عنب بلدي – حسن إبراهيم
“أخواتي وأمي ميتين جوا”، أجابت الطفلة إيلاف الناجية من تحت أنقاض منزلها في مدينة سلقين بريف إدلب الشمالي الغربي، عن سؤال متطوعي “الدفاع المدني السوري” لها بشأن ما إذا كان ثمة أحد معها حين أخرجوها من تحت الركام أول أيام الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية.
فيديو الطفلة تداولته مواقع التواصل، وترك أثره بين فرحة إنقاذها والحزن على أهلها الذين قضوا في الزلزال المدمر، مع أسئلة مفتوحة حول مستقبل الأطفال الذين نجوا دون أهاليهم أو فاقدي الأم أو الأب، وتأثرهم بالكارثة التي أسفرت عن وفاة 2167 شخصًا وإصابة 2950 آخرين شمال غربي سوريا.
صور وتسجيلات مصوّرة لأطفال ناجين من الزلزال ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، رافقتها تعليقات تطالب بتسليمهم لذويهم أو أقربائهم الحقيقيين، وعروض من أشخاص لرعايتهم، وتحذيرات من قيام “المستغلين وضعاف النفوس” بأخذهم من المستشفيات.
أطفال دون العائلة
حالة الطفلة إيلاف التي نجت، في 6 من شباط الحالي، واحدة من عشرات الحالات لأطفال خرجوا دون عائلاتهم من تحت الأنقاض، فبعد مرور أكثر من 50 ساعة على حدوث الزلزال، تمكّن متطوعو “الدفاع المدني” من إنقاذ الطفل أحمد وأخته من تحت ركام منزلهما في بلدة ملس بريف إدلب الشمالي، في 8 من الشهر نفسه.
ووصف “الدفاع المدني” قصة إنقاذهم بـ”الأسطورية”، لكنها حملت غصة كبيرة، فالطفلان فقدا كامل عائلتهما تحت الركام.
وفقد الطفل معاذ والدته وأخته، وبقي مع والده على قيد الحياة، عقب إنقاذهما من تحت الأنقاض في مدينة سرمدا شمالي إدلب، بعد مرور أكثر من 40 ساعة على الزلزال.
وكذلك الطفل أحمد (14 سنة) الذي خسر والده وإخوته الثلاثة وبقي وحيدًا، والطفلة بيسان (ست سنوات) التي فقدت والديها وأخواتها الست، والطفلة سندس (ثماني سنوات) التي خسرت والديها وأختها التوأم، وبقيت وحيدة عند عمتها، وخرجت الطفلة شام (سبع سنوات) بعد 40 ساعة من تحت الأنقاض، لكنها خسرت والدتها وأختها.
في 9 من شباط الحالي، قال “فريق ملهم التطوعي” العامل في الشمال السوري، إنه وصل إلى طفل ناجٍ فقد عائلته، عقب شكوك بإخراجه من أحد المستشفيات بطريقة “غير قانونية” بعد بحث بين المستشفيات.
وذكر مدير “الفريق”، عاطف نعنوع، أن التسجيل المصوّر الذي نشره للطفل وهو على أحد الأسرّة داخل مستشفى “عفرين” بريف حلب الشمالي، لاقى تفاعلًا من قبل عشرات الأشخاص الذين عرضوا رعاية الطفل وتبنّيه.
كما لاقى التسجيل تفاعلًا من بعض العائلات التركية التي اعتقدت أنه طفلها، خصوصًا مع وجود شعار “الصحة التركية” على السرير الذي جلس عليه الطفل، لكن بعد ثلاثة أيام من البحث، تم العثور على والد الطفل وتسليمه إياه، بعد أن فقد والدته وأخته.
لا إحصائية دقيقة
كانت النسبة الكبرى في حصيلة ضحايا الزلزال شمال غربي سوريا من النساء والأطفال، وفق “الدفاع المدني”، دون توفر إحصائية دقيقة، مع استمرار عمليات البحث وانتشال العالقين تحت أنقاض المباني.
مدير المكتب الإعلامي في “مديرية صحة إدلب”، عماد زهران، أوضح لعنب بلدي أن كثيرًا من الأطفال فقدوا أهاليهم، وأن عديدًا من العائلات نجا منها طفل أو طفلان من تحت الأنقاض، وتتولى الجمعيات والمنظمات الإنسانية أمرهم ورعايتهم لا المديرية.
مدير مستشفى “الشفاء” في مدينة عفرين شمالي حلب، الطبيب حسام حمدان، قال لعنب بلدي، إن المستشفى سجلت ثلاث حالات لأطفال فقدوا عائلاتهم، ووصل أقاربهم للتعرف عليهم، وجرى تحويل طفلين إلى مراكز طبية أخرى لحاجتهم لاستشارات إضافية، ولا يزال طفل موجودًا في المستشفى، وهو تحت الرعاية.
الممرضة في مستشفى “الشفاء” وفاء الجيش، أوضحت لعنب بلدي أن المستشفى استقبل ضحايا ومتضررين كثرًا إثر الزلزال، وجرت عمليات الإسعاف والاستجابة من كل الكوادر، وبحسب إمكانيات وقدرة المستشفى.
وقالت وفاء، إن المستشفى فتح قسمًا لاستقبال حالات الأطفال، كما وصل إليه ضحايا وحالات وفاة من الأطفال المجهولي الهوية، بعض العائلات تعرّفت على أطفالها، وأرسل المستشفى بعض وفيات الأطفال المجهولي الهوية إلى المستشفى “العسكري” بعد توثيقها.
القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، “أبو محمد الجولاني”، ذكر خلال مؤتمر صحفي، في 9 من شباط الحالي، أن أي طفل مفقود يُعمّم اسمه، وتحاول الجهات المعنية أن تأتي بأقرب شخص من ذويه.
وأوضح “الجولاني” أن أغلب حالات الأطفال فاقدي الأهل، أتى من أقاربهم من يتعرف عليهم، وفي حال بقي بين الأطفال من لم يأتِ إليه أحد، سيوَجّهون إلى مؤسسة من مؤسسات أو دور الأيتام في المنطقة، لافتًا إلى أن فريقًا يعمل حاليًا على إحصاء أضرار وخسائر الزلزال، منها الأطفال.
احتضان ودعم.. الأمان مطلوب
وجوه ناعمة نجت من الموت، وخرجت من تحت الأنقاض إلى العالم، منها الضاحك ومنها الصامت، وبينها وجه طفلة غنّت “لحن الحياة“، أوصلت رسالة أمل للعالم رافقتها حرقة وأسئلة حيال الحياة المقبلة لأجساد صغيرة فقدت حضن العائلة.
الباحثة في علم الإعلام الاجتماعي ليلاس دخل الله، أوضحت أن الكوارث الطبيعية مثل الحروب ومثل أي موقف صعب يعيشه الإنسان، تترك أثرًا سيئًا جدًا على نفسيته، وخاصة الأطفال، ومن المهم التعامل مع الطفل بطريقة مناسبة حتى لا تسوء حالته النفسية.
وقالت دخل الله لعنب بلدي، إن تعرّض الأطفال لهذه الحالات يتبعه اضطراب يُسمى “اضطراب ما بعد الصدمة”، وتكون أعراضه مثل إنكار الطفل مشاعره الداخلية والواقع الموجود، وقلة الشهية، وعدم القدرة على النوم بشكل سليم، وكوابيس مزعجة.
ويشعر الطفل أن الحياة توقفت، بمعنى استحالة التفكير أن يكون بمكان أفضل، مع فقد الثقة بمن حوله، ورؤيته لما يحيط به بأنه مخيف وحزين، بحسب دخل الله، التي ذكرت أن فقدان الطفل عائلته في مثل هذه الحالات أسوأ بكثير، ويجب الاعتناء به ممن حوله بداية، ثم الاتجاه للجهات المتخصصة للعناية به.
وأوضحت دخل الله أن وضع الطفل فاقد العائلة أو أحد الأبوين أسوأ، لأن حالة عدم الاستقرار لن تكون مؤقتة، وستغيّر حياته بنسبة كبيرة، ما يجعله بحاجة إلى دعم أكبر، ومن الضروري عدم إخباره بوفاة أهله بشكل مباشر، ويجب التمهيد لذلك.
ومن المهم أن يشعر الطفل بالأمان، ويجب تهدئته واستيعاب ردود فعله من قبل محيطه، ثم اللجوء لجهات مختصة سواء لدور الأيتام أو غيرها، وإن أمكن الحصول على مساعدة اختصاصي نفسي، وفق دخل الله.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قالت، في 6 من شباط الحالي، إن آلاف الأطفال عُرضة للخطر بعد زلزالين ضربا جنوبي تركيا ومناطق في سوريا.
وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، كاثرين راسل، إن “الصور التي نراها من سوريا وتركيا تدمي القلب”، ومن المرجح أن تكون المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الطبية والتعليمية قد تضررت أو دُمّرت، ما سيؤثر بشكل إضافي على الأطفال.
وذكرت راسل أن الأطفال في سوريا لا يزالون يواجهون إحدى أكثر الحالات الإنسانية تعقيدًا في العالم، وأن ثلثي السكان بحاجة إلى المساعدة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، واستمرار الاقتتال والنزوح الجماعي.