحصلها على حساب الزلزال.
تفاصيل الزيارة التي ظهرت على العلن، تشير إلى استمرار الدعم العماني لتجاوز آثار الزلزال، وتطلعها لعودة العلاقات بين النظام والدول العربية إلى سياقها الطبيعي.
سلطنة عمان الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقطع علاقتها بالنظام السوري منذ عام 2011، إذ عيّنت في تشرين الأول 2020، سفيرًا لها لدى سوريا، وهو تركي محمود البوسعيدي، وكان حينها أول سفير لدولة خليجية في دمشق منذ اندلاع الثورة وإغلاق البعثات الدبلوماسية.
الأسد يستغل الزلزال
حول توقيت زيارة الأسد إلى سلطنة عمان، قال الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، إنه يرتبط باستغلال زخم التعاطف الذي نتج عن مأساة الزلزال في سوريا، ومحاولة توظيف مناخ التعاطف الإنساني الواسع لتحقيق مكاسب سياسية في إطار استمرار جهوده للخروج من العزلة.
وأضاف محمد، في حديث إلى عنب بلدي، أن الأسد يدرك أن هذا الزخم مؤقت ولن يستمر طويلًا، لذا يسارع الأسد إلى الاستفادة منه وهو في أوجِه.
ويرى محمد، أن الزيارة تتم في سياق ملائم للنظام السوري، وللوسيط العماني في ضوء الإشارات المشجعة من قبل الأطراف العربية (الإمارات، الأردن، مصر، وآخرها السعودية).
وفي 18 من شباط الحالي، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إن “هناك إجماعًا عربيًا على أن الوضع الراهن في سوريا لا يجب أن يستمر”.
كما أسهم الزلزال بأكثر من زيارة عربية إلى دمشق، التقى الأسد في الأولى وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، في 12 من شباط الحالي، وفي الثانية، وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في أول زيارة أردنية من نوعها إلى سوريا منذ 12 عامًا.
الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي، قال في حديث إلى عنب بلدي، إنه في ظل حالة اللااتفاق الإيراني- الأمريكي والخلاف بين واشنطن وموسكو بسبب أوكرانيا، وجد النظام السوري هوامش للحركة الخارجية انطلاقًا من البوابة الخليجية تحت غطاء الاستجابة لكارثة الزلزال، مدفوعًا برغبته في تجنب تبعات حالة اللااتفاق والخلاف وانعكساتهما على سوريا، إلى جانب تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من هذه الحركة.
ساعي بريد “مُشجع”
اختار الأسد عُمان تحديدًا لعلاقاتها المميزة بنظامه التي لم تنقطع أبدًا، خاصة أنها امتنعت عن التورط في الصراع العسكري في سوريا على عكس بعض دول الخليج، بحسب ما يرى الدكتور فيصل محمد.
كما تحتفظ عُمان بعلاقات سياسية طيبة مع جميع دول المنطقة، وهي بذلك “ساعي بريد ينقل الرسائل إلى القوى المعنيّة وعلى رأسها المملكة السعودية، ووسيط فعّال لا يكتفي بنقل الرسائل بل يشجع الأطراف الأخرى المترددة أو المتباطئة على تعميق نهج التقارب مع النظام السوري”. وفق محمد.
ومنذ عام 1970، لم تقطع مسقط علاقاتها الدبلوماسية مع أي بلد في العالم، وهو ما يندرج تحت إطار “الأعراف والشخصية الوطنية العمانية، التي تركز على الحاجة إلى الحفاظ على حوار سليم وعلاقات دبلوماسية مع جميع الحكومات”، بحسب دراسة تحليلية للكاتبين بريت سودتيك وجورجيو كافييرو، صدرت في شباط 2021.
وأوضحت الدراسة التي نُشرت في مركز “مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط”، أن عُمان تسعى الآن بعد “انتصار بشار الأسد بصورة أساسية في الحرب الأهلية (بحسب تعبير المركز)، بالإضافة إلى روسيا والإمارات العربية المتحدة، إلى أداء دور أكبر في مساعدة النظام على الاندماج من جديد في الحظيرة الدبلوماسية العربية الأوسع، وإعادة إعمار بناها التحتية المتداعية”.
هل تنجح؟
يعتمد نجاح سلطنة عمان وجهود وساطتها في تعويم النظام السوري على المساومات غير المباشرة بين الأسد والأطراف الأخرى من جهة، وعلى طبيعة وأهمية التنازلات التي سيتمكن النظام من تقديمها ثمنًا لبلوغ عملية التعويم غاياتها النهائية، بحسب ما يرى الدكتور فيصل عباس محمد، مشيرًا إلى أن علاقة النظام بـ”الحامي الإيراني المهيمن في سوريا” لن تسمح على الأغلب بتقديم تنازلات كافية من وجهة نظر العرب.
من جهته، يعتقد الباحث أيمن الدسوقي، أن الفرص قائمة لنجاح دور محتمل لسلطنة عمان، مؤكدًا أيضًا أن ذلك يعتمد بشكل أساسي على مرونة النظام في التجاوب، وما تتضمنه العملية من مطالب وتنازلات من طرفه، بالإضافة إلى مدى قدرة الدول (الموافقة على التعويم) على إقناع الدول المناوئة للنظام بمقاربتهم فيما يتعلق بالانفتاح عليه.
وبحسب دراسة مركز “كارنيغي”، ربما تترقب دمشق أيضًا تحقيق منافع اقتصادية من خلال الشراكة الدبلوماسية مع سلطنة عُمان، التي يمكن أن تؤدي دور القناة الخلفية التي تربط دمشق والدول الخليجية، في ظل افتقار حليفي النظام الرئيسين روسيا وإيران للموارد المالية لمساعدة روسيا في عملية إعادة الإعمار.
ويرى النظام السوري أن الدول الخليجية الثرية كالإمارات والسعودية، تمتلك الموارد الضرورية للاستثمار في إعادة إعمار البلاد.