سخّر النظام السوري كارثة الزلزال لأغراض سياسية بدت واضحة عبر الحملة التي شنها للمطالبة برفع العقوبات الأمريكية من جهة، إلى جانب الإعلان المتأخر في اليوم الخامس للزلزال، للمحافظات السورية المتضررة، مناطق منكوبة.
وعلى مدار الأيام الأربعة الأولى للزلزال، غابت محافظة إدلب، عن أخبار ضحايا الزلزال في إعلام النظام وتصريحات مسؤوليه الرسمية.
كما أن بيان وزارة الخارجية، غداة يوم الزلزال، لم يذكر إدلب ضمن المناطق المتضررة التي أشار إليها البيان، لكن إعلان المناطق المنكوبة، في 10 من شباط، شمل محافظة إدلب في أول تناول رسمي لمجريات الكارثة شمال غربي سوريا.
صحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام، أعلنت في 11 من شباط، لأول مرة، حصيلة جماعية للوفيات في سوريا، مضمنة مناطق شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.
كما عنونت الصحيفة بـ”حصيلة ضحايا الزلزال في عموم سوريا تقترب من خمسة آلاف“، مشيرة في الوقت نفسه، إلى عودة مئات الجثث من تركيا نحو شمال غربي سوريا.
المنطقة المنكوبة
المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال، أوضح عبر “فيس بوك”، أن إعلان المناطق المنكوبة مصطلح سياسي يتعلق بآلية طلب المساعدات الإغاثية الدولية.
كما يخضع المصطلح لمعايير دولية تحد من صلاحيات “السلطات الوطنية” في كيفية التصرف بتلك المساعدات.
وبيّن الشعال أن المصطلح يندرج في إطار التجاذبات والحسابات السياسية، وهو ما يفسر تصريحات مسؤولي النظام التي تحدثت عن المناطق بأنها منكوبة، دون إعلان رسمي، رغم حقيقة أنها منكوبة فعلًا.
والمنطقة المنكوبة منطقة جغرافية متضررة جراء كارثة طبيعية أو من صنع البشر، لدرجة تستدعي تدخلًا دوليًا.
وتطرق المحلق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، عام 1977، للمنطقة المنكوبة، في المادة “61”، بداية الفصل السادس المتعلق بمسائل الدفاع المدني.
وحددت المادة 15 مهمة للدفاع المدني من إجلاء وإنذار وإنقاذ وغيرها، كما أن المدنيين والمسلحين في الحالات التي لا ينص عليها “البروتوكول” أو أي اتفاق دولي آخر، هم تحت حماية وسلطة مبادئ القانون الدولي، كما استقر بها العرف والمبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير لعام.
واعتبر المحامي عارف الشعال أن الإعلان عن مناطق منكوبة ليس له معنى قانوني، ولا يحدث للسلطة التنفيذية أي مركز قانوني، كالذي يحدث في حالات إعلان الطوارئ أو حالة التعبئة، ما يستدعي تفسيرًا من قبل الجهة التي وضعت القرار، وفق رأيه.
الاعتراف له ثمن
رغم إعلان تركيا للمناطق المتضررة جراء الزلزال، مناطق منكوبة منذ اليوم الأول، واتخاذ “الدفاع المدني السوري” شمال غربي سوريا، خطوة مماثلة، التزم النظام الصمت حيال هذه النقطة، مع التلميح لاحتمالية الإقدام على خطوة من هذا النوع لاحقًا.
وخلال الأيام الأربعة الأولى على حدوث الزلزال، لم تدخل أي مساعدات إغاثية مرتبطة بكارثة الزلزال إلى الشمال السوري، لكن اليوم الخامس الذي أعلن فيه النظام المناطق السورية المنكوبة، ترافق بعدة معطيات حوّلت الإعلان لما يشبه “صفقة” أبرمها النظام مقابل امتيازات معينة.
وقبل أقل من 24 ساعة على الإعلان، أعفت وزارة الخزانة الأمريكية، النظام من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر”، لمدة ستة أشهر، ولجميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية.
كما أن تصريحات تركية أشارت لإمكانية إدخال المساعدات الإغاثية لمناطق سيطرة النظام عبر الحدود البرية بين الجانبين، ليأتي إعلان النظام للمناطق المنكوبة في اليوم الخامس، 10 من شباط.
وفي اليوم نفسه، وبعد انتظار أربعة أيام قلّصت آمال النجاة من تحت الأنقاض، ما دفع متظاهرين للتجمع قرب معبر “باب السلامة” الحدودي مع تركيا، مطالبين بإدخال المساعدات، دخلت عبر معبري “باب الهوى” و”باب السلامة” شاحنات مواد غذائية وإغاثية، مصدرها الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية.
ورغم المطالبة منذ اليوم الأول بمعدات وآليات ثقيلة لرفع الأنقاض وتعجيل عملية الإنقاذ، لكن مساعدات اليوم الخامس المتأخرة جاءت خالية مما طالبت به منظمة “الدفاع المدني السوري” العاملة شمال غربي سوريا.
الأسد في حلب
وبالتزامن مع إعلان المناطق المنكوبة، زار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حلب، في 10 من شباط، كأولى زياراته للمناطق المتضررة جراء الزلزال.
ونشرت الوكالة السورية للأنباء (سانا)، حينها، عدة صور ظهر فيها الأسد بزي أسود غير رسمي، متحدثًا إلى المصابين، برفقة زوجته، ووزير الإدارة المحلية، حسين مخلوف.
هذه الخطوة سبقها بيوم واحد، تطبيق مصرف سوريا المركزي سعر نشرة الحوالات والصرافة، القريب من سعر صرف السوق “السوداء”، على الحوالات المخصصة للاستجابة الطارئة للزلازل، من قبل المنظمات الأممية والدولية والإنسانية.
حصيلة غير نهائية
وفي السياق نفسه، ارتفعت حصيلة الوفيات في حماة وحلب واللاذقية جراء الزلزال، إلى 1804 أشخاص، وعدد المصابين إلى 2341 شخصًا، في حصيلة غير نهائية، كمختلف المناطق المتضررة.
ولا تقدّم وزارة الصحة في حكومة النظام إحصائيات مفصلة لتوزع الضحايا على مستوى المحافظات، كما توقفت عن تقديم تحديثات دورية لأعداد الضحايا منذ ثالث أيام الزلزال، لصالح تغطية أخيار سياسية تتعلق باتصالات الأسد وبرقيات التعازي التي تصله.
وأحصى “الدفاع المدني السوري” في شمال غربي سوريا، 2167 حالة وفاة، و2950 حالة إصابة وفق إحصائيته الصادرة مساء أمس السبت، والتي سبقها الإعلان عن الانتقال لمرحلة البحث وانتشال الجثث، بعد انتهاء البحث والإنقاذ، مع تضاؤل الآمال بالعثور على ناجين بعد مرور أكثر من أربعة أيام على الزلزال.