مساعدات ما بعد الزلزال في “طاحونة” النظام ودوائره المقربة   

  • 2023/02/19
  • 10:53 ص

اجتماع رئيس النظام السوري وزوجته مع أعضاء "الهلال الأحمر السوري" و "الأمانة السورية للتنمية" - 11 من شباط 2023 (رئاسة الجمهورية)

عنب بلدي – جنى العيسى

منذ الساعات الأولى للزلزال، حصل النظام السوري على عديد من المكاسب، منها سياسية وأخرى اقتصادية، إذ بدأت المساعدات الإغاثية والنقدية تتدفق إلى مناطق سيطرته في الأيام الأولى للزلزال.

وفي قرار غير مسبوق، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قرارًا يقضي بإعفاء النظام من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر” لمدة ستة أشهر، لجميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، وهو الأمر الذي طالب به النظام لسنوات، دون أن يلقى أي رد أمريكي قبل تاريخ هذا القرار، ما يسمح باستفادة النظام من تحويل الأموال واستيراد الوقود، ومنتجات البناء والبنى التحتية.

بالمقابل، وبعد تعنّت لسنوات، بدأ مصرف سوريا المركزي، بحسب قرار صادر عنه في 9 من شباط الحالي، دون إعلان رسمي، تطبيق سعر نشرة الحوالات والصرافة، القريب من سعر صرف “السوق السوداء” (6900 ليرة سورية للدولار الواحد)، على الحوالات المخصصة للاستجابة الطارئة للزلازل من قبل المنظمات الأممية والدولية والإنسانية، ويحاول النظام من وراء القرار جذب الحوالات عبر قنواته الرسمية، وتقليص الفرق بين السعر الحقيقي لليرة والسعر الذي يحدده بعد ضغط دول المانحة.

حجم المساعدات التي وصلت أو ستصل لاحقًا إلى مناطق النظام استجابة للزلزال، واستفادته من المساعدات النقدية الناجمة عن فارق سعر الصرف بين المفترض والحقيقي، بالإضافة إلى الاستثناء الأمريكي المؤقت، الذي سيسهل عليه التعامل مع جميع الدول ماليًا في “إطار الاستجابة للزلزال”، فتحت الباب أمام التساؤلات حول حقيقة استفادة النظام السوري، وما إذا كانت المساعدات الخارجية بعد الكارثة يصب قمحها في طاحونة النظام، ومدى انعكاس استجابة الدول والمنظمات على متضرري الزلزال فعلًا.

برسم “الهلال” و”الأمانة”

الأستاذ المشارك في كلية إدارة الاقتصاد بجامعة “ماردين” التركية، الاقتصادي السوري الدكتور عبد الناصر الجاسم، يرى في حديث إلى عنب بلدي، أن مكاسب النظام من كارثة الزلزال على الصعيد السياسي أكبر منها على الصعيد الاقتصادي، على المدى القصير، مؤكدًا وجود عديد من المكاسب الاقتصادية له.

وتتمثل هذه المكاسب بدخول المساعدات إلى مناطق سيطرته، ولا سيما التبرعات النقدية، بحسب الجاسم، لأن المنظمات الدولية حتى يُسمح لها بإدخال الأموال إلى سوريا، تحتاج إلى وكلاء محليين من المفترض أن يكونوا منظمات مجتمع مدني مستقلة، إلا أن الواقع غير ذلك في سوريا.

ويقدم النظام دائمًا كوكلاء للمنظمات الإغاثية منظمتين اثنتين هما “الهلال الأحمر السوري” و”الأمانة السورية للتنمية”.

وأضاف الجاسم أن “الهلال الأحمر” اليوم يُعد بنسبة كبيرة منظمة أمنية تُدار من أحد أجهزة الأمن في سوريا، أكثر ما يكون منظمة مجتمع مدني، بينما تدير “الأمانة السورية” أسماء الأسد زوجة رئيس النظام، ومجموعتها، وبالتالي يملك النظام فرصة للاستفادة من الأموال من خلال مرورها عبر هذه القنوات، إما عبر الفساد والسرقات، وإما عبر الاستفادة من فروق أسعار الصرف.

وبحسب الجاسم، يأمل النظام على المدى البعيد، بسبب تكامل المنفعة السياسية والاقتصادية لديه، أن يجعل من هذه المساعدات مستدامة ويخلط الأوراق ليدخلها بمسألة إعادة الإعمار، الأمر الذي اعتبره المحلل أمرًا غير قابل للتحقق على الأقل في ظل الظروف الدولية والواقع الراهن.

أُسّست منظمة “الهلال الأحمر السوري” في عام 1942، ودخلت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” في عام 1946.

وتعمل المنظمة مع “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” ومنظمات الأمم المتحدة، ولها علاقات مع النظام السوري لأن نشاطها الأساسي يتركز في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا.

ويعيَّن رئيس المنظمة في سوريا بقرار حكومي، وهو ما حصل عند تعيين خالد حبوباتي رئيسًا للمنظمة في كانون الأول 2016، بقرار من رئيس مجلس الوزراء السابق، عماد خميس، بعد تعديل المادة “20” التي سمحت لرئيس الحكومة اختيار واحد من المرشحين الأربعة لمجلس إدارة المنظمة.

رُبطت المنظمة بالفساد، واتُّهمت بالتمييز في توزيع المساعدات وحرمان المدنيين من الحصول عليها.

بينما نشأت “الأمانة السورية للتنمية” عام 2007، بعد دمج عدد كبير من المنظمات غير الحكومية التي أسستها أسماء الأسد، منذ عام 2000.

ومنذ تأسيسها في 2007، أصبحت “الأمانة للتنمية” أحد أكثر مشاريع العلاقات العامة “قيمة” لدى النظام تجاه الغرب والمجتمع الدولي، بحسب ما جاء في دراسة حول “دور العمل الخيري في الحرب السورية”، للباحثَين في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي وسنان حتاحت.

اجتماع رئيس النظام السوري وزوجته مع أعضاء “الهلال الأحمر السوري” و “الأمانة السورية للتنمية” – 11 من شباط 2023 (رئاسة الجمهورية)

الفساد يتعزز

يعد الفساد سمة متأصلة في هياكل النظام ومؤسساته، بحسب ما قاله الاقتصادي الدكتور عبد الناصر الجاسم، مضيفًا أنه نتيجة لذلك، فإن صرف الأموال التي ستدخل يحتاج إلى تقارير وتدقيق ومراقبة وفواتير وغيرها، ما يفتح للنظام بابًا آخر من أبواب الاستفادة الاقتصادية من كارثة الزلزال.

وبحسب التقرير السنوي لعام 2022 لمؤشرات “مدركات الفساد” الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية”، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد في 180 دولة حول العالم، حافظت سوريا على موقعها المتأخر، إذ جاءت في المرتبة 178 برصيد 13 نقطة من أصل 100.

ويقيس مؤشر “مدركات الفساد” عدة ممارسات تلعب دورًا في تقييم درجة الدولة على المؤشر وهي:

1.الرشوة.

2. تحويل الأموال العامة إلى غير مقاصدها الأصلية.

3. استعمال المسؤولين المنصب العام لتحقيق المكاسب الخاصة دون مواجهة العواقب.

4. قدرة الحكومات على احتواء الفساد في القطاع العام.

5. البيروقراطية المفرطة في القطاع العام التي قد تزيد من حدوث الفساد.

6. استعمال الواسطة في التعيينات بالخدمة المدنية.

7. وجود القوانين التي تضمن قيام المسؤولين العامين بالإفصاح عن أموالهم واحتمال وجود تنازع في المصالح.

8. الحماية القانونية للأشخاص الذين يبلّغون عن حالات الرشوة والفساد.

9. استيلاء أصحاب المصالح الضيقة على الدولة.

10. الوصول إلى المعلومات المتصلة بالشؤون العامة أو الأنشطة الحكومية.

 لا انعكاس على الناس

لا يعتقد الدكتور عبد الناصر الجاسم أن يحمل حجم المساعدات الكبير أي انعكاس على حياة المقيمين في مناطق سيطرة النظام، خاصة متضرري الزلزال منهم الذين يستحقون هذه المساعدات، إذ يستفيد منها النظام والدوائر المقربة المحيطة به فقط، بحسب تعبيره.

بحسب تقديرات نشرها مركز “أبعاد للدراسات الاستراتيجية”، في 9 من شباط الحالي، حول التقديرات الأولية لخسائر الزلزال الذي أثر في عشر ولايات تركية وأربع محافظات سورية، تتمثل التكلفة الاقتصادية للزلزال بتكلفة المنازل التي تهدمت والبالغ عددها نحو 600 منزل في سوريا، وآلاف المباني التي لم تتهدم لكنها لن تكون صالحة للاستخدام، والمنشآت الحكومية والبنى التحتية، بالإضافة إلى الممتلكات الشخصية للمواطنين خاصة السيارات.

ووفق التقرير، تعد المحافظات السورية المتأثرة بالزلزال أقل من المناطق التركية لعدة أسباب، منها الدمار الذي لحق بها بسبب الحرب، وضعف النشاط الاقتصادي، وتوقف تحديث البنى التحتية، ولذلك فإن الخسائر الرئيسة تنحصر في الأبنية الطابقية (التي تتكون من أربعة طوابق وسطيًا) والبنى التحتية المتهالكة، وبعض المؤسسات ذات النفع العام، وهي خسائر يمكن تقديرها بمبلغ يتراوح بين 200 مليون و300 مليون دولار أمريكي كتكلفة مباشرة.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية