الزلزال ودعاية أوزداغ.. السوريون في تركيا ضحايا أيضًا
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
صارت مدينة مرسين التركية ملجأ السوريين والأتراك المتضررين من الزلزال في ولاية هاتاي جنوبي البلاد، إذ حولت الكارثة معظم مباني المدينة إلى ركام.
عائلة سورية نجت من موت محقق إثر سقوط المبنى الذي كانت تقيم فيه بمدينة أنطاكيا، حالها كحال سائر سكان المدينة، اتجهت إلى مدينة مرسين على مقربة من ولاية هاتاي، ووجهتها السلطات في المدينة للإقامة في مبنى سكن جامعي مؤقتًا.
ومن بين العائلات السورية التي قررت الاستقرار مؤقتًا في مرسين، عائلة عمر (45 عامًا)، الذي يتمنى أن تكون حالة التمييز التي لطالما عاناها السوريون في تركيا زالت فعلًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
في منتصف الليل
وصل عمر مع عائلته إلى مدينة مرسين صباح 11 من شباط الحالي، عقب خمسة أيام من وقوع الزلزال، وحال وصولهم إلى مدينة مرسين القريبة من هاتاي، وجهت السلطات جميع النازحين إلى السكنات الجامعية في الولاية، حيث استقروا فيها.
وبحسب عمر، فإن أكثر من 150 شخصًا سوريين كانوا في ذلك السكن، إلى جانب أعداد أكبر بكثير من المواطنين الأتراك.
وفي منتصف ليل اليوم نفسه، كان عمر يجلس مع أطفاله على مقربة من نافذة الغرفة داخل السكن الجامعي، إذ شاهد أعدادًا كبيرة من سيارات الشرطة تجمّعت على مدخل المبنى، تبعها وصول سيارات من “الجندرمة” (حرس الحدود) وقوات من الجيش، حملت معها عناصر انتشروا في محيط المبنى نفسه.
وعقب ساعة، بدأت مكبرات الصوت تنادي على اللاجئين السوريين، لتبلغهم بالتجمع على مدخل السكن الجامعي لتلقي التعليمات من قوات الجيش في المنطقة.
عمر نزل مع عائلته إلى جانب أكثر من مئة شخص آخرين إلى التجمع المحدد، ليجد حافلات تنتظرهم لتنقلهم إلى مكان آخر، لم تحدده السلطات، ولا يعرفه النازحون.
أخلت القوات الأمنية المبنى من السوريين بالكامل، ونقلتهم عبر مجموعة من الحافلات لم تسلك الطريق نفسه، إذ سلكت كل منها طريقًا منفصلًا، منها اتجه إلى ولاية أخرى، ومنها ما ترك عائلات في مناطق غير مأهولة.
عمر كان محظوظًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إذ لم تغادر حافلته ولاية مرسين، ورافقتهم سيارة للشرطة إلى أحد المراكز الدينية المخصصة لتحفيظ القرآن في المدينة، لوضع النازحين السوريين فيه مؤقتًا.
“الشيخ المسؤول عن المبنى رفض إيواءنا، أوشك ضابط الشرطة على تقبيل يديه حتى أقنعه بفتح باب المركز لتجلس فيه العائلات مؤقتًا”، أضاف عمر.
طرد بـ”المعروف”
عمر لم يكن يبحث عن مكان مميز، فقط كان يبحث عن مكان يقيه وعائلته المطر والبرد، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
“كنا سعداء عند دخولنا المركز الديني”، وكان يحتوي على جامع صغير يتصدره محراب، حيث تجمعت العائلات في محيطه كون مكيفات الهواء تتوزع في هذه المنطقة، إلا أن الشيخ رفض أن يجلس الجميع في مكان واحد، وطلب من النساء أن يجلسن في الطابق الثاني، ويبقى الرجال في الطابق الأول، أضاف عمر.
وعقب تنظيمه صفوف النازحين داخل المركز، اتجه الشيخ إلى خزنة صغيرة تحوي مفاتيح الكهرباء في المبنى، وقطع التيار الكهرباء عن المبنى، ثم غادره تاركًا الباب مفتوحًا، بحسب ما قاله عمر لعنب بلدي.
تابع عمر، لم يكن أمام العائلات خيار سوى مغادرة المبنى الذي أضحى حاله كحال الشارع، باردًا، لا يحوي بطانيات، ولا حتى كهرباء للإنارة.
وعقب ليلة قاسية قضاها مع مجموعة أخرى من السوريين في شوارع مدينة مرسين، اتجه إلى مدينة طرابزون شمالي البلاد، حيث يقيم أقاربه، ليقيم بجانبهم بشكل مؤقت.
نقلونا إلى العراء
تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة لسوريين نقلتهم السلطات التركية من مدينة مرسين عبر حافلات إلى وجهة غير معروفة.
واتضح لاحقًا أنه حتى السلطات أو سائقي هذه الحافلات لم يكونوا على علم بالمكان المنشود، إذ توقفت الحافلات خارج المدينة على أحد الطرق السريعة، مطالبة الركاب بالنزول.
الناشط وائل عزيل، نشر عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك” تسجيلًا مصوّرًا يظهر ثلاث حافلات، قال إنها تحمل لاجئين سوريين نقلتهم السلطات من مدينة مرسين.
وعقب مغادرة هذه الحافلات المدينة، طالبت النازحين بالنزول منها في طريق مقطوع، في حين رفض الركاب النزول، وطالبوا بنقلهم إلى منطقة تحوي منازل على الأقل.
استغلال سياسي
التوقيت الذي وقع فيه الزلزال جنوبي تركيا، جاء مع قرب الانتخابات الرئاسية في تركيا، حيث تعمل أحزاب المعارضة جاهدة على استغلال قضية اللاجئين السوريين لتحقيق مكاسب سياسية فيها.
المأساة التي وقعت في عشر مدن تركية لم تثنِ السياسيين الأتراك عن هذا الخطاب ضد اللاجئين، الذي أدى في نهاية المطاف إلى طرد السوريين من السكنات المخصصة لطلاب الجامعات في مرسين.
السياسي التركي وزعيم حزب “الظفر” (النصر)، أوميت أوزداغ، المعروف بعدائه للاجئين، كان أول من شرع بنشر الإشاعات عن اللاجئين خلال الأيام الأولى للزلزال، أبرزها كان أن السوريين يسرقون المباني المدمرة، ويسطون على المتاجر في ولاية هاتاي.
هذه التصريحات تناقلها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام التي أعقبت الزلزال، إلى جانب مجموعة أخرى من المعلومات المغلوطة.
ومع إعلان الحكومة التركية عن استقبال النازحين من الأماكن المتضررة في مساكن الجامعات، خرج أوزداغ داعيًا مؤيديه للتجمع أمام السكن الجامعي في مرسين للمطالبة بإخراج السوريين من الجامعات واستبدال أتراك بهم.
موقف الحكومة
السياسي التركي أوميت أوزداغ، حدد يوم 9 من شباط الحالي موعدًا لاحتجاجات دعا لها سابقًا، لطرد السوريين من السكنات الجامعية.
وبينما خرج وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، ليتحدث عن أن المعلومات التي نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن السوريين كانت مغلوطة، وليس لها أساس من الصحة، كانت فرق الشرطة والجيش تخلي السكن الجامعي في مرسين من العائلات السورية فعلًا.
ومن بين السوريين الذين طُردوا من السكن الجامعي من يحمل الجنسية التركية أيضًا، لكن قوات الشرطة كان تتعامل معهم كسوريين، بحسب حالات رصدتها عنب بلدي.
قابلنا أيضًا سوريين ممن طُردوا من السكن، من حملة الجنسية التركية، قالوا إن الشرطة خيّرتهم بين البقاء والرحيل، لكنهم فضّلوا الرحيل.
وفي حين أن عمر الذي خرج من السكن الجامعي مجبرًا يحمل الجنسية التركية، فإن جزءًا من عائلته يقيمون في البلاد تحت بند “الحماية المؤقتة”، إذ أبلغته قوات الشرطة أنه ليس مجبرًا على الرحيل، لكن لا يمكن لعائلته البقاء في السكن نفسه.
حملات مضادة
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتصاعد فيها الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين في تركيا، إلا أن الحملات التطوعية والإغاثية التي نفذها شباب سوريون خلال الأيام الأولى للزلزال، كانت حديث ناشطين أتراك حتى الآن.
وفي أول انعكاس لهذه الحملات التي نظمها سوريون وأتراك وناشطون من جنسيات أخرى، على واقع الحال في البلاد، طُرد السياسي التركي أوميت أوزداغ من مدن عديدة زارها خلال الأيام التي أعقبت الزلزال.
وفي مدينة غازي عينتاب، خرج أحد عناصر فرق الإنقاذ متحدثًا لأوزداغ عن عنصريته ضد الأجانب، إذ أثبتت الأحداث في الميدان أن الجميع هنا يعمل لإنقاذ الناس، ومن مختلف الجنسيات.
بينما ظهرت شخصيات من الحكومة التركية بشكل متكرر، حاولت تكذيب أخبار أطلقها أوزداغ عن فتح الحدود أمام السوريين لدخول البلاد في ظروف الزلزال، ومعلومات أخرى عن أن السوريين يقيمون في السكن الجامعي كمنتجع سياحي.
رئيس بلدية إسبارطة، شكري باشدايرمان، خرج للحديث مع أوزداغ أيضًا خلال زيارة الأخير إلى المدينة، وكذّب خلال الحديث جملة من الشائعات أطلقها أوزداغ في وقت سابق.
الشرطة تلاحق مصدر الشائعات
أعلنت المديرية العامة للأمن في تركيا، في 13 من شباط الحالي، عن اعتقالها 14 شخصًا من مجموع 56 مطلوبًا يُتهمون بنشر إشاعات حول الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا وتركيا، مشيرة إلى أن الشرطة تتعقب بقية المطلوبين.
وجاء في بيان صحفي نشرته المديرية عبر موقعها الرسمي اليوم، الاثنين 13 من شباط، أنها أطلقت “دوريات افتراضية” على الإنترنت على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، لملاحقة هذا النوع من الجرائم الإلكترونية.
وأشارت إلى أن هذه الدوريات يجري متابعتها من قبل إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في المديرية العامة للأمن.
البيان أضاف أن 475 حسابًا عبر الإنترنت يجري تعقبها بتهمة نشر “منشورات استفزازية” على منصات التواصل الاجتماعي بشأن الزلزال “بغية إثارة الخوف والذعر”.
ويبلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين في تركيا حوالي 3.5 مليون لاجئ، ويقيم ما يقارب نحو مليون و750 ألف شخص منهم في مدن الجنوب التركي التي وقع فيها الزلزال مؤخرًا.
وتستضيف مدينة غازي عينتاب النسبة الكبرى في جنوبي تركيا، إذ تحتضن 460 ألفًا و150 لاجئًا، تليها مدينة هاتاي وعدد السوريين فيها 354 ألف لاجئ، وأورفا 368 ألف لاجئ، وأضنة 250 ألف لاجئ.
ويعيش في كل من كهرمان مرعش وكلس وأديامان والعثمانية وديار بكر وملاطيا حوالي 550 ألف لاجئ سوري، بحسب إحصائية صادرة عن “إدارة الهجرة التركية” في 2 من شباط الحالي.
ولقي عدد كبير من السوريين الموجودين في تركيا حتفهم، جراء الزلزال الذي تضررت إثره عشر ولايات تركية، ومركزه مدينة كهرمان مرعش.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :