لم ينجح المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، المصطفى بن المليح، في أول اختباراته الأممية منذ تعيينه قبل أربعة أشهر، عندما لم يتقدم بطلب نشر فرق الأمم المتحدة للكوارث والتنسيق، بعد حدوث كارثة الزلزال في سوريا، في خطوة تتماشى مع سياسة النظام السوري الذي لم يعلن المحافظات المتضررة “منكوبة” قبل اليوم الخامس من الزلزال.
وتعد فرق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق (UNDAC) جزءًا من نظام الاستجابة لحالات الطوارئ الدولية المفاجئة، المصمم لمساعدة الأمم المتحدة وحكومات البلدان المتضررة من الكوارث، خصوصًا الزلازل، خلال المرحلة الأولى من حالة الطوارئ المفاجئة.
ويساعد فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق في تنسيق الإغاثة الدولية الواردة على المستوى الوطني أو في موقع حالة الطوارئ.
ويمكّن نظام الاستجابة الأمم المتحدة من نشر فرق الاستجابة خلال 12 إلى 48 ساعة في أي مكان بالعالم، بشكل مجاني للبلد المتضرر.
ويفعّل النظام بناء على طلب المنسق المقيم للأمم المتحدة (القائم بعمله المصطفى بن المليح في حالة سوريا)، أو منسق الشؤون الإنسانية، أو الحكومة المتضررة.
ولم يفعّل بن المليح هذا النظام، كما لم يزر مناطق شمال غربي سوريا للاطلاع على الأضرار، واكتفى بالتصريحات والمقابلات التي تجاهل فيها المنطقة.
وهو ما يتماشى مع أدبيات النظام السوري، الذي تجاهل بيان وزارة الخارجية السورية، غداة يوم الزلزال، إدلب في معرض ذكره للمناطق المنكوبة، على الرغم من الأضرار الكبيرة التي لحقت بها.
وفي خامس أيام الزلزال، 10 من شباط الحالي، تطرّق النظام لذكر إدلب للمرة الأولى خلال الكارثة، حين شملها بإعلانه المناطق المنكوبة جراء الزلزال، في خطوة تشير إلى كونها أحد بنود اتفاقية بين النظام والأمم المتحدة.
تجاهل 4.6 مليون شخص
في لقاء عبر وكالة أخبار الأمم المتحدة غداة يوم الزلزال، في 7 من شباط الحالي، لتسليط الضوء على محنة المتأثرين بهذا الزلزال، تجاهل المصطفى بن المليح حجم الكارثة وتداعياتها في شمال غربي سوريا، عندما دعا إلى تقديم مساعدات عاجلة للضحايا والمتضررين من كارثة الزلزال المدمر في سوريا.
وقال بن المليح، إنه “لا توجد حتى الآن إحصائيات كاملة للأضرار في المناطق المتأثرة بالزلزال”، مضيفًا، “ما زلنا في إطار تقييم انعكاسات الزلزال على المنطقة الشمالية، بما في ذلك حلب وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس، ولدينا فرق هناك تحاول تقييم الاحتياجات، ولكن الوضع صعب جدًا”.
وفي رده على سؤال الصحفي المباشر عن المناطق الأخرى التي تضررت بشدة من الزلزال، أجاب بن المليح أن الأضرار في حلب وحماة واللاذقية وطرطوس وكل ما بينهما، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى ما وصفها بـ”المناطق النائية”.
وعن استراتيجية الأمم المتحدة للاستجابة للأزمة الحالية خلال الأسابيع المقبلة، أوضح المسؤول الأممي أن الاستراتيجية هي “التنسيق وتجنب الازدواجية في الجهود، والاستجابة لكل الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك التعليم والصحة والمواد الغذائية وغير الغذائية”.
وأكد بن المليح أن الوصول إلى المتضررين والمستفيدين والمحتاجين يكون بناء على اتصال مباشر مع الحكومة السورية، والتنسيق معها، والعمل على إعادة إصلاح ما تضرر من خلال عملية الإنعاش المبكر التي يطالب بها النظام السوري، ومن خلفه روسيا، على الدوام.
ويقيم في شمال غربي سوريا 4.6 مليون شخص وفق إحصاءات الأمم المتحدة، حيث كان ضرر الزلزال عليهم أكثر من مضاعف بالنسبة لمناطق نفوذ النظام، وفق إحصائيات الخسائر البشرية والمادية.
وفي لقاء له على قناة “الجزيرة” القطرية، في 12 من شباط الحالي، قال المصطفى بن الملیح، إنه من “غير العادل” القول إن الأمم المتحدة لم تقم بواجبها في شمال غربي سوريا، مستندًا إلى عدم وجود الضمانات الأمنية للدخول إلى تلك المناطق، فيما عدا موافقة النظام الموجودة حتى الخط الفاصل مع المعارضة، مشيرًا إلى أنه لم يُسمح بإدخال أي قوافل مساعدات في مناطق التماس داخل سوريا.
وكانت الأمم المتحدة أدخلت أولى قوافل المساعدات الخاصة بالزلزال إلى شمال غربي سوريا عبر الحدود من تركيا خامس أيام الزلزال، في 10 من شباط الحالي، بعد يوم من قافلة محدودة ومجدولة مسبقًا.
كما أقرت عبر منسق الإغاثة الأممي في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، بخذلان السوريين في شمال غربي سوريا.
At the #Türkiye–#Syria border today.
We have so far failed the people in north-west Syria.
They rightly feel abandoned. Looking for international help that hasn’t arrived.
My duty and our obligation is to correct this failure as fast as we can.
That’s my focus now.— Martin Griffiths (@UNReliefChief) February 12, 2023
دعم رواية تأثير العقوبات
استغل النظام السوري منذ الأيام الأولى الزلزال وظهور تداعياته، بالمطالبة برفع العقوبات المفروضة عليه بحجة أنها تمنع وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، على الرغم من توافد طائرات الإغاثة من نحو 25 دولة.
ودعم وروّج هذه الدعاية العديد من المسؤولين من وزراء وجهات تابعة له أو مقربة منه مثل “الهلال الأحمر السوري”، وناشطين ومؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتشكيل حالة من الاستثمار السياسي الرسمي، وربط العقوبات بمسألة الاستجابة الإنسانية الطارئة.
وقوبلت هذه الذرائع برفض أمريكي وأوروبي يوضح عدم تضارب العقوبات مع المساعدات الإنسانية.
وظهر المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، المصطفى بن المليح، بعد يومين من كارثة الزلزال في مقابلة مع الوكالة السورية الرسمية (سانا)، أكد فيها أن العقوبات المفروضة “تضر بالعمل الإنساني في سوريا”، وأنه يجب عدم تسييس الشأن الإنساني.
وأضاف أن هدف منظمات الأمم المتحدة “إيصال رسالة حول معاناة السوريين جراء العقوبات المفروضة على بلدهم، وضررها بالعمل الإنساني”، زاعمًا أنها منعت وصول مساعدات مادية بملايين الدولارات للمتضررين من الزلزال.
وادعى بن المليح أن حكومة النظام “قدمت كل التسهيلات لإيصال المساعدات إلى كل الأماكن المتضررة”، في حين لم تكن حينها قد أُرسلت أي قافلة إلى شمال غربي سوريا، ولم يعلن النظام حينها أيضًا عن أن إدلب منطقة منكوبة.
كما لم يسمح النظام للمساعدات القادمة من مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية” بالدخول إلى بعض مناطق وأحياء مدينة حلب ذات الأغلبية الكردية حتى اليوم السابع من الزلزال، إذ اشترط النظام الحصول على 70% من تلك القافلة.
ولم يكن بن المليح الموظف الأممي الوحيد المروّج لرواية ضرر العقوبات على المساعدات الإنسانية، إذ دعم خبراء أمميون مستقلون لحقوق الإنسان هذه الرواية، عبر بيان صادر عنهم في 10 من شباط الحالي.
ودعا الخبراء لرفع جميع القيود الاقتصادية والمالية الناجمة عن “العقوبات الأحادية المفروضة على سوريا”، ومن بين الخبراء الموقعين، ألينا دوهان، المقررة الخاصة المعنية بالتأثير السلبي للتدابير القسرية الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان، التي شككت الخارجية الألمانية سابقًا بالمنهجية التي توصلت فيها إلى استنتاجات مشابهة.
من المصطفى بن المليح؟
ولد المصطفى بن المليح في المغرب بمدينة مكناس، وتخرج في كلية الاقتصاد بمدينة الرباط عام 1975، ثم درس وتخرج عام 1980 من فرنسا حيث حصل على دكتوراه في اقتصاديات التنمية والتنمية الدولية.
عمل مساعد أستاذ جامعي لمدة عامين في جامعة “محمد بن عبد الله” بالمغرب، ومنذ عام 1997 حتى عام 2008، عمل منسقًا مقيمًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في كل من ساحل العاج والكويت والسعودية.
وانتقل بعدها في عام 2008 إلى إندونيسيا ليعمل في منصب المنسق المقيم، ومنسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، حتى عام 2013.
وعمل بذات المنصب في عامي 2015 و2016 على التوالي في كل من السودان ومصر، وفي عام 2017 حتى 2019 شغل منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في هاييتي.
وقبل حصوله على منصبه الحالي كمنسق مقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، في تشرين الثاني 2022، كان يعمل بشكل مستقل كمستشار تطوير وإدارة منذ عام 2019.
–