على حساب الزلزال.. قرارات تشير لصفقة بين دمشق وواشنطن 

  • 2023/02/12
  • 12:57 م

الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس النظام السوري بشار الأسد (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – جنى العيسى

ضمن “صفقة سياسية بمشاركة أممية”، خرجت قرارات من جانبي النظام السوري والولايات المتحدة الأمريكية، في اليوم الرابع للزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وتأثرت به أربع محافظات في سوريا، يوم 6 من شباط الحالي، كما أقدمت الأمم المتحدة بعدها بيوم على أولى خطواتها كاستجابة لكارثة الزلزال.

يتحدث خبراء عن صفقة غير معلنة، لكن ملامحها بدت واضحة عبر “تنازلات” قّدمت بعد تعنت أبداه النظام والولايات المتحدة على حد سواء لسنوات.

ما ملامح الصفقة؟

في قرار لم ينشر على معرفات مصرف سوريا المركزي، أو وسائل الإعلام الموالية، وبعد تعنت لسنوات، بدأ مصرف سوريا المركزي، بحسب قرار صادر عنه في 9 من شباط، تطبيق سعر نشرة الحوالات والصرافة، القريب من سعر صرف السوق “السوداء” (6900 ليرة سورية للدولار الواحد”، على الحوالات المخصصة للاستجابة الطارئة للزلازل، من قبل المنظمات الأممية والدولية والإنسانية.

وخلال السنوات الماضية، طالبت الجهات الأممية والدولية النظام بتعديل هذا السعر لمحاولة استفادة الناس بشكل أكبر من قيمة المساعدات، وتخفيف نهب النظام لهذه المساعدات، والذي كان يمارسه عبر فارق أسعار الصرف التي كان يفرضها، والسعر الحقيقي للدولار مقابل الليرة السورية، وهو التنازل الذي لم يقدمه النظام سابقًا أبدًا.

وفي اليوم نفسه، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قرارًا يقضي بإعفاء سوريا من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر” لمدة ستة أشهر، لجميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، وهو الأمر الذي طالب به النظام لسنوات، دون أن يلقى أي رد أمريكي قبل تاريخ هذا القرار.

ويسمح الترخيص بمعالجة أو تحويل الأموال نيابة عن أشخاص من دول أخرى إلى سوريا أو منها لدعم المعاملات المصرح بها، بالإضافة إلى السماح بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية، لمدة 180 يومًا.

وفي اليوم الخامس للزلزال، أعلنت حكومة النظام السوري محافظات إدلب وحلب واللاذقية وحماة، مناطق منكوبة، دون أن يذكر سبب تأخر ذلك رغم تصريح مسبق جاء على لسان مسؤوليها، عن إمكانية الإعلان عن هذا في أي وقت.

بينما أوضح عدد من الخبراء السوريين أن التأخر جاء لحين تحقيق النظام لمكاسب سياسية، إذ يعد الإعلان عن منطقة منكوبة مصطلحًا سياسيًا، يتعلق بآلية طلب مساعدات الإغاثة الدولية، وهو يخضع لمعايير دولية تحدّ من صلاحيات السلطات الرسمية في كيفية التصرف بهذه المساعدات، وهو الأمر الذي حاول النظام تأخيره كيلا تدخل المنظمات الإغاثية المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر مناطق نفوذه، دون حصوله على مقابل.

وحول استغلال المساعدات الإنسانية، أرسلت الأمم المتحدة أولى شحناتها من المساعدات إلى شمالي غربي سوريا في اليوم الخامس من الزلزال، عبر معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، وبررت تأخرها بتعطل الوصول نتيجة تضرر الطريق من الأراضي التركية إلى المعبر، رغم إعلان المعارضة السورية عن جاهزية المعبر ومعبرين إضافيين (باب السلامة، الراعي) لاستقبال المساعدات في ثاني أيام الزلزال.

كما لم تصل أي مساعدات عبر خطوط التماس مع مناطق سيطرة النظام، إلا أنه وبحسب المعطيات السابقة، اختتمت الصفقة بإعلان النظام موافقته على إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك عبر الخطوط من داخل الأراضي التي يسيطر عليها إلى المناطق التي تقع خارج السيطرة، وذلك بإشراف الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري على التوزيع بمساعدة منظمات الأمم المتحدة.

الأمم المتحدة “راضية”

مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال إنه من الضروري تذكر أن الأمم المتحدة قامت بتسويات تشغيلية وعملياتية سابقًا في سوريا حتى تستجيب إنسانيًا، وفي عشرات الحالات السابقة، وبهذا تكون هذه الصفقة الأخيرة واحدة من التسويات العديدة التي جرت بحضور أممي.

وأضاف شعار، في حديث إلى عنب بلدي، أن ملامح هذه الصفقة وفق المعطيات السابقة تم بضغوط عدة، إذ على ما يبدو ضغطت الدول المانحة للمساعدات على النظام لرفع سعر صرف دولار الحوالات الواردة من قبلهم، بالمقابل لم يعلن النظام مناطق سيطرته المتأثرة بالزلزال فورًا، بهدف ألا يكون للمؤسسات الدولية والأممية مقدرة على توزيع المساعدات دون تدخلها به.

كما يعتقد الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي، أن تأخر رد الأمم المتحدة واستجابتها للكارثة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، كان بسبب انتظار نتائج التفاوض هذه، والتي وصلت بالنهاية إلى مخرجات تريدها الأمم المتحدة، إذ تمنحها خيارات لنقل المساعدات دون الاقتصار على آلية “عبر الحدود”.

كما أن الاتفاق جاء مع الدولة السورية التي يمثلها النظام، ويتسق ذلك مع مقاربتها بتفضيلها العمل من خلال الدولة ومؤسساتها بغض النظر عن شرعيتها، كما يمنحها تعديل سعر الصرف وتعليق العقوبات الأمريكية المؤقت بما يخص الاستجابة للزلزال، هامشًا أكبر لها وللمنظمات الأخرى لاستقطاب تمويلات برامجها في سوريا.

النظام المستفيد الأول

حول إمكانية استفادة السوريين من هذه الصفقة، يرى كرم شعار، أن النظام معروف بتحايله وتلاعبه، إذ يوافق على مثل هذه القرارات على الورق، لكن لاحقًا يحاول كسب القرار لصالحه بشتى الوسائل.

من جهة ثانية سيبدأ الدعم بالوصول، ما سيحقق استجابة إنسانية أفضل للكارثة حاليًا، بحسب شعار، مضيفًا أن هذه المقاربة كان لا بد منها لتصل المساعدات بالنهاية، على أن يتم التركيز على تمريره إلى شمالي غربي سوريا عبر معبر “باب الهوى”، لا أن تكون عبر خطوط التماس.

وحول المستفيدين من هذه الصفقة، يرى الدسوقي، أن النظام السوري المستفيد الأول منها، سواء من حيث المساعدات المالية والعينية التي ستتدفق إلى سوريا تحت غطاء الاستجابة لكارثة الزلزال، التي سيوجهها عبر التلاعب بها لتقوية مؤسسات الخاصة ودعم نظامه، إذ تمنحه موارد كان بأمس الحاجة إليها لاحتواء الأزمات الاقتصادية والخدمية التي يعانيها.

كما تشرعن الصفقة النظام السوري أكثر من باب تغليب الاعتبارات الإنسانية على السياسية، وتسهم في تشجيع أطراف أخرى على التطبيع مع النظام، وبالتالي كسر العزلة الدبلوماسية عنه، وما يعنيه ذلك من التزام أقل بالعملية السياسية التفاوضية لحل الأزمة السورية، بحسب الباحث.

ووسط التلاعب بالمساعدات القادمة للاستجابة لكارثة الزلزال، وحجم الفساد والمحسوبيات المتحكم في توزيعها، وما يتوقع من تواصل التطبيع مع النظام من بوابة العمل الإنساني، وما يعنيه ذلك من تهميش موضوع الحل السياسي في سوريا، يعتقد الباحث أيمن الدسوقي، أن الفائدة ستكون محدودة على السوريين.

وفي 10 من شباط، نقلت وكالة “رويترز” للأنباء، عن مسؤول تركي (لم تسمّه) قوله، إن تركيا تناقش إعادة فتح معبر “كسب” الحدودي مع مناطق سيطرة النظام السوري، بهدف إدخال المساعدات بشأن الزلزال إلى مناطق سيطرة النظام مباشرة.

وأضاف المسؤول الذي وصفته الوكالة بأنه “على اطلاع بالموضوع”، أن تركيا تدرس أيضًا إعادة فتح معبر ثانٍ (لم يسمّه) بين محافظة إدلب شمالي غربي سوريا ومناطق سيطرة النظام، للمساعدة في نقل المساعدات إلى إدلب حيث تسيطر المعارضة.

الإمارات “تقود”

الباحث الاقتصادي، أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، أن الإمارات هي الدولة الأكثر ترجيحًا للعب دور الوسيط لإنجاز هذه الصفقة، نظرًا لشبكة علاقاتها مع النظام والجهات الأخرى أطراف هذه الصفقة، من مانحين والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك تركيا، ويأتي اهتمامها بدور الوسيط باعتباره مدخلًا لتعزيز دورها الإقليمي، بحسب رأيه.

وتصر الإمارات على أن تكون أكثر الدول العربية الداعمة لإعادة تعويم النظام عربيًا ودوليًا، لأهداف لا تبدو محددة تمامًا، منها البحث عن فرص اقتصادية واستثمارية في سوريا في إطار عملية إعادة الإعمار، وإثبات نفسها للجميع بأنها لاعب رئيسي في المنطقة، لها دورها وحضورها الذي لا يقل أهمية عن الدور التركي والسعودي والقطري، بحسب تحليل نشره موقع “مركز الإمارات للدراسات والإعلام”، في 5 من كانون الثاني الماضي.

مقالات متعلقة

  1. الإمارات وراء موافقة الأسد على فتح معابر الشمال أمام المساعدات
  2. النظام السوري يمدد فتح معبري "السلامة" و"الراعي" أمام المساعدات
  3. هل أسهم زلزال أفغانستان بكسر عزلة "طالبان" الدولية
  4. غريفيث: معاناة السوريين مستمرة بشكل "طاحن"

سوريا

المزيد من سوريا