عنب بلدي – لجين مراد
“تغلّب شعوري بالمسؤولية على مخاوفي، ودفعني لاتخاذ قرار بترك المنطقة الآمنة والبحث عن أي وسيلة للمساعدة وتخفيف الكارثة”، بهذه الكلمات بدأت الطالبة الجامعية المقيمة في اسطنبول آية خابور حديثها لعنب بلدي، حول رحلتها للمشاركة بأعمال الإغاثة في الجنوب التركي.
توجهت الطالبة ومسؤولة مكتب العلاقات في “اتحاد طلبة سوريا” إلى غازي عينتاب رابع أيام الزلزال، ضمن حملة “سندًا لهم” التي أُطلقت بجهود طلابية وبالتعاون مع جمعية “اقرأ” التركية.
وعملت الحملة على جمع مساعدات عينية وإرسالها إلى مراكز الإيواء في المناطق المتضررة، بالإضافة إلى إرسال متطوعين للمشاركة بتوزيعها.
ولا تختلف دوافع آية عن الطالب الجامعي لورانس الشمالي، إذ قرر بعد يوم من الزلزال التوجه من منطقة إقامته في أورفا إلى أنطاكيا باعتبارها الأكثر تضررًا.
ورغم المخاوف من التوجه إلى الأماكن المتضررة دون امتلاك إذن سفر، ودون توجيه من المنظمات والمؤسسات التركية، نشر لورانس عبر “فيس بوك” دعوة للشباب الراغبين بالتطوع بعمليات البحث والإنقاذ للانضمام إليه مع أصدقائه في رحلتهم إلى أنطاكيا، وفق ما قاله الشاب لعنب بلدي.
وبعد ساعات من حدوث الزلزال، برزت دعوات في المجموعات الطلابية السورية على مواقع التواصل الاجتماعي للتطوع والمشاركة بأعمال الإغاثة والبحث والإنقاذ.
البحث والإنقاذ والترجمة
توجه عشرات الطلاب إلى المناطق المنكوبة استجابة للكارثة، بعضهم ضمن مبادرات شخصية وعلى حسابهم الشخصي، وبعضهم الآخر بالاشتراك مع جمعيات ومنظمات تركية، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
“نحن شهدنا مآسي مشابهة، وتعاملنا مرارًا مع الجثث العالقة تحت الأنقاض جرّاء قصف النظام السوري”، هذا ما جعل لورانس يشعر بأن هناك ما يقدمه في هذه الكارثة.
عمل الشاب برفقة نحو 16 شخصًا من معارفه وأصدقائه ضمن عمليات البحث والإنقاذ، من خلال التوجه إلى الأبنية المهدمة ومحاولات التأكد من وجود أحياء لطلب فرق الإنقاذ بشكل فوري.
“هل يوجد صوت هنا؟”، عبارة كررها لورانس وأصدقاؤه باحثين عن أي صوت يبشرهم بوجود شخص على قيد الحياة تحت ركام الأبنية، وفق قوله.
وأضاف الشاب أن فرق الإنقاذ لم تكن قادرة على الاستجابة لجميع نداءاتهم، ما دفعهم للبدء بعمليات الحفر والإنقاذ بمعدات بسيطة أحضروها معهم، وتمكنوا باستخدام هذه المعدات من إنقاذ العديد من الأشخاص.
بينما عملت آية وزملاؤها في “اتحاد طلبة سوريا” على توفير احتياجات مراكز الإيواء، والمساعدة بأعمال الطبخ وتوزيع الوجبات والترجمة للعائلات المتضررة.
كما أطلق “اتحاد طلبة سوريا” خدمات عديدة استجابة للكارثة، أبرزها خدمة “بدي مترجم“، لمساعدات العائلات العاجزة عن التواصل باللغة التركية، وفق ما قالته آية، مشيرة إلى أن العديد من السوريين لا يتقنون اللغة التركية، خصوصًا في تلك المناطق التي يتحدث سكانها الأتراك اللغة العربية بشكل جيد.
إلى جانب ذلك، عمل الطلاب على توفير خدمات ترجمة القرارات الحكومية التركية، وتوفير بوابة عبر موقع “اتحاد الطلبة” لمساعدة ذوي المفقودين بالعثور على أقاربهم، ومساعدة العائلات بالوصول إلى مراكز الإيواء في مختلف الولايات.
الكارثة واحدة
“كنا متأكدين من أن الكارثة واحدة على السوريين والأتراك، ولم نفرق بتقديم الخدمات بينهم”، تحدثت آية عن دوافع الطلاب المتطوعين، وطابعها الإنساني بالدرجة الأولى.
تابعت، “كانت صدمة بالنسبة لنا جميعًا أن العمل الإغاثي وفي هذه الظروف يمكن أن يحمل مواقف عنصرية”، في إشارة إلى تعرّض العديد من السوريين المتضررين من الزلزال في مراكز الإيواء للتمييز، خصوصًا غير المتقنين للغة التركية منهم.
وحاولت آية والطلاب المتطوعون الحد من تأثير هذه المواقف، ما جعل العديد من السوريين المتضررين يرونهم بصورة “المنقذ”، وفق ما روته آية عن عائلة كانت مهددة بالطرد من مركز الإيواء ونجح المتطوعون بمنع حدوث ذلك.
من جانبهم، كرر المتطوعون في فرق الإنقاذ نداءات باللغة التركية تزامنًا مع العربية، للتأكيد على أن شعورهم بالمسؤولية حيال إنقاذ العالقين تحت الأنقاض لم يفرق بين سوري أو تركي، وفق ما قاله لورانس.
وانتقد الشاب تعرضهم للكثير من المواقف العنصرية خلال عملهم، وهو ما دفعهم لمغادرة أنطاكيا بعد عمل استمر لأكثر من خمسة أيام.
“السوريين لازم يطلعوا من هون”، هذه العبارة التي سمعها المتطوعون مرارًا، ما جعلهم عرضة لعمليات التفتيش من قبل الشرطة التركية، وحوّلت عملهم من البحث والإنقاذ إلى محاولات الدفاع عن أنفسهم والتأكيد على رغبتهم بالمساعدة فقط.
السوريون ضحايا
“العديد منا كان يطمئن على عائلته في المناطق المنكوبة، وينطلق للمساعدة ويقدم كل ما يستطيع تقديمه”، قالت آية في إشارة إلى أن الضرر الذي أصاب السوريين لم يمنعهم من المساعدة.
ورغم عودة آية ولورانس وغيرهما من المتطوعين إلى أماكن إقامتهم، لا تزال استغاثة العائلات المتضررة التي عانت مرارًا من القصف والنزوح وقسوة اللجوء عالقة في أذهانهم، وفق قولهم.
ويقيم حوالي مليون و750 ألف لاجئ سوري في مدن الجنوب التركي المتضررة من الزلزال، بينما يبلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين في تركيا حوالي 3.5 مليون لاجئ.
ونعى خلال الأيام الماضية مئات السوريين أقاربهم في تركيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبينهم عائلات فقدت أفرادها بالكامل تحت الأنقاض، جراء الزلزال.
ورغم غياب الإحصائيات حول عدد الوفيات في الجنوب التركي من اللاجئين السوريين، قدّر الناشط الحقوقي المتخصص بقضايا اللاجئين السوريين طه الغازي عددهم بالاستناد إلى منظمات غير حكومية بنحو 6100 حالة وفاة جرّاء الزلزال حتى 15 من شباط الحالي.