عنب بلدي – إدلب
“انتهت حلول الأرض.. ما بنعرف وين نروح”، بكلمات ممزوجة بالعجز والخيبة، وبأنفاس أنهكها التعب، وصف الشاب حسين (34 عامًا) حال عائلته التي نزحت إلى مخيمات شمالي سوريا، بعد أن غمرت مياه نهر العاصي أرضية منزلهم في قرية التلول بريف إدلب الغربي.
وصلت عائلة الشاب المكونة من تسعة أفراد إلى مخيمات قرب مدينة سلقين بريف إدلب الشمالي الغربي، فجر الخميس 9 من شباط الحالي، بعد ساعات من البحث عن مكان يأويهم عقب دخول مياه نهر العاصي إلى منزلهم.
وسبب فيضان النهر حركة نزوح جديدة، بالتزامن مع استمرار عمليات إنقاذ لضحايا عالقين تحت الأنقاض في عدة مدن وبلدات شمالي سوريا، جرّاء زلزال ضرب المنطقة منذ 6 من شباط الحالي.
من نزوح إلى نزوح
“بدنا نقضي عمرنا نزوح”، أوضح الشاب لعنب بلدي أنه نزح مع عائلته من ريف إدلب الشرقي إلى مدينة بنّش في كانون الثاني 2020، بعد هجوم واسع شنته قوات النظام أواخر 2019، على مناطق من حماة وإدلب سيطرت بموجبه على عشرات المدن والبلدات.
وأضاف أنهم تنقلوا إلى عدة مخيمات ومدن في الشمال السوري، حتى استقروا عام 2021 بقرية التلول، لكنهم تركوا المنزل الذي يستأجره الشاب مقابل 40 دولار أمريكي شهريًا، بسبب تصدّعه نتيجة زلزال ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا.
واستقر حسين مع عائلته في منزل مجاور أقل تضررًا، ليتفاجأ في ساعات متأخرة من ليل الأربعاء 8 من شباط الحالي، بدخول مياه نهر العاصي إليهم، إذ اضطروا لترك المكان، واستطاعوا نقل بعض احتياجاتهم من بطانيات وأغطية إلى مخيمات قرب مدينة سلقين.
وغمرت مياه النهر الأراضي الزراعية ودخلت على المنازل في قرية التلول، بعد ارتفاع منسوبها نتيجة قيام سلطات “نظام الأسد بفتح سد الرستن”، ما تسبب بغزارة مياه العاصي وارتفاع منسوبه، حسب ما قالت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة بإدلب.
وتسبب ارتفاع منسوب النهر وغرق البيوت بحركة نزوح جديدة، تُضاف إلى حركة النزوح التي شهدتها المنطقة عقب الزلزال.
ساتر ترابي لا سد
بعد ساعات من تداول أخبار عن انهيار سد التلول، وانتشار تسجيلات مصورة وصور أظهرت فيضان مياه نهر العاصي على أراضي وشوارع ومنازل القرية، نفى وزير الزراعة والري في حكومة “الإنقاذ”، محمد الأحمد، ذلك، موضحًا أن المنطقة لا تحتوي على سد، بحسب ما نشرته الوزارة عبر “فيس بوك“.
وتحتوي المنطقة على ساتر ترابي مجهز من قبل وزارة الزراعة بالتعاون مع الأهالي لحماية الأراضي الزراعية من ارتفاع منسوب نهر العاصي.
وأضاف الأحمد، أن الوزارة شكّلت لجنة مختصة لإجراء كشف ميداني ومراقبة منسوب مياه نهر العاصي، تزامنًا مع إرسال آليات هندسية لفتح عبارات تخفف منسوب المياه فيه، وعملت على إخراج الأهالي من المنطقة بشكل مؤقت حفاظًا على سلامتهم وسلامة ممتلكاتهم، بحسب ما قاله الأحمد.
وأرجع الأحمد ارتفاع منسوب المياه إلى فتح سد الرستن من قبل النظام السوري، إلى جانب انهيار سد “بيتوني” بين أنطاكيا والريحانية في تركيا.
بدوره قال “الدفاع المدني السوري”، إن قرية التلول شهدت حركة نزوح جراء جرف المياه لسواتر ترابية كانت مجهزة لمنع فيضان مياه العاصي، وإن فرقه تعمل على فتح قنوات لتصريف المياه، وتقيّم الاحتياج في المنطقة، ومساعدة للأهالي.
ولم يصدر أي تصريح رسمي تركي حول وجود أضرار بالسد، حتى لحظة نشر هذا التقرير.
وقالت وكالة “أنباء الشام” التابعة لحكومة “الإنقاذ”، إن وزارة التنمية والشؤون الإنسانية، جهّزت مركز إيواء في مدرسة التلول لاستقبال 150 عائلة نزحت جراء فيضان نهر العاصي.
كما جهزت مركز إيواء في قرية حير جاموس القريبة من التلول، وجرى إزالة الجسر المنهار في قرية جسر الحديد الواقعة قرب نهر العاصي، وانخفض منسوب مياه النهر.
وحصلت عنب بلدي على شهادات محلية بأن طوفان النهر متكرر ويعاني منه أهالي المنطقة باستمرار لكنّ ضرره محدود، وأن نزوحهم خلال فترة الفيضان هو إجراء احترازي اعتاده الأهالي خلال السنوات السابقة.
أضرار لا تقارن بكارثة
“ما في معاناة بعد معاناة الزلزال”، أضاف الشاب أن نجاته وعائلته بأرواحهم من الزلزال وتأثر منزلهم في قرية التلول بفيضان نهر العاصي، تعتبر أمرًا بسيطة أمام الزلزال الذي أسفر عن آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين في شمال غربي سوريا.
ولفت الشاب إلى أن نجاتهم، رافقتها غصة بوفاة عدد من أقاربهم تحت الأنقاض في بلدة أرمناز بريف إدلب الغربي.
النظام يستثمر
في الوقت الذي تطال فيه حكومة النظام السوري انتقادات واسعة بـ”سرقة” المساعدات وعدم وصولها إلى الأهالي في مناطق سيطرته، وتردي الم حكومة النظام السوريستوى المعيشي والاقتصادي، واستثماره الزلزال سياسيًا، لم يمر فيضان النهر على قرية التلول دون تعليق أو تسجيل موقف من قبل محافظ إدلب.
ونقلت صحيفة “الوطن” الموالية، عن محافظ إدلب، ثائر سلهب، أنه لا معلومات موثوقة حول تصدع سد “التلول” على نهر العاصي، وأن وجود السد في مناطق سيطرة المعارضة يمنع الجهات المختصة بالوصول ومعاينة السد.
وأضاف سلهب، أن المحافظة ومن خلفها الحكومة “من واجبها رعاية كل المواطنين وهي ترغب بذلك، إلا أن المسلحين يمنعون تدفق المساعدات ودخول المختصين، ويستمرون بإغلاق المعابر مع مناطق سيطرة الدولة”.