كيف طغت السياسة على الإغاثة في استجابة الأسد للزلزال
تحت عنوان “خطة التحرك الطارئة”، التقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 6 من شباط الحالي، أعضاء الحكومة، بحضور رئيسها، حسين عرنوس، بعد ساعات من الزلزال المدمر الذي تأثرت به 11 ولاية تركية، وأربع محافظات سورية.
وبعد اللقاء الذي وزّع المهام على الوزارات، غاب الأسد كليًا عن المشهد، طيلة الأيام الأربعة الأولى من الكارثة، التي أودت بحياة 1414 مواطنًا سوريًا في مناطق سيطرته، و2270 مواطنًا في مناطق شمال غربي سوريا، الخارجة عن سيطرته، بالإضافة إلى 1624 جثمانًا عادت إلى شمال غربي سوريا، من تركيا عبر معابر “باب الهوى، والراعي، وباب السلامة”.
وبالنظر للتصريحات والقرارات الصادة عن حكومة النظام، بدا واضحًا منذ اليوم الأول، التوجه نحو تسييس القضية والمطالبة بالدعم الإغاثي، دون إعلان المناطق المتضررة جراء الزلزال، مناطق منكوبة حينها.
زيارات متأخرة
رغم إيكال المهمة للوزراء ومراقبة المشهد عن بُعد، لم تبدأ زيارات مسؤولي النظام للمواقع المتضررة في محافظات حلب وحماة واللاذقية وطرطوس، بالفعل قبل يوم ونصف من الكارثة التي حدثت فجر الاثنين، 6 من شباط.
وفي 7 من شباط، وصل رئيس الحكومة، برفقة وزير الصحة، حسن الغباش، ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل، محمد سيف الدين، إلى مستشفى “جبلة” الوطني.
كما اتجه وزير الدفاع، علي محمود عباس، إلى محافظة حلب، بعد ظهر اليوم نفسه بهدف “الاطلاع على واقع عمليات الإنقاذ وإيواء الأهالي في المحافظة”.
وزير الداخلية، محمد الرحمون زار مدينة اللاذقية، بعد زيارته في اليوم السابق برفقة وزيري السياحة، محمد مرتيني، والتربية، دارم الطباع، إلى محافظة حماة، للاطلاع على أعمال رفع الأنقاض في المدينة.
ضحكات في حلب والأمم المتحدة
في خامس أيام الزلزال، بدأ الأسد أولى زياراته إلى المواقع المتضررة من حلب، حيث التقى المواطنين بضحكات عريضة والتقط الصور، خلال زيارته إلى مستشفى “حلب” الجامعي، ما قوبل بانتقادات ناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لضحك الأسد في وقت الكارثة.
وفي مقابلات قصيرة هامشية من المناطق المتضررة، شن الأسد هجومًا على الدول الغربية، قائلًا “يقال إن الغرب أعطى أولوية للسياسة على الحالة الإنسانية، هذا الكلام غير صحيح، كي يعطي الأولوية لحالة على الأخرى لابد أن تكون كلا الحالتين موجودتين، لكن الحالة السياسية موجودة، الحالة الإنسانية غير موجودة لدى الغرب”.
وفي اليوم التالي، زار الأسد اللاذقية، وأدلى من أحد مراكز الإيواء بتصريح قصير أوضح خلاله أن إعلان الانتقال من “الاستجابة الأولية الطارئة” إلى “الاستجابة المنظمة” خلال اللقاء السابق مع أعضاء غرفة العمليات في حلب، التي تضم جهات حكومية ومنظمات وجمعيات أهلية وفعاليات تجارية وصناعية، سببه الرغبة في إعادة الإعمار والتنمية بشكل أفضل مما كان قبل الزلزال، وقبل الحرب، وفق تعبيره.
وردًا عل سؤال وجهه صحفي في قناة “الجزيرة”، حول سبب تأخر فتح المعابر بين تركيا وشمال غربي سوريا لإدخال المساعدات، في 14 من شباط، قال مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، ضاحكًا أيضًا، “لماذا تسألوني؟ نحن لسنا مسيطرين على هذه الحدود”.
