حسام المحمود | جنى العيسى | لجين مراد
“ندفنهم في منطقة ييلاداغ، على بعد نحو ساعة من أنطاكيا، وهي قريبة من كسب السورية، فإن عدنا إلى سوريا يومًا ما بإمكاننا القدوم لزيارتهم”.
هكذا اختصر أحمد حاج بكري نكبة عائلة لا يزال كثير من أفرادها تحت الأنقاض في مدينة أنطاكيا التركية، بعد مرور خمسة أيام على كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب ولاية كهرمان مرعش، جنوبي تركيا، ملقيًا بآثار قاسية على عشر ولايات تركية وأربع محافظات سورية.
يتقاسم أحمد، وهو صحفي سوري ينحدر من ريف اللاذقية، مع أربعة من أفراد عائلته، مهام البحث عن 30 إلى 40 شخصًا من أقاربهم الذين غيّبهم الركام وحجبتهم الأنقاض، موضحًا لعنب بلدي أنهم اتفقوا على جمع جثث الأقارب التي ينتشلونها ليلًا لدفنها نهارًا.
وعلى إيقاع المأساة ذاتها يمر الوقت منذ فجر الاثنين الماضي، على آلاف العائلات في سوريا وتركيا، والتي شمّرت عن سواعدها للبحث عن أحبابها، إثر عدم كفاية فرق الإنقاذ القادمة من أصقاع الأرض إلى تركيا، أو المتروكة دون دعم في شمال غربي سوريا.
تستطلع عنب بلدي في هذا الملف الأسباب التي عرقلت وصول المساعدات إلى سوريا والآثار التي ترتبت على تأخير لا تغفره التصريحات التي جاءت من أكثر من مسؤول وجهة دولية لتبريره.
كما تسلط الضوء على حجم الاحتياجات التي فرضتها الكارثة، فاتحة الباب على احتياجات وضرورات إضافية في منطقة ضعيفة المناعة على مستوى الخدمات المتاحة فيها.
لا حصيلة نهائية.. خيبة في الشمال
في الساعات الأولى من فجر الاثنين، 6 من شباط، وقع زلزال بشدّة 7.7 درجات على مقياس ريختر، في ولاية كهرمان مرعش، متجاوزًا الحدود التركية إلى سوريا، التي استيقظت كثير من مناطقها على جرح لم يتوقف نزيفه بعد، ليندمل.
وتبع الزلزال الأول، آخر في الولاية ذاتها، وبشدة 7.6 درجات، في ظهيرة اليوم نفسه.
صعد أعداد الضحايا في البلدين لأكثر من 26 ألفًا في حصيلة غير نهائية، ويصعب إحصاء نصيب السوريين من الكارثة، فإلى جانب وفيات شمال غربي البلاد التي تجاوزت 2166، ومناطق سيطرة النظام بـ1387، صدّرت المدن التركية المنكوبة جثمان نحو ألف سوري ليعودوا ويدفنوا في سوريا، إلى جانب آخرين لم تُحصَ أعدادهم يدفنون ضمن مقابر تركية غابت فيها أسماء المدفونين مختزلة كينونة البشري في رقم.
ويستقر نصف اللاجئين السوريين في تركيا، في المناطق التي أعلن عنها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منكوبة منذ اليوم التالي للزلزال، مع رفع الإنذار إلى المستوى الرابع الذي يستدعي تدخلًا إنقاذيًا دوليًا.
وبحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن إدارة الهجرة التركية، في 2 من شباط، بلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا 3.5 مليون لاجئ، يتركز نصفهم تقريبًا في غازي عنتاب وهاتاي وشانلي أورفا وأضنة وكهرمان مرعش (مركز الزلزال) وكيلس وأديمان والعثمانية وديار بكر وملاطية.
ورغم إعلان “الدفاع المدني السوري” لشمال غربي سوريا منطقة منكوبة، ظلّ الدعم الدولي والأممي على مدار الأيام الأربعة الأولى حبيس التصريحات الأممية التي تتذرع بصعوبات لوجستية، لم تتلاشَ آمال فرق الإنقاذ بالعثور على ناجين في المنطقة، لينتقل الشمال السوري الحاضن لنازحين من مختلف المحافظات السورية، إلى فصل آخر من التعامل مع كارثة الزلزال.
ياسمين مرجان، سيّدة مقيمة في مدينة جنديرس، شمال غربي حلب، مع ابنها وأحفادها، روت لعنب بلدي مجريات لحظات الزلزال التي عاشتها وبقيت بعدها على قيد الحياة لوحدها من دون أفراد العائلة.
قالت السيّدة، “كانت الأجواء باردة ماطرة، تهدّم المنزل وغاصت العائلة في الركام، وبقي طفل فقط من الأقارب”.
وتعتبر جنديرس واحدة من أكثر مدن شمال غربي سوريا تضررًا على مستوى الخسائر البشرية، بتسجيلها 515 حالة وفاة، وأكثر من 830 مصابًا أخرجتهم فرق “الدفاع المدني السوري” من تحت الأنقاض.
وخلال مؤتمر صحفي عقده في 10 من شباط، أعلن مدير “الدفاع المدني السوري” رائد الصالح، الانتقال من مرحلة البحث والإنقاذ إلى مرحلة البحث وانتشال الجثث، مشيرًا إلى تراجع فرص العالقين تحت الأنقاض، بالبقاء أحياءً بعد مرور أكثر من أربعة أيام على الزلزال.
وقال الصالح إن فرق البحث والإنقاذ كانت تسابق الزمن لإنقاذ الضحايا العالقين في الأنقاض، مؤكدًا أن نقص المعدات الفعالة كان سببًا كبيرًا في العجز عن إنقاذ الكثيرين.
في اليوم الخامس على الكارثة، بدأ دخول شاحنات مساعدات أممية، وأخرى من إقليم كردستان العراق والكويت والسعودية وقطر، اعتبارًا من اليوم الخامس للكارثة، وبينما خلت من المعدات التي طالب بها الشمال للمساندة في إنقاذ العالقين، ربط دخولها بملامح صفقة مع النظام السوري، الذي أعلن في ذات اليوم محافظات حلب واللاذقية وحماة وإدلب، مناطق منكوبة، وهي المرة الأولى التي يعترف فيها بمحافظة إدلب، الخارجة عن سيطرته، باعتبارها جزءًا من الاستجابة.
الأرقام والإحصائيات التي تصدر تباعًا، تبيّن حجم وتأثير الزلزال الذي لم تتوقف انعكاساته ولم يبلغ سقف خسائره حتى إعداد هذا الملف، إذ أوضح مدير إدارة المخاطر والحد منها في إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، أورهان تتار، أمس السبت، أن الطاقة التي أطلقها الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجات وكان مركزة منطقة بازارجيك في كهرمان مرعش، توزاي طاقة 500 قنبلة ذرية.
كما ذكر رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين، كارلو دوغليوني، في 7 من شباط، أن الزلازل التي ضربت تركيا تسببت في تحريكها ثلاثة أمتار نحو الغرب، موضحًا أن الزلازل حدثت عند نقطة التقاء صفائح شرق الأناضول، مع الصفيحة العربية والإفريقية.
تأخر فاقم الكارثة.. ما الأسباب؟
غابت استجابة المجتمع الدولي لاحتياجات المنطقة “المنكوبة” في شمال غربي سوريا، واقتصرت ردود فعله على وعود لم تنفذ قبل مضي أربعة أيام، كانت كفيلة بتراجع الآمال بالعثور على أحياء عالقين تحت الأنقاض.
ذلك الغياب الذي فاقم الكارثة، وسلب ذوي المفقودين آمالهم بنجاة أحبائهم، وضاعف عجز المنظمات عن استيعاب هول الحاجة، وسط تبريرات وتفسيرات اعتبره عاملون بالشأن الإنساني “تناقض الواقع”.
الأمم “خذلت السوريين”.. “تعطيل مؤقت”
منذ حدوث الزلزال توجهت أنظار السوريين نحو الأمم المتحدة، باعتبارها المسؤولة عن إيصال المساعدات إلى الشمال السوري، البقعة الجغرافية التي تتحكم القرارات السياسة بالمساعدات الإنسانية الوافدة إليها.
وبعد يوم كامل من الانتظار والخسائر بالأرواح، بررت الأمم المتحدة غياب استجابتها لمناشدات السوريين بوجود أضرار لحقت الطرقات التي تمر منها المساعدات، وقضايا “لوجستية” متعلقة بالزلزال، وفق ما قالته المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة الإنسانية (أوتشا)، ماديفي سونا.
تلا ذلك دخول قافلة مساعدات مجدولة مسبقًا في اليوم الرابع للزلزال، ثم قافلتا استجابة للزلزال في اليومين الخامس والسادس، ما أثار انتقادات ودعوات لمحاسبة المسؤولين عن تأخر وصول المساعدات.
واقتصرت المساعدات المقدمة على مواد إغاثية، بينما غابت المعدات اللازمة لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، والتي حذّر “الدفاع المدني” مرارًا من أثر نقصها.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه “الدفاع المدني” انتهاء عمليات الإنقاذ والبدء بعمليات انتشال الجثث، أكّد مدير المنظمة، عبثية وصول أي معدات بعد مرور خمسة أيام، محملًا مسؤولية ذلك التأخير للأمم المتحدة ومطالبًا بالمحاسبة والاعتذار.
بدوره قال الطبيب السوري محمد كتوب، الناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة، إن الأمم المتحدة “خذلت السوريين” وأظهرت إهمالًا واضح لاحتياجاتهم خلال الكارثة.
ويرى كتوب، في حديث إلى عنب بلدي، أن العديد من المؤشرات أظهرت أنها تعمدت تأخر وصول المساعدات وأسهمت بتحويل عمليات الإنقاذ إلى عمليات انتشال جثث.
نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان عزيز حق، قال لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، إن الأمم المتحدة عملت على زيادة مساعدتها بسرعة، بما في ذلك من خلال عمليات المساعدة عبر الحدود، خصوصًا في ظل تضاعف الاحتياجات الإنسانية جرّاء الزلزال.
وأضاف فرحان حق، أن إيصال المساعدات تعطلت “مؤقتًا” لمدة ثلاثة أيام جرّاء تضرر الطرق من الزلازل، لكنها استؤنفت، في 10 من شباط، في إشارة إلى بدء دخول قوافل المساعدات المحملة بالمواد الغذائية والطبية.
وتستعد الأمم المتحدة لتسليم المساعدات “عبر الخطوط” في الوقت الراهن، وفق ما قاله عزيز حق، مبينًا أن تأخر وصول المساعدات الأممية لم يقتصر على الشمال السوري، إذ وصلت أولى المساعدات إلى مناطق نفوذ النظام في 11 من شباط.
لكن حق تجاهل توافد عشرات الشحنات من المساعدات من دول “صديقة للنظام” إلى تلك المناطق، عبر المطارات والحدود المفتوحة، رغم انتقادات كثيرة لطريقة توزيعها أو احتكارها وسرقتها من قبل سلطات النظام السوري والمنظمات المقربة منه، ثم بيعها على البسطات بحسب صور وتسجيلات مصورة ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي.
عنب بلدي استفسرت أيضًا حول أسباب تأخر وصول المساعدات إلى مناطق النظام، لكنها لم تتلقَ جوابًا أمميًا حول هذه الجزئية.
تعطيل “غير مبرر”
تعمل المنظمات الأممية منذ سنوات على إيصال المساعدات عبر الحدود من تركيا إلى سوريا مرورًا بمعبر “باب الهوى” بتفويض من مجلس الأمن، وهي المسؤولة عن تنفيذ قرار المجلس رقم “2165”.
الناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة، محمد كتوب، قال إن الأمم المتحدة كانت قادرة بموجب التفويض الذي تملكه على إيصال المساعدات بمختلف الطرق.
ويمكّنها التفويض من إيصال المساعدات في الحالات الإنسانية الطارئة من استخدام جميع المعابر، حتى المغلق منها (معبر “باب الهوى”، و”باب السلامة”، و”الراعي”)، بالإضافة إلى إيصال المساعدات عبر الخطوط أو استخدام الإنزال الجوي للمساعدات.
وفي حين لم يطلب النظام السوري تفعيل “نظام الاستجابة لحالات الطوارئ الدولية” (UNDAC)، كان من المفترض أن يتحمل ممثل الأمم المتحدة المقيم في سوريا مسؤولية ذلك، وفق ما قاله كتوب.
وأضاف أنه في حال تقاعس ممثل الأمم المتحدة عن طلب تفعيل الآلية، يفترض أن يطلب الأمين العام تفعيلها بشكل مباشر لإنقاذ السوريين والحد من أثر الكارثة.
نظام الاستجابة لحالات الطوارئ الدولية” (UNDAC)، نظام مصمم لمساعدة الأمم المتحدة وحكومات البلدان المتضررة من الكوارث، خصوصًا الزلازل، خلال المرحلة الأولى من حالة الطوارئ المفاجئة.
يساعد فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق في تنسيق الإغاثة الدولية الواردة على المستوى الوطني أو في موقع حالة الطوارئ. ويمكّن النظام الأمم المتحدة من نشر فرق الاستجابة خلال 12 إلى 48 ساعة في أي مكان في العالم، بشكل مجاني للبلد المتضرر. ويفعّل النظام بناءً على طلب المنسق المقيم للأمم المتحدة أو منسق الشؤون الإنسانية أو الحكومة المتضررة. |
مجموعة من كبار المحامين الدوليين وخبراء القانون وقضاة سابقون في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، أصدروا رسالة أيضًا، في 10 من شباط، توضح أن استمرار مرور المساعدات عبر الحدود إلى سوريا قانوني دون تفويض من مجلس الأمن.
وأوضحت الرسالة أن النزاع في سوريا يخضع للمادة المشتركة الثالثة لاتفاقيات “جنيف” لعام 1949، والتي صادقت عليها سوريا، ما يسمح بإجراء مفاوضات الوصول بين الهيئات الإنسانية المحايدة وجميع الأطراف بما في ذلك غير الحكومية دون إذن الحكومة المركزية في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية.
ويعد انتظار تفويض مجلس الأمن في الحالة السورية “غير قانوني”، إذ أكدت محكمة العدل الدولية، الجهاز القانوني الرئيسي للأمم المتحدة، بشكل رسمي أنه “لا يمكن أن يكون هناك شك بأن المساعدة الإنسانية للمحتاجين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو أهدافهم، تدخلاً غير قانوني”.
ونوهت الرسالة إلى أن رفض السماح بالمساعدات عبر الحدود غير قانوني خصوصًا عندما يكون تعسفيًا.
كما يمكن الرد على الرفض التعسفي المتواصل للمساعدات عبر الحدود من قبل النظام السوري، بأن التمييز بين المحتاجين للمساعدات الإنسانية على أساس عرقي أو سياسي أو ديني، ينتهك القانون الدولي، وفق الرسالة.
وأكدت الرسالة، التي ترجمتها عنب بلدي، أن المنظمات غير الحكومية يمكنها الاستمرار في تقديم المساعدة عبر الحدود بموجب قواعد القانون الدولي العام ذات الصلة.
ويمكن للدول المانحة ووكالات الأمم المتحدة تقديم المساعدة غير المباشرة للرد على رفض النظام الذي يزعم أن المساعدات عبر الحدود “انتهاكًا لسيادة سوريا”.
مناشدات دون جدوى
إلى جانب تأخر وصول المساعدات الأممية، لم تصل أي مساعدات إلى سوريا من قبل الدول المانحة حتى اليوم الخامس من الكارثة.
ورغم أن العديد من تلك الدول هي شريك لمنظمة “الخوذ البيضاء” التي ناشدت لتأمين المعدات والمحروقات اللازمة لعمليات الإنقاذ، اقتصر دورها في الأيام الأولى بعد حدوث الزلزال على وعود بالاستجابة وإعلان عن مبالغ خصصتها للاستجابة.
ومن أبرز تلك الدول، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا وفرنسا وقطر وكندا، وقد حاولت عنب بلدي الاستفسار عن أسباب التأخر من هذه الجهات المانحة، لكنها حصلت على ردود عامّة تتجاهل محور الأسئلة الرئيسي.
ناطق باسم الخارجية الأمريكية قال لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، إن بلاده ملتزمة بتقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وعملت على دعم شريك “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، “الخوذ البيضاء”، لتوفير خدمات الاستجابة الطارئة لأكثر من 4.5 مليون سوري.
وأضاف أن بلاده ستعلن عن المزيد من الإجراءات خلال الأيام القليلة المقبلة عند الانتهاء من عمليات البحث والإنقاذ.
كما تعمل أمريكا “بجد” مع الأتراك وشركائها من المنظمات غير الحكومية للحفاظ على وصول المساعدات عبر الحدود إلى مناطق سوريا المتضررة، إلى جانب عملها لمعالجة الضرر الذي لحق بمعبر “باب الهوى” الحدودي، وفق الناطق.
بدوره، أجاب الاتحاد الأوروبي على أسئلة، عنب بلدي، إنه يتعاون بشكل وثيق مع شركائه في المجال الإنساني لتقييم مستوى الأضرار والاحتياجات داخل سوريا في أعقاب الزلزال.
كما يواصل الاتحاد الأوروبي النظر في جميع الخيارات القابلة للتطبيق لتفعيل موارد إضافية لتوزيعها على جميع المناطق المتضررة في أقرب وقت ممكن استجابةً للكارثة داخل سوريا.
بينما تواصلت عنب بلدي مع الخارجية البريطانية لسؤالها حول أسباب تأخر الاستجابة للكارثة الإنسانية في سوريا، لكنها لم تلق ردًا حتى إعداد هذه المادة.
ملامح صفقة
في رابع أيام الزلزال، اتخذ النظام السوري والولايات المتحدة الأمريكية، قرارات بعد تعنت لسنوات ضمن ما اعتبره الخبراء “صفقة سياسية بمشاركة أممية”، إذ أقدمت الأمم المتحدة بعد هذه القرارات بيوم على أولى خطواتها كاستجابة لكارثة الزلزال.
في قرار لم ينشر على معرفات مصرف سوريا المركزي، أو وسائل الإعلام الموالية، وبعد تعنت لسنوات، بدأ مصرف سوريا المركزي، بحسب قرار صادر عنه في 9 من شباط، تطبيق سعر نشرة الحوالات والصرافة، القريب من سعر صرف السوق “السوداء” (6900 ليرة سورية للدولار الواحد”، على الحوالات المخصصة للاستجابة الطارئة للزلازل، من قبل المنظمات الأممية والدولية والإنسانية.
وخلال السنوات الماضية، طالبت الجهات الأممية والدولية النظام بتعديل هذا السعر لمحاولة استفادة الناس بشكل أكبر من قيمة المساعدات، وتخفيف نهب النظام لهذه المساعدات، والذي كان يمارسه عبر فارق أسعار الصرف التي كان يفرضها، والسعر الحقيقي للدولار مقابل الليرة السورية، وهو التنازل الذي لم يقدمه النظام سابقًا أبدًا.
وفي اليوم نفسه، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قرارًا يقضي بإعفاء سوريا من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر” لمدة ستة أشهر، لجميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، وهو الأمر الذي طالب به النظام لسنوات، دون أن يلقى أي رد أمريكي قبل تاريخ هذا القرار.
ويسمح الترخيص بمعالجة أو تحويل الأموال نيابة عن أشخاص من دول أخرى إلى سوريا أو منها لدعم المعاملات المصرح بها، بالإضافة إلى السماح بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية، لمدة 180 يومًا.
وفي اليوم الخامس للزلزال، أعلنت حكومة النظام السوري محافظات إدلب وحلب واللاذقية وحماة، مناطق منكوبة، دون أن يذكر سبب تأخر ذلك رغم تصريح مسبق جاء على لسان مسؤوليها، عن إمكانية الإعلان عن هذا في أي وقت.
بينما أوضح عدد من الخبراء السوريين لعنب لبدي أن التأخر جاء لحين تحقيق النظام لمكاسب سياسية، إذ يعد الإعلان عن منطقة منكوبة مصطلحًا سياسيًا، يتعلق بآلية طلب مساعدات الإغاثة الدولية، وهو يخضع لمعايير دولية تحدّ من صلاحيات السلطات الرسمية في كيفية التصرف بهذه المساعدات، وهو الأمر الذي حاول النظام تأخيره كيلا تدخل المنظمات الإغاثية المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر مناطق نفوذه، دون حصوله على مقابل.
فوق العوز..
احتياجات عاجلة خلفها الزلزال
توقع “مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان” أن عدد المقيمين في سوريا الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، سيرتفع إلى 15.3 مليون شخص في 2023، وذلك قبل الأضرار التي سجلها الزلزال، والتي لم تدخل طور الإحصاء بعد.
وفي عام 2022، بلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بعام 2021، وفي شمالي غربي سوريا فقط، كان عدد السكان الذين يحتاجون مساعدات إنسانية نحو أربعة ملايين و600 ألف شخص، بينهم ثلاثة ملايين و300 ألف يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومليونان و900 ألف نازح داخليًا.
وفي ظل هذه الأرقام، وما تعانيه سوريا من نقص وعوز في الخدمات الأساسية وأبرزها الطبية والإغاثية، ومع وجود أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، جاء الزلزال ليضاعف حجم معاناة الناجين من الأنقاض، فاستيقظ بعضهم على سرير في ممر مستشفى مكتظ بالمصابين، يفكر في وجهته بعد العلاج، طالما أن الزلزال أخذ المأوى على الأقل.
وأمام حجم الحاجة الكبير، لم تستجب الدول أو المنظمات الأممية للكارثة في شمال غربي سوريا، قبل رابع أيام الزلزال، إذ دخلت القافلة المجدولة مسبقًا عبر معبر “باب الهوى”، تلاها قافلات أممية ودولية، اقتصرت مساعداتها على ما هو إغاثي وطبي وغذائي، بينما قدمت عدة دول “صديقة” للنظام السوري، مساعدات مختلفة مع إرسالها لفرق إنقاذ وبحث للمشاركة في إنقاذ العالقين تحت الركام.
في المقابل، تمثلت أبرز الاحتياجات في الأيام الأولى للزلزال بالمحروقات للاعتماد عليها في آليات أعمال رفع الأنقاض وانتشال العالقين، بالإضافة إلى الحاجة الكبيرة للمعدات والمستهلكات الطبية التي شهدت استهلاكًا كبيرًا بسبب أعداد الإصابات الذي يفوق قدرة المستشفيات على الاستيعاب.
تأخر المساعدات أهدر الأرواح
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، علي عبد المجيد، المقيم في شمالي غربي سوريا، قال لعنب بلدي، إن تأخر المساعدات الأممية إلى شمالي غربي سوريا، أدى إلى فقد الكثير من الأرواح، وتعطل الخدمات الأساسية.
وأضح عبد المجيد، أن تأخر مساعدات المحروقات عن “الدفاع المدني” أدى إلى حدوث إشكاليات في آليات البحث والإنقاذ، كتحريك الآليات بين المدن المنكوبة، وعدم القدرة المادية على استئجار آليات رديفة وتأخر عمليات الإنقاذ، ما أدى إلى فقدان الأرواح.
كما عرض بعض المصابين لحدوث تشوهات ستؤثر على حياتهم مستقبلًا نتيجة تأخر الاستجابة الطبية لهم، لضعف البنى التحتية الخاصة بالقطاع الطبي عمومًا، بحسب عبد المجيد.
وأثر أيضًا على متضرري الزلزال وزاد معاناتهم في ظروف جوية قاسية، منها عدم وجود مراكز إيواء وخيام كافية، وغياب مواد التدفئة، وعدم وجود مياه شرب نظيفة، ووجبات غذاء كافية.
احتياجات عاجلة
الباحث الأول في مركز “عمران” والباحث المشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” في معهد الجامعة الأوروبية، الدكتور سنان حتاحت، قال لعنب بلدي، إن الاستجابة للكارثة في أوائل أيام الزلزال (مرحلة رفع الأنقاض) في شمالي غربي سوريا، كانت جيدة إلى حد ما، بسبب قدرة “الدفاع المدني” والسلطات المحلية، على توفير الديزل.
بينما تتمثل الاحتياجات خلال المرحلة الحالية، بشكل أساسي بإنشاء مراكز إيواء للنازحين، بالإضافة إلى تأمين وسائل المنامة كالخيام، والتدفئة، والدواء، والدعم النفسي، بحسب الدكتور سنان حتاحت، الذي يجري جولات يومية على مختلف القطاعات في شمالي سوريا.
وأشار حتاحت إلى نشاط ملحوظ باستجابة المنظمات العاملة في المنطقة، عبر التبرعات التي تصلها وعبر عمل المجتمع الأهلي المحلي على جمع التبرعات للمتضررين جراء الزلزال، مؤكدًا أنها رغم ذلك ينقصها الكثير من الموارد المالية لتعمل وتغطي جميع المحتاجين.
وفي هذه الحالة، يجب تدخل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، للعمل على تغطية هذه الاحتياجات المباشرة وبكميات كبيرة، عبر توزيع الموارد المالية المتاحة من جهة، وتوزيع البضائع التي قد تؤدي زيادة الطلب عليها في الأسواق بسبب الحاجة الكبيرة لرفع أسعارها.
القطاع الطبي
الطبيب الباحث في مشروع أبحاث من أجل تقوية النظام الصحي في شمال سوريا، ومدير صحة إدلب السابق، منذر الخليل، قال لعنب بلدي، إن قطاع الصحة كان في الأيام الأولى يستجيب بلا كلل، لكن موارده المحدودة أصلًا كالديزل والإمدادات الطبية، لاتزال تتناقص تزامنًا مع زيادة الاحتياجات، ما جعله يفقد احتياطاته.
وأضاف الخليل، أنه إذا كانت الساعة الذهبية للإنقاذ ثلاثة أيام، فإن الفترة الذهبية للاستجابة الصحية تمتد لنحو 15 يومًا، مؤكدًا أنه من الأهمية أن يتلقى القطاع الصحي في شمالي غربي سوريا الدعم على مدار الأيام القليلة المقبلة.
وفي هذه المرحلة، يحتاج مصابو الزلزال إلى المراقبة والمتابعة من جهة، كما تم خلال أيام الاستجابة الأولى وضع العديد من الجرحى على قوائم العمليات الجراحية للأيام المقبلة، بسبب عدم القدرة على التعامل مع الأعداد الكبيرة.
وتتمثل احتياجات القطاع الطبي خلال الأسبوعين الأوليين من كارثة الزلزال، بحسب الطبيب، بما يلي:
1- وقود لتشغيل المستشفيات ومولدات الأكسجين وسيارات الإسعاف على مدار الساعة.
2- الأدوية الحيوية مثل التخدير والمضادات الحيوية ومسكنات الآلام.
3- مستلزمات الجراحة والمواد المخبرية وعلاجات غسيل الكلى.
4- مستلزمات تقويم العظام، بما في ذلك المثبتات الخارجية، والألواح، والبراغي، وأسلاك كيرشنر.
5- استمرار الاستجابة لتفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض المعدية حيث من الممكن أن تزداد الأعداد بشكل كبير في مثل هذه الظروف.
6- الإسعافات الأولية النفسية للكادر الطبي والمرضى.
وبحسب الطبيب، يعد دعم القيادة المحلية لمديريات الصحة و”الدفاع المدني” أمرًا بالغ الأهمية في تلبية الاحتياجات الصحية العاجلة، وسط وجود الحاجة لاتخاذ إجراءات لتوفير الدعم المالي لشراء المواد والإمدادات المطلوبة من داخل سوريا، حيث يوجد وفرة في السوق المحلية لتلبية الاحتياجات الفورية لجهود الاستجابة.
“عودة الحياة”
بينما تتمثل احتياجات المرحلة المقبلة القريبة، بالاحتياجات اللازمة لإعادة انطلاقة الحياة، يإيجاد حلول سكنية طويلة وإيواء لمتضرري الزلزال، كالمنازل مسبقة الصنع، بالإضافة إلى إعادة التخطيط لعملية التعليم والصحة وتعويض المتضررين الذي فقد معظمهم أمواله وأملاكه حتى يستطيعوا بدء حياتهم من جديد، بحسب الباحث سنان حتاحت.
كما يحتاج القطاع الطبي في سياق احتياجات الاستجابة ما بعد الحادة، لدعم مستمر لتلبية احتياجاته الأكثر أهمية، بما في ذلك سيارات الإسعاف، ووحدات العناية المركزة الإضافية، وترميم المستشفيات المتضررة، والمواد الاستهلاكية الخاصة بجراحة العظام وجراحة الأعصاب، بحسب الطبيب، منذر الخليل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :