ضحكة عنزة في مسلخ

  • 2023/02/19
  • 2:22 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

نشرت صحيفة “عنب بلدي” صورًا لبشار الأسد في أثناء زيارته حلب، بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال، وهو يضحك، مع تعليق من المحرر ينص على أن “الضحكة لم تفارقه”.

أرجح أن محرر “عنب بلدي” قد كتب هذا التعليق لاعتقاده أن بشار الأسد كان يضحك مستهزئًا بكثرة المباني المهدمة، وتزاحم نقالات الإسعاف في مداخل المستشفيات، وطوفان الجثث في أدراج البرادات، مثلما ضحك القبرُ (اللحد) في قصيدة المعري حين قال:

رب لحدٍ قد صار لحدًا مرارًا

(ضاحكٍ) من تزاحمِ الأضدادِ

هذا الاعتقاد، برأيي، خاطئ، فبشار، بكل بساطة، كان يضحك، لأن وجهه ضحوك خلقة الله! مثل الأستاذ عبد الجبار، الذي كان مشرفًا على الطلاب في إحدى ثانويات مدينة إدلب، الذي كان، إذا رأى طالبًا شاردًا في باحة الثانوية، يستدعيه، ويوقفه في مواجهته، ويسأله عن سبب تأخره عن الصف، وفجأة يبتسم، فيطمئن الطالب ويبتسم مثله، فيصفقه بالكف، ويقول له: أنا عم أضحكك ولاك؟ وهكذا، حتى صار الطلاب يوصي بعضُهم الآخر قائلًا: إذا ضحك لك الأستاذ عبد الجبار، فاعبسْ، لكيلا ينزل الكف على خلقتك!

مثل هذه الالتباسات تحصل كثيرًا، فحينما قامت الثورة على بشار الأسد، في مثل هذه الأيام من سنة 2011، تأخر رد فعل بشار بعض الشيء، فاعتقد بعض الناس أنه كان منشغلًا بتوبيخ ابن خالته عاطف نجيب الذي قام بأفعال أدت إلى إغضاب أهل درعا، وبتوقيع عقوبات على عناصر الأمن الذين راحوا يقتلون المتظاهرين بالجملة، ولكن الحقيقة أنه كان حزينًا جدًا، لا يدري ما يفعل، بدليل أنه، وبمجرد ما وطئت قدماه عتبات مجلس الشعب، وسمع عضوًا يتهمه بأنه يصلح لقيادة العالم، انفلت بالضحك مثل عبدو، زياد مولوي، حينما اتهموه بالسرقة، وجاء أبو صياح ليفتشه.

كان أحد شعراء العمودي، ما عدت أذكر اسمه، لأن شعراء العمود كانوا يتشابهون علينا، يلقي قصائده المتشابهة من على منبر المركز الثقافي القديم، وكنت شاردًا، حتى سمعتُ صوت ضحك جماعي، فانتبهت، وسألت جاري عن سبب هذا الضحك، فهمس لي بأن الشاعر ألقى قصيدة فيها موقف مضحك، ومن حسن حظي أن أحدهم طلب من الشاعر إعادة القصيدة، فسمعتها بتركيز، ووجدتُ أنها تحتوي على قصة، ملخصها أن الشاعر كان يجلس في مكان عام، واكتشف فجأة أن فتاة جميلة جالسة مع ذويها إلى إحدى الطاولات، تنظر إليه وتغمزه، وظن في البداية أنها تغمز غيره، ولكن، بعد التركيز، تأكد أنها تغمزه، فتشجع، وغمزها، وإذا بها تخبر ذويها بذلك، فقام ثلاثة منهم، أصغر واحد بحجم البعير، وتقدموا منه، وأمسك أحدُهم ياقته، وقال له: ليش عم تغمز أختي ولاه حيوان؟ فغمغم، وتأتأ، ثم استجمع شجاعته وقال لهم: هي غمزتني! وبلا طول سيرة تبين أن الفتاة مصابة برفة لا إرادية في أحد جفنيها.

هناك احتمال، أسوقه، في ختام هذه الزاوية، أن بشار الأسد قد انتبه، فجأة، إلى أن الأبنية المهدمة والناس المقتولين في حلب، لم يقتلهم هو، مثلما جرت العادة، فضحك، ضحكة عنزة في مسلخ!

مقالات متعلقة

  1. فوائد التحشيش بين الحق والباطل
  2. شاحنة محملة بأعضاء مجلس الشعب
  3. الأسد قاهرني.. أي والله
  4. الاحتفاظ للجحش بحق الرد

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي