خلال الزلازل والهزات الأرضية الأحدث التي ضربت جنوبي تركيا وشمالي سوريا، رصدت عدسات الكاميرا ضوءًا أزرق يومض في الأفق، تزامنًا مع ذروة الزلزال.
ومع تكرار هذه الظاهرة، كثرت الأسئلة عن الضوء، كما كثرت التفسيرات في هذا السياق.
يُعرف هذا الضوء بأنه ظاهرة طبيعية تسمى “الضوء الزلزالي”، وسبق أن تزامنت مع العديد من الزلازل الكبيرة كالتي حدثت في تشيلي، والمكسيك، ودول أخرى سابقًا.
ما “البرق الزلزالي”؟
يعتبر ضوء الزلزال ظاهرة جوية مضيئة تظهر في السماء أو بالقرب من المناطق التي يطلق عليها علميًا اسم “الإجهاد التكتوني” أو النشاط الزلزالي، كما تتزامن أيضًا مع حوادث طبيعية أخرى كالانفجارات البركانية، بحسب مقالة نشرتها عام 2015 مجموعة من العلماء في مجلة “علوم الأرض” المعنية بعلم الزلازل، في محاولة لتفسير ظهور ضوء مشابه خلال زلزال نيوزيلندا في العام نفسه.
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة تحمل اسمًا علميًا، ونُشرت عنها دراسات علمية، لا يوجد إجماع واسع على أسبابها المباشرة.
وتختلف هذه الظاهرة بين الاضطرابات الناتجة عن النشاط الزلزالي، وأخرى متعلقة بالشبكات الكهربائية، مثل خطوط الطاقة المنحنية، التي يمكن أن تنتج ومضات ساطعة نتيجة اهتزاز الأرض أو الظروف الجوية الخطرة.
هذه الظاهرة حملت خلال السنوات الماضية أسماء عديدة، مثل “البرق الصفيحي”، و”كرات الضوء”، و”التوهجات الثابتة”، ويختلف الجيوفيزيائيون في مدى اعتقادهم أن التقارير الفردية عن الإضاءة غير العادية بالقرب من وقت ومركز الزلزال هي أمر واقعي.
وبحسب بحث نشره موقع “جامعة كولومبيا الوطنية“، فإن الفرضيات القائمة على الفيزياء شرحت هذه الظاهرة على أنها مرتبطة بالكهرباء المنبعثة من اهتزاز خطوط الكهرباء في العديد من المرات.
وفي عام 1973، قدم الجيولوجي الياباني يوتاكا ياسوي بعض الأدلة الفوتوغرافية، تظهر غيومًا حمراء وزرقاء متوهجة في السماء فوق مدينة ماتسوشيرو خلال سلسلة من الزلازل في عامي 1965 و1967 . ومع ذلك، فإن صحة الصور هذه لا تزال محل خلاف حتى اليوم، إذ لم يقدم الخبير دليلًا يمكن التحقق منه حينها.
وفي حالة الزلزال الذي وقع في المكسيك عام 2021، فإن تفسير هذه الأضواء جاء على أنها انفجارات “أقواس كهربائية” بين خطوط الكهرباء، إذ تأرجحت كوابل الكهرباء وانفجرت البنية التحتية الكهربائية (مثل محولات توزيع الشبكة الكهربائية) في شوارع المدينة، بحسب مقال للعالم الجيولوجي ديفيد بريسان، شاركه في موقع “FORBES“.
وعن ظهور هذا الضوء الساطع في السماء، فهو ناتج عن انعكاسات هذا الضوء على الغيوم، وهو ما حدث أيضًا بالفعل عام 2017، عندما ضرب أقوى زلزال منذ عقود العاصمة المكسيكية، مكسيكو، بحسب وسائل إعلام مكسيكية.
البحث مستمر
بالنظر إلى حالة التضارب في التفسيرات العلمية لهذه الظاهرة، لا يوجد حتى الآن تفسير علمي واضح يمكن أن يفسر آلية حدوثها، لكن العلم لا يزال مستمرًا في محاولاته لبحث أسبابها.
وفي عام 2014، أصدر عالما الجيولوجيا روبرت فريدمان وجون س. دير كتابهما تحت عنوان “انتشار أضواء الزلازل المرتبطة ببيئات الصدع“، تحدثا فيه عن بعض النماذج العلمية لشرح الظاهرة.
ويقول الكتاب، إن هذه الأضواء ناتجة عن تحويل “الأكسجين” إلى “أنيونات الأكسجين” (ذات شحنة كهربائية سالبة) عن طريق كسر “روابط البيروكسي” (صنف من المركبات الكيماوية) في بعض أنواع الصخور كالدولوميت، والريوليت، بسبب الضغط العالي عليها قبل وفي أثناء الزلزال.
بعد التأين، تنتقل الأيونات لأعلى عبر الشقوق في الصخور، وبمجرد وصولها إلى الغلاف الجوي، يمكن أن تشكل جيوبًا من الهواء، ما يعكس بلازما ينبعث منها الضوء، وهو تفسير آخر تطرقت له ورقة بحثية في علم الزلازل نُشرت أيضًا عام 2014، بقلم الجيولوجي روبرت تيريولت.
انتقادات للعلماء
عام 2016، قال كاتب “البودكاست” العلمي برايان دانينغ، معتمدًا على جملة من الأبحاث العلمية وأحاديث علماء وجيولوجيين، إنه كان متشككًا في وجود هذه الظاهرة، خصوصًا في ظل عدم وجود دليل مباشر على أنها ليست شحنات ناتجة عن كوابل الكهرباء.
دانينغ قال إنه في المرحلة الحالية، ليس من العلمي أو العقلاني تأكيد أو إنكار وجود ظاهرة زلزالية مضيئة، لكن كل الحجج والحقائق تحملنا إلى استنتاج سلبي في هذا الشأن.
وأشار إلى أن أضواء الزلازل ليست ظاهرة غير معروفة، إذ أُبلغ عنها منذ فترة طويلة، لكن سببها أو أسبابها غير مؤكدة، كما يجب تأكيد العلاقة، إن وجدت، بين تجارب الشحن في المختبرات العلمية، و”البرق الزلزالي” فيما يتعلق بالزلازل التي تضيء نفسها.
من الممكن أن تكون هناك أسباب متباينة، لكن يمكن القول أيضًا إن بعض التقارير عن هذه الظاهرة “خيالية”، بحسب دانينغ.
–