عنب بلدي- حسن إبراهيم
حرّك الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، المياه الراكدة في مسار علاقات شبه مقطوعة أو محدودة بين النظام السوري وعدة دول عربية، فاتحًا الخط أمام اتصالات من رؤسائها ومساعدات منهم.
اتصالات قد تكون بداية لكسر الجمود في العلاقات، التي لم تخلُ خلال السنوات الماضية من بعض التجاذبات في مستويات أقل من المستوى الرئاسي، وانطلاقة لفتح الباب أمام إعادة التطبيع.
اتصالات ودعم
مساء اليوم الأول لحدوث الزلزال، اتصل ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، برئيس النظام السوري، في 6 من شباط الحالي، مقدمًا التعازي والمواساة، ومعلنًا تضامن البحرين ووقوفها إلى جانب سوريا وشعبها وتقديم كل دعم ممكن للمساعدة في التخفيف من آثار الزلزال، في أول محادثة رسمية بينهما منذ أكثر من عشر سنوات، وذلك بعد إعادة البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا في 2018.
بعد يوم من الزلزال تلقى بشار الأسد اتصالًا من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي قدّم التعزية معلنًا تضامن بلاده واستعدادها لتقديم جميع “أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة”، ليكون الاتصال الرسمي الأول بينهما منذ تولي السيسي السلطة عام 2014.
وسبق الاتصال علاقات أمنية وتمثيل دبلوماسي محدود منذ عام 2014، وكان اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره السوري فيصل المقداد، من أبرز اللقاءات على المستوى الدبلوماسي بين البلدين، والذي جرى على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 من أيلول 2021.
وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 9 من شباط الحالي، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بسوريا بعد عشر سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما بسبب انتهاكات النظام بحق محتجين، معتًبرا أن قضية النظام “شأن داخلي وأن السفير يعتمد لدى الدولة وليس النظام”.
وسبق أن أعادت تونس إلى سوريا بعثة دبلوماسية محدودة في 2017، سعيًا لتعقب أكثر من ثلاثة ألاف مقاتل تونسي “متطرف” في سوريا.
وجاء إعلان سعيّد بعد مؤشرات عديدة لإعادة العلاقات مع النظام، تمثلت بحديثه عن أن “قضية إسقاط النظام في سوريا شأن سوري داخلي يجب ألا يتدخل به أحد” وكذلك حصلت لقاءات على المستوى الوزاري.
وفي آب 2021، جمع لقاء بين وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج عثمان الجرندي، مع فيصل المقداد، في أول لقاء يعقد بين وزيري خارجية البلدين، منذ إعلان الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، قطع العلاقات مع دمشق عام 2012 مع طرد السفير السوري من تونس.
كما تلقى الأسد اتصالات ورسائل حملت التعزية والاستعداد بتقديم الدعم، ووصول مساعدات أيضًا من دول عربية “صديقة” لم تكن تقف مع النظام على طرفي نقيض، كالإمارات ولبنان والجزائر والعراق والسودان وليبيا رغم مرور بعضها بمطبات سابقة عكرت صفو العلاقات.
فرصة للطرفين.. النظام يستثمر
بعض الاتصالات ما بعد الزلزال كانت الأولى من نوعها لكنها لم تكن مفاجئة، إذ سبقها مؤشرات ورسائل عبر تصريحات أو لقاءات على مستوى أمني أو وزاري، حافظت على مسافة معينة مع النظام.
وتصدّرت أخبار الاتصالات التي يجريها بشار الأسد، وبرقيات ورسائل التعزية التي يتلقاها صفحات الوزارات والوكالات الرسمية والصحف المقربة والمواقع الموالية، على حساب تراجع الحديث عن ضحايا الزلزال وتحديث أرقام وحصيلة الخسائر البشرية حتى مرور يوم كامل تقريبًا.
وترافقت حادثة الزلزال بدعوات من ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، لرفع العقوبات عن النظام، بذريعة أنها تقف عائقًا أمام تقديم المساعدات للشعب السوري، عززها بيان وزارة الخارجية الذي ذكر أن العقوبات تمنع إدخال المعدّات الثقيلة وأدوات رفع الأنقاض.
الباحث في “المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف” بلال سلايمة، يرى أن حادثة الزلزال تمثل فرصة سواءً للنظام حتى يروج لروايته فيما يتعلق بالعقوبات وأثرها على الوضع الاقتصادي في سوريا، أو لبعض الدول التي لديها توجه لإعادة العلاقات معه، والتي وجدت من حالة الزلزال والحدث الإنساني فرصة لتأخذ خطوة في هذا الاتجاه.
وأوضح سلايمة لعنب بلدي أن الزلزال بمثابة فرصة لتسريع مسار موجود لدى بعض الدول في علاقاتها مع النظام السوري، كما في حالة تونس تحت قيادة سعيّد.
من جهته، قال الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، لعنب بلدي، إن الدول التي بادرت إلى التواصل مع بشار الأسد إثر وقوع الزلزال، هي في الأصل كانت قبل حدوثه تحاول إعادة علاقاتها مع النظام، وهذا التواصل كان إما بدافع روسي أو بدافع إيراني، فحليفا النظام لهما الدور الأكبر في محاولات إعادة تعويمه.
ويرى النيفي أن بشار الأسد يعتبر نفسه غانمًا من وراء هذه الكارثة التي حلت بالسوريين، وبادر منذ اليوم الأول إلى استثمار الزلزال، بتسخير جوقة من وسائل إعلامه للحديث مباشرة عن ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية، علمًا أن العقوبات لا تطال الجوانب الإنسانية.
واعتبر النيفي أن النظام ومن دون شك حاول استثمار الكارثة بالحديث عن ضرورة رفع العقوبات، وأن ما يريده هو فك الأرصدة التي تحتجزها أوروبا وهي عائدة للبنك المركزي السوري، ليصرفها على دعم نظامه والمستلزمات الأمنية لا على احتياجات الشعب.
وردت الخارجية الأمريكية على اتهامات وادعاءات النظام السوري بأن العقوبات تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري، وأن واشنطن لن تمنع أي دولة من تقديم ذلك الدعم.
تقارب دمشق- أنقرة
عاد الحديث عن تقارب العلاقات بين النظام وتركيا من بوابة “الزلزال”، بعد مرور خمسة أيام على حدوثه، في الوقت الذي تتسارع فيه الخطوات لإنقاذ الضحايا في تركيا ومناشدات بالدعم بآليات ومعدات للشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، ووصول شحنات مساعدات برية وجوية إلى النظام.
وكالة “رويترز” للأنباء، نقلت في 10 من شباط الحالي، عن مسؤول تركي (لم تسمّه) قوله، إن تركيا تناقش إعادة فتح معبر “كسب” الحدودي مع مناطق سيطرة النظام، بهدف إدخال المساعدات بشأن الزلزال إلى مناطق سيطرة النظام مباشرة.
وأضاف المسؤول الذي وصفته الوكالة بأنه “على اطلاع بالموضوع”، أن تركيا تدرس أيضًا إعادة فتح معبر ثانٍ (لم يسمّه) بين محافظة إدلب شمالي غربي سوريا ومناطق سيطرة النظام، للمساعدة في نقل المساعدات إلى إدلب حيث تسيطر المعارضة.
وشهدت الأشهر الماضية حديثًا متسارعًا عن تقارب بين أنقرة ودمشق، تمثل بلقاءات على مستوى وزراء الدفاع لكل من تركيا والنظام وروسيا في موسكو، وذلك في 28 من كانون الأول 2022، وحديث عن لقاء على مستوى رؤساء تركيا والنظام، لكنه لم يبصر النور بعد.
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، اعتبر أن ما يمكن أن يقال عن بعض الدول العربية التي تريد إعادة علاقتها مع النظام يمكن قوله على تركيا، لافتًا إلى أن أنقرة قد بدأت باستدارتها نحو التطