الأعراض النفسية الشائعة عند التعرض لحدث صادم
صفوان قسام
يشيع جدًا أن تظهر على الناجين من الحوادث الصادمة المهددة للحياة، كالزلازل والحروب، ردود فعل تعتبر طبيعية رغم أن شدتها تختلف عن ردود الفعل العادية، إذ تعتبر “رد فعل طبيعيًا على حدث غير طبيعي”، وهي تظهر عمومًا بشكل مستمر دون انقطاع أو فتور، منها حالات اليقظة والتأهب المستمرة مع ضعف القدرة على التحكم بالمشاعر.
ويشيع أيضًا البكاء المستمر والخوف الشديد، والتفكير المستمر بالحدث الصادم، واقتحام الذكريات الصادمة رغمًا عن الناجي مع عجزه عن تفادي هذه الاقتحامات، وترافقها بشعور مزعج.
أيضًا قد يصاب الناجي بحالة من الخدر في المشاعر والبرود، وضعف بالاستجابة للمؤثرات الخارجية، مع التشوّش والذهول، ويضطرب النوم ويصبح سطحيًا، تكثر فيه الأحلام والكوابيس والأرق أو يتقطع، أو تزداد ساعات النوم بعمق بشكل مبالغ فيه، ومن الناجين من يضطرب تناوله للطعام فيزيد لدرجة كبيرة أو يقل، والبعض أيضًا ينسحب اجتماعيًا وينعزل، ومنهم من يبدأ بتعاطي الكحول والعقاقير وتدخين السجائر أو الحشيش بشكل مفرط، ويتدهور بذلك أداؤه الوظيفي والمهني كالتخطيط وتحقيق الأهداف، وإنجاز الأعمال اليومية الروتينية، وضعف السيطرة على انفعالاته والتفاعل السليم مع الآخرين.
ويشيع عند الأطفال شعورهم بالخوف عمومًا، وخصوصًا عند حلول الظلام أو ابتعاد الوالدين، وقد يتحول سلوكهم المتسق مع أعمارهم إلى سلوك يتسق مع أطفال أقل عمرًا منهم، كالحبو بعد أن تعلموا المشي، والتبول على أنفسهم بعدما تعلموا الذهاب إلى المرحاض وحدهم، أو مص الإبهام والنطق بطريقة طفولية، والخوف الشديد على صحة الأبوين أو فقدان أحد من أفراد الأسرة، فيمكن أن يستيقظ الطفل ليلًا ليطمئن على والديه إن كانا يتنفسان!
ويمكن أن نلاحظ زيادة مفرطة في النشاط والحركة داخل الصف مع عدم الالتزام بالنظام، وضعفًا في التركيز، وانخفاضًا في معدلات الأداء المدرسي، والغضب السريع، والقيام بسلوكيات من أجل لفت انتباه الآخرين، أو اللعب بشكل عنيف، ويمكن أن نجد الطفل متمحورًا حول موضوع الصدمة، والشكوى من أعراض جسدية دون أن يكون لها سبب واضح، كالصداع وآلام البطن، خصوصًا عند الصباح فترة الذهاب إلى المدرسة، وقد يصاب بفقدان الشهية ومشكلات في النوم، أو قد نجد مشاعر الحزن والانسحاب من المجتمع والميل للصمت.
بينما نجدها عند اليافعين على شكل تراجع في المستوى الدراسي وضعف في التركيز، وتمرد على الوالدين والنظام، لتبلغ مبلغ السلوك المنحرف أحيانًا، أو التململ والضجر العام مع فقد الطاقة والشغف للقيام بأي شيء. أيضًا نجد عندهم فقدانًا للأمل، ومزاجًا منخفضًا حزينًا، مع شعور بالنقص وانخفاض الثقة بالنفس والإحساس بأهميتهم الشخصية، ونجد لديهم فقدانًا للاهتمامات الاجتماعية والترفيهية وانسحابًا منها، وشكاوى جسدية وآلامًا غير مفسرة طبيًا، وتعمقًا في التفكير بالحدث الصادم، أو شعور الانزعاج والاضطراب عندما يحصل ما يذكرهم بالحادثة الصادمة.
ويتكون عند البالغين شعور بالتوتر والتوجس الدائم والخوف، وفرط في الانتباه والتأهب والانفعال والغضب واضطراب في النوم، وضياع وتخبط مع تشوش في القرار والاهتياج، ورغبة بالبكاء والحزن، والانسحاب الاجتماعي والعزلة، وأحيانًا نوبات من الذعر والخوف المترافق بارتفاع في نبض القلب مع فرط في التنفس أو ضيقه، وتعرق غزير، وشعور وكأن الشخص يفارق الحياة، وأحيانًا الشعور بالذنب لأنهم لم يموتوا كالآخرين، ولعدم تمكنهم من إسعاف من مات في الحادث، ما يُعرف بـ”متلازمة الناجي”، وتكرار ذكريات الحدث والصور المزعجة المرافقة له، مع تجنب الاقتراب من موقع الحدث، أو التفكير بالمواضيع التي تذكرهم به.
ومن الممكن أن نجد عند الناجين مجموعة من السلوكيات التي تدل على أنهم يتكيّفون بشكل سلبي أو إيجابي مع الصدمة التي تعرضوا لها، كالاستمرار في المشاركة الاجتماعية، والتخطيط والتصرف بشكل سليم إزاء المشكلات الناجمة عن الحدث الصادم، مع حسن إدارة الموارد، والتعبير المناسب عن العواطف المؤلمة، والتعايش بشكل تكيفي مع الأوضاع الجديدة دون مبالغات، واستخدام الإرادة وطرق التعامل مع التوتر والإجهاد النفسي، والانغماس بأنشطة منتجة في محاولة لتجاوز الأزمة، وهذه وغيرها تعتبر من السلوكيات التكيفية الإيجابية.
أما السلوكيات اللاإيجابية، فمنها الإفراط في إنكار ما حصل وعدم الاعتراف به، وتجنب ما له علاقة بالحدث، والسلوك الاندفاعي دون مراعاة لسلامة الناجي الشخصية أو سلامة الآخرين أو المتعارف عليه اجتماعيًا، أو الاتكال المفرط على الآخرين، والسلوك العنيف والانسحاب والعزلة من المجتمع، واستخدام الكحول والمواد الضارة كالمخدرات والمهدئات و”القنبيات”، كـ”الحشيش والمرغوانا والبانجو والقات”.
ويجب عند ملاحظة أي من هذه الأعراض التالية لما يزيد على شهر عمومًا الحصول على استشارة نفسية من مختصين نفسيين: الحزن الشديد والمستمر، وعدم القدرة على التخلص من صور الحدث البشعة، واضطراب النوم أو عدم القدرة عليه وفقد الشهية للطعام، والعزلة والانسحاب الاجتماعي، واستمرار الذعر والخوف الشديد وأعراض الصدمة رغم القيام بالاعتناء بالصحة النفسية.
وإن ظهرت أعراض من قبيل كره الحياة والرغبة في الموت ووجود أفكار لإيذاء النفس أو الآخرين، وسوء استخدام الكحول والعقاقير والمواد المخدرة أو “القنبيات”، وكذلك من كانت لديهم اضطرابات نفسية قبل الحادث وانتكست حالتهم بعده، وزيادة في ضربات القلب أو الشعور بألم في الصدر أو الكتف أو الذراع اليسرى أو صعوبة في التنفس والتعرق البارد، والتي يمكن أن تكون عرضًا خطيرًا، أو فقدان الذاكرة، أو شعور الناجي المستمر بأنه يعيش في عالم غير العالم الواقعي، أو الشعور بالعجز التام وكأنه مقيد… فإن هذه الأعراض تكون علامة على الإصابة بتأثير شديد للصدمة، وتحتاج إلى مراجعة فورية للطبيب النفسي أو طبيب “رأب الفجوة في الصحة النفسية”، وهو طبيب بشري أو صيدلاني أو عامل في المجال الطبي تلقى تدريبًا مع إشراف عملي على التعامل مع الحالات النفسية دوائيًا، وحاصل على شهادة التدريب والإشراف العملي من جهة معتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية.
يجب علينا إشاعة ثقافة الصحة النفسية والتعرف إليها وإلى أعراض الاضطرابات وطرق الوقاية والعلاج والعناية، والابتعاد عن السخرية أو التهكم من أولئك الذين يعانون إحدى مشكلاتها، فهي مرض مثل أي مرض جسدي آخر، ولا داعي للسخرية منه، أو وصف الناس بالمرضى النفسيين إن كانوا سيّئي الخلق مثلًا، أو استخدام تعابير تَصِمُ المرضى بوصمات اجتماعية وتعابير غير لائقة ومضرة بمن يعانون مثل هذه المشكلات.
لا عيب في المرض النفسي ولا في طلب مساعدة من مختص نفسي، ولا ضير من مساعدتنا لمن يعانون هذه المشكلات، بل وجب علينا مراعاتهم والاعتناء بهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :