د. أكرم خولاني
في ظروف الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير، يتعرض الناس لأشد أنواع الرعب والصدمة، التي تترك بصماتها على معظم نواحي الحياة.
عادة ما يكون الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرًا بما يحدث، ما يعرّضهم للأزمات النفسية، وهذا يستوجب الاهتمام بهم ومنحهم المزيد من الرعاية والدعم النفسي، ليس من الأهل فقط، إنما أيضًا من المتطوعين وفرق الطوارئ التي توجد عادة في مكان الحدث.
لماذا يتأثر الأطفال نفسيًا أكثر من غيرهم عند حدوث الكوارث
الأطفال الذين تعرضوا للكوارث الطبيعية كالزلازل عاشوا لحظات الرعب، وشاهدوا دمار المباني وتهدمها فوق ساكنيها، وجثث الضحايا، وربما فقدوا بعضًا من ذويهم، وهذا يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالنفس وبالآخرين، ويُحدث تغيرًا عامًا في المزاج، وشعورًا بعدم الاستقرار، ما ينتج عنه اضطرابات نفسية واجتماعية ومعرفية وسلوكية.
ويُرجع علماء التربية وعلم النفس تأثر الأطفال أكثر من غيرهم لعدم اكتمال نموهم الجسمي والمعرفي والعاطفي، فإذا كانت ظروف الكوارث فوق طاقة الكبار، فهي فوق طاقة تحمّل الصغار بشكل أكبر، ولأن الطفل لا يستطيع التعبير عن خوفه وقلقه بالألفاظ مثل الكبار، فإنه يعبر بطريقة أخرى هي لغة الحركة وعدم الاستقرار، وتلك رسالة منه للعالم الخارجي تؤكد قلقه وخوفه من الخطر الذي يحيط به وبمن حوله.
ما الانعكاسات النفسية والاجتماعية على شخصية الطفل
يتعرض الأطفال في ظروف الكوارث والأزمات للصدمات النفسية، فيمكن أن يحدث لدى بعضهم اضطرابات نفسية كالقلق، واضطرابات النوم، والاكتئاب، واضطرابات تقلب المزاج.
أولًا- القلق:
يعتبر القلق النفسي هو المشكلة الأكثر شيوعًا، وهو حالة من التوتر المصحوب بالخوف وتوقع الخطر، وأهم أعراضه:
· زيادة الحركة المستمرة عند الأطفال.
· النهم الشديد للأكل أو الابتعاد عن الأكل.
· عدم القدرة على التركيز.
· سرعة استثارة الأعصاب والغضب.
· شدة الحساسية وسرعة البكاء.
· صعوبة في النوم أو الاستغراق فيه.
· الأحلام والكوابيس.
وينعكس القلق على الطفل بمجموعة من الآثار السلوكية تتمثل في:
· التمرد، كإصرار الطفل على أن ينفذ ما يريد ويخرج عن تعليمات الكبار وقوانينهم.
· زيادة الحركة، كتنقل الطفل من مكان إلى آخر، وعدم استقراره في مكان واحد.
· قضم الأظفار، وهذه الظاهرة نشاهدها بوضوح فنجد الطفل يضع ظفره بين أسنانه ويبدأ بقضمه.
ثانيًا- اضطرابات النوم:
تحدث على شكل الفزع الليلي، ويتصف هذا السلوك بالاستثارة، ويحدث في الثلث الأول من الليل، حيث يستيقظ الطفل وهو يصرخ ويبكي بكاء مصحوبًا بمظاهر سلوكية قلقة وهلع شديد، تصاحبها سرعة في دقات القلب والتشبث بالأم أو الأب وجحوظ في العينين وارتجاف في الأطراف وتصبب العرق، مع عدم استجابة الطفل لمحاولات الآخرين لتهدئته عند الفزع.
ثالثًا- الاكتئاب:
عند مشاهدة الأطفال أحداث الدمار والموت، وصراخ ذويهم واستنجادهم، فإنه في المدى البعيد نجد آثارًا لتلك الأحداث الصادمة على ذات الطفل قد لا تتضح وقت الصدمة إنما بعد المرور فيها، مثل الوحدة النفسية والانطواء والاكتئاب.
ولكي يتم تشخيص الاكتئاب يجب أن تتوفر بعض الأعراض النفسية التي تظهر على الطفل خلال أسبوعين من تعرضه للحدث، وتُحدث تغيرًا واضحًا في مجمل الوظائف الحيوية للطفل، ويمكن إجمالها فيما يلي:
· مزاج مكتئب طوال اليوم فيكون حزينًا، تائهًا، يحب الوحدة، مترددًا، يشعر بالفراغ.
· فقدان واضح للاهتمام أو المتعة في معظم النشاطات طوال اليوم، وإهمال للنظافة الشخصية، وتكون نظراته غائرة، يبتعد عن أي أنشطة اجتماعية، وعن اللعب مع رفاقه والمتعة معهم.
· فقدان ملموس للوزن نتيجة فقدان الشهية.
· أرق في النوم أو نوم زائد يوميًا.
· حركة زائدة أو قلة حركة.
· فقدان الثقة بالآخرين.
· فقدان الطاقة، فلا يستطيع ممارسة نشاطاته اليومية بشكل ملحوظ وبشكل سلبي ينعكس على الذات.
· الشعور بعدم القيمة والذنب.
· فقدان القدرة على التركيز.
· أفكار مستمرة بالموت والانتحار.
ما الانعكاسات المعرفية للكوارث على شخصية الطفل
أهم الانعكاسات المعرفية هي إصابة الطفل بالتشتت وعدم التركيز، وقلة الانتباه، وهذه الحالة طارئة لأنها تحدث نتيجة فقدان عنصر الأمان من خلال خطورة وصعوبة الأحداث التي يمر بها الطفل من حيث مشاهداته مناظر مثيرة وصادمة بشكل مباشر أو غير مباشر، وآثارها:
· الذهول، ولكن هذا يحدث نادرًا.
· شرود مستمر.
· عدم القدرة على الاستمرار والتركيز والتفكير بموضوع واحد.
· النسيان وعدم القدرة على استرجاع المعلومات.
ما الانعكاسات السلوكية للكوارث على الطفل
تعرض الطفل للصدمات ومشاهدة أحداث الكوارث يولد لديه الإحباط ويزيد من توتره، وهذا ينعكس على سلوكه، فيمارس بعض السلوكيات التراجعية كمص الإصبع والتبول الليلي اللاإرادي في الفراش.
وظاهرة مص الإصبع تصيب الطفل إذا تعرض لحالات صادمة، كالخوف أو الخجل أو الانزعاج أو القلق، فنراه يضع إصبعه في فمه بحركة مستمرة، وقد تكون مؤقتة، وهذا يعطيه متعة وارتياحًا داخليًا وشعورًا بالسعادة والدفء والشبع.
أما التبول الليلي اللاإرادي في الفراش فيعني تبول الطفل لاإراديًا في أثناء النوم بعمر يزيد على خمس سنوات للإناث وست سنوات للذكور، ويمكن أن تؤدي الشدات النفسية إلى عودة الطفل للتبول الليلي اللاإرادي بعد أن يكون قد تعود على ضبط مثانته سابقًا.
كيف نساعد الأطفال الذين يعانون تلك الاضطرابات
نحاول مساعدة هؤلاء الأطفال عن طريق بناء مساندة نفسية قائمة على آليات التدخل والدعم النفسي، وتشمل آليات التدخل لمواجهة الانعكاسات النفسية على الأطفال في ظروف الكوارث:
· توفير أجواء الأمان والراحة للأطفال، وترسيخ الشعور بالأمن والحماية من خلال نقلهم إلى مكان آمن بعيد قدر الإمكان عن مكان الخطر، وتهدئتهم وطمأنتهم، وتذكيرهم المتكرر بأنهم في أمان.
· شرح كيفية حدوث الكارثة التي وقعت، لأن فهم حقيقة الكوارث الطبيعية بطريقة علمية يمكّن الأطفال من تقبل الأحداث بشكل طبيعي عند معايشتها أو سماعهم عنها أو مشاهدتها في التلفاز، ويساعدهم على التعافي من آثار الزلازل النفسية، ويمكن تبسيط سبب حدوث الزلزال للأطفال عبر النقاط التالية: تحدث معظم الزلازل بسبب تغيرات في القشرة الخارجية للأرض، إذ تتكون القشرة الأرضية من حوالي عشر كتل صخرية تسمى الصفائح، وتتحرك تلك الصفائح باستمرار في أماكن مختلفة وبطرق مختلفة، وتسبب حركتها مع مرور الوقت ضغطًا كبيرًا، ما يؤدي إلى حدوث الصدع، وهو يشبه الشق في القشرة الأرضية، وبعد حدوث الصدع تطلق الصخور المتحركة طاقة على شكل موجات، وتنتشر الموجات في جميع الاتجاهات عبر القشرة الأرضية مسببة حدوث الزلزال.
· تشجيعهم على مواصلة الأنشطة الاعتيادية اليومية، وخلق البدائل لها إن لم يتمكنوا من ممارستها، لإشعارهم أن الحياة مستمرة.
· مساعدتهم في فهم انطباعاتهم وردود فعلهم تجاه المواقف والخبرات الصادمة.
· توجيه انتباه الطفل الخائف إلى الأطفال الآخرين الذين يتعاملون مع أحداث الصدمة دون خوف، من خلال سرد قصص عن الأطفال في أوضاع متشابهة وكيف تم التغلب على خوفهم.
· تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم من خلال الكلمات أو الفن أو ما يسمى اللعب العلاجي، وذلك بإشراك الطفل في أنشطة بدنية وألعاب وأغانٍ وورشات الرسم والتلوين والأشغال اليدوية، من أجل توفير مجال للتخفيف من حدة التوتر والضغط النفسي لديهم، فتكمن أهمية النشاط البدني في مساعدة الطفل على صرف الطاقة التي بداخله، ومن خلاله أيضًا يحدث اتزان بين وظائف الجسم الحركية والانفعالية والعقلية، أما الرسم فيعتبر من الأنشطة الممتعة عند الأطفال، وفيه يعمل الطفل على تفريغ مشاعر الإحباط التي تواجهه في حياته الواقعية، وقد تسهم الأعمال اليدوية خصوصًا عند الفتيات بشعورهن بالإنجاز، وهي فرصة للتعبير عن أنفسهن والتخفيف من الضغوط التي تحيط بهن.
· السماح للأطفال بالمساعدة بعد وقوع الزلزال، وتكليفهم بأعمال ومهام صغيرة، فهذا يمكن أن يساعدهم على فهم ما يحدث، ويعطيهم إحساسًا بالكفاءة والثقة بالنفس.
· تقديم الإرشاد النفسي للطفل والأسرة حول مفهوم الصدمة وأعراضها وكيفية التعامل معها.
· تجاهل السلوكيات السلبية كمص الإصبع أو التبول في الفراش وعدم إثارة الضجة حولها.
· إعطاء الطفل الحب والحنان بأمان وسخاء، وإشعاره بأنه موضع تقدير وقبول، وإتاحة الفرصة له لكي يكون آمنًا وسعيدًا، وتشجيعه على اللعب وممارسة هواياته المفضلة.
كيف نتعامل بشكل صحيح مع الأطفال في ظل الكوارث
حاول إدراك انفعال الطفل وعدم استهجانه، والتحلي بالصبر وضبط النفس تجاه تصرفات الأطفال في ظروف الكوارث.
كن قريبًا من الطفل في ظل أحداث الكارثة وما بعدها، ولا تتركه بمفرده.
امنح الطفل الحب والحنان والاحترام دائمًا مهما كانت الضغوط.
تحدث إلى الأطفال عما يحدث، وقدم لهم المعلومات بشكل واضح وبسيط يضمن إيصال الحقائق بشكل واقعي.
اشرح أن هناك مباني قد تضررت فعلًا، ولكن معظمها لا بأس به.
حاول إشغال الطفل عما يجري بالألعاب والقصص والحكايات.
لا تشاهد التقارير الإعلامية مع الأطفال، لتجنب إشعارهم بالقلق والذعر.
علّم الطفل بعض الإرشادات التي قد يحتاج إليها في ظل حدوث أي أزمة من خلال الوسائل التربوية المناسبة كالقصة والحكاية والأنشودة.
أمّن المكان خاصة بالليل، عليك أن تضيء للطفل نورًا خافتًا يساعده على رؤية من حوله، ويشعره بالأمان.
لا تلقي تعليمات الخوف على الأطفال، مثل “لا تلعب في مكان الحدث، لا تقترب من التجريف، لا تنظر من النافذة”، تلك التعليمات تزيد من قلقهم وخوفهم وبالتالي تنعكس على شخصياتهم سلبًا.
استمر في الروتين الحياتي المألوف قدر المستطاع للسماح للأطفال بمعرفة أن الحياة مستمرة.