مناطق منكوبة.. إدلب حاضرة
على مدار الأيام الأربعة الأولى من الزلزال، لم يشمل النظام بتصريحات مسؤوليه، أو بتغطية وسائل إعلامه، محافظة إدلب، باعتبارها إحدى المناطق المتضررة جراء الزلزال، رغم ارتفاع حصيلة الوفيات فيها لأكثر من ضعف الوفيات في مناطق سيطرته.
كما تجاهل بيان وزارة الخارجية، غداة يوم الزلزال، إدلب في معرض ذكره للمناطق المنكوبة، مكتفيًا بذكر حلب واللاذقية وحماة في البيان المطالب برفع العقوبات.
رغم إعلان تركيا للمناطق المتضررة مناطق منكوبة منذ اليوم الأول، واتخاذ “الدفاع المدني السوري” شمال غربي سوريا، خطوة مماثلة، التزم النظام الصمت حيال هذه النقطة، مع التلميح لاحتمالية الإقدام على خطوة من هذا النوع لاحقًا.
وفي خامس أيام الزلزال، 10 من شباط، تطرّق النظام لذكر إدلب، للمرة الأولى خلال الكارثة، حين شملها بإعلانه المناطق المنكوبة جراء الزلزال (حلب، وحماة، واللاذقية، وإدلب).
وتبع هذه الخطوة في 11 من شباط، إعلان حصيلة جماعية لأعداد ضحايا الزلزال، متضمنة شمال غربي سوريا لأول مرة، إذ عنونت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام حينها بـ “حصيلة ضحايا الزلزال في عموم سوريا تقترب من خمسة آلاف”، مشيرة في الوقت نفسه، إلى عودة مئات الجثامين من تركيا نحو شمال غربي سوريا.
لا حداد.. لا خطاب
حظيت كارثة الزلزال بتفاعل عالمي جراء فداحة الخسائر التي سببتها على مستوى الأرواح أولًا، والدمار الواسع الذي أتى على مدن بأسرها ثانيًا، لكن النظام لم يعلن الحداد العام في مناطق سيطرته، خلافًا للمعارضة السورية وتركيا.
وفي نفس يوم وقوع الزلزال، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حدادًا عامًا في تركيا لمدّة أسبوع، إلى جانب إعلان “الحكومة السورية المؤقتة” في اليوم التالي، الحداد العام لمدة ستة أيام.
كما أعلن “الدفاع المدني السوري“، في 13 من شباط الحالي، الحداد الوطني لمدة أسبوع في كل أنحاء سوريا، على أرواح ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا، مع تحديد 6 من شباط يوم حداد وطني من كل عام تخليدًا لذكرى الضحايا.
وقال مدير المنظمة، رائد الصالح، حينها، “حُق لنا أن نحزن ونعلن الحداد الرسمي لسبعة أيام بدءًا من اليوم الاثنين في جميع أنحاء سوريا”.
ومنذ حدوث الزلزال، لم يخرج الأسد في خطاب موجه للشارع، ضمن المناطق التي يسيطر عليها، لتعزية المواطنين أو تطمين الناجين، وتقديم جدول زمني واضح ومحدد لمعالجة آثار الكارثة، مفسحًا المجال لجهات محلية مثل “الهلال الأحمر السوري”، وغير سورية كميليشيا “الحشد الشعبي” العراقي، لتولي مهام الإغاثة والإيواء في المناطق المتضررة، إلى جانب فتح أكثر من باب للتبرع لصالح المنكوبين، توّلت أوسعها “الأمانة السورية للتنمية” وهي مؤسسة على ارتباط بزوجته، أسماء الأسد.
شد وجذب
تصاعدت بعد الزلزال النداءات المطالبة برفع العقوبات عن النظام بذريعة إتاحة إدخال معدات ثقيلة للإسهام في رفع الأنقاض وإنقاذ العالقين تحت الركام.
وجاءت الدعوات هذه على لسان ناشطين ومؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب حالة الاستثمار السياسي الرسمي وربط العقوبات بمسألة الاستجابة الإنسانية الطارئة.
وذكر بيان الخارجية السورية، في 7 من شباط، أن السوريين معاقبون أمريكيًا، وأن العقوبات تمنع عنهم التجهيزات والمعدات المطلوبة.
ذرائع النظام قوبلت بأكثر من رد، أمريكي وأوروبي، فخلال الإحاطة الصحفية اليومية، أوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في 6 من شباط، أن ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية هو التواصل مع “نظام عامل شعبه بوحشية على مدار 12 عامًا، وذبح مواطنيه وقصفهم بالغازات السامة، وهو المسؤول الأبرز عن معاناتهم.
تصريحات برايس تبعها في اليوم التالي، تنويه من المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفين شنيك، نفى خلاله وجود عقوبات أوروبية على المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
وفي تأكيد آخر للموقف الأمريكي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، خلال لقائه نظيره النمساوي، في واشنطن، في 7 من شباط، إن لدى واشنطن شركاء إنسانيون ممولون من الولايات المتحدة، ينسقون المساعدات للإنقاذ.
وأضاف، “نحن ملتزمون بتقديم المساعدة للناس في سوريا في سبيل التعافي من هذه الكارثة (…) هذه الأموال تذهب بالطبع للشعب السوري وليس للنظام، وهذا لن يتغير”.
المساعدات صفقة
طالب “الدفاع المدني السوري” منذ اليوم الأول بمعدات وآلية ثقيلة، للتعجيل في عملية إنقاذ العالقين تحت الأنقاض في مناطق شمال غربي سوريا، دون استجابة بأكثر من التصريحات، خلال الأيام الأربعة الأولى على وقوع الزلزال.
وفي اليوم الرابع، ظهرت عدة مؤشرات تشي بوجود صفقة لتسهيل دخول المساعدات مقابل بعض الامتيازات للنظام السوري، إذ أعفت وزارة الخزانة الأمريكية، النظام من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر”، لمدة ستة أشهر، ولجميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية.
كما أن تصريحات تركية أشارت لإمكانية إدخال المساعدات الإغاثية لمناطق سيطرة النظام عبر الحدود البرية بين الجانبين، ليأتي إعلان النظام للمناطق المنكوبة في اليوم الخامس، 10 من شباط.
وفي اليوم نفسه، ومع تراجع الآمال بالعثور على ناجين من تحت الركام، دخلت عبر معبري “باب الهوى” و”باب السلامة” شاحنات مواد غذائية وإغاثية، مصدرها الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية.
المساعدات المتأخرة لأربعة أيام أتت خالية من المعدات والآليات الثقيلة التي طالب بها “الدفاع المدني”، مركّزة على المواد الغذائية والإغاثية المرممة لآثار الكارثة، لا تلك التي تحد من مضاعفاتها في شمال غربي سوريا.
سياسة على حساب الضحايا
أولت وسائل الإعلام المحلية اهتمامًا مقصودًا لرسائل وبرقيات واتصالات التعزية التي تبادلها الأسد مع رؤساء أو مسؤولي بعض الدول، إلى جانب الاحتفاء بوصول المساعدات، وصولًا لنقل هبوط بعض الطائرات عبر البث المباشر، وبحضور وزاري.
وفي الوقت نفسه، تراجعت وتيرة إحصاء الضحايا على صفحة وزارة الصحة في حكومة النظام، عبر “فيس بوك” منذ اليوم الثالث للزلزال، لصالح التركيز أكثر على اتصالات الأسد والمساعدات الإغاثية التي تصل إلى مناطق سيطرته.
كما لم تقدّم الوزارة في إحصائيتها النهاية الصادرة في 14 من شباط، تفصيلًا واضحًا لأعداد الوفيات في كل محافظة على حدة، مكتفية بتقديم عدد إجمالي بلغ 1414 حالة وفاة، و2357 حالة إصابة.
ما مستوى الاستجابة؟
الصحفي والباحث السياسي، فراس علاوي، أوضح أن النظام في المقام الأول لا يملك أدوات استجابة على الأرض حتى لو أراد ذلك.
واعتبر علاوي تأخر الاستجابة مرتبطًا بمحاولة النظام إثبات أن هناك حصارًا يمنع التحرك والاستجابة، وهو تكتيك سياسي، بالإضافة لهدف آخر، هو جذب أكبر كمية ممكنة من المساعدات الخارجية، فالنظام حاول استثمار الزلزال سياسيًا أكثر من تقديم استجابة طارئة على الأرض.
ويمكن القول وفق الباحث، إن النظام نجح نوعًا ما في استراتيجيته للتعامل مع الكارثة، إذ جرت بعض الزيارات لمسؤولي الأمم المتحدة ومنظمة “الصحة العالمية”، ووزراء خارجية عرب إلى دمشق، إلى جانب تعاطف دولي “جزئي” كسر بعض الحصار الدبلوماسي والسياسي حول النظام، لكنه مرهون أيضًا بإعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن المساعدات إنسانية ولا تأخذ منحى سياسي.
كما أشار الباحث فراس علاوي لوجود حالة نقمة لدى المقمين في مناطق سيطرة النظام، مع ضعف في الإعلام المحلي الذي يديره في تصوير الخسائر الإنسانية عند البحث عن مكاسب سياسية.
ورغم كثافة المساعدات، يبدو النظام غير قادر على تعويض الأهالي بسبب حالات السرقة للمعونات، كمؤشر على فساد كبير مستشرٍ في جسد النظام، ما قد يمنع دولًا كبرى من تقديم المساعدات بهذا السياق، بحسب رأي الباحث.
البحث عن شرعية
ويتفق المستشار الأول في مركز الأبحاث البريطاني “تشاتم هاوس” حايد حايد مع وجهة النظر السابقة حول الاستغلال السياسي للكارثة من قبل النظام، إذ بيّن في حديث إلى عنب بلدي، أن غرض النظام من الكارثة البحث عن تعزيز شرعيته السياسية والتخفيف من عزلته، إلى جانب الضغط للتخلص من العقوبات.
من المتعارف عليه بعد كارثة بهذا الحجم، أن تعزي الحكومة أو رئيس الجمهورية الشعب، مع إعلان الحداد الرسمي، لكن النظام لا يشعر بمسؤولية أو تعاطف تجاه المتضررين، بمن فيهم المقيمون ضمن مناطق سيطرته.
حايد حايد – المستشار الأول في مركز الأبحاث البريطاني “تشاتم هاوس” |
واعتبر حايد حايد أن زيارات النظام المتأخرة لمواقع الكارثة مرتبطة بحالة لغط حتى ضمن الدوائر الموالية لحكمه، حول غيابه عن المشهد، وليست للتعاطف مع الشارع، فالنظام لم يقدّم بيانًا يتيح للمنظمات الإنسانية استخدام الطيران لإيصال المساعدات وفرق الإنقاذ نحو شمال غربي سوريا.
كما أسهم في تأخير المساعدات إلى الشمال أصلًا بغرض احتكار السيطرة على المساعدات وإجبار المنظمات والدول على التعامل معه بشكل مباشر، بهدف لكسر طوق عزلته الدولية.
وفي الساعات الأولى من الاثنين، 6 من شباط، ضرب زلزال بشدّة 7.7 درجات، ولاية كهرمان مرعش، تبعه زلزال آخر بشدة 7.6 درجات، في ظهيرة اليوم نفسه، وفي الولاية ذاتها.
وبيّن مدير إدارة المخاطر والحد منها في إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، أورهان تتار، في 11 من شباط، أن الطاقة التي أطلقها الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجات لها طاقة 500 قنبلة ذرية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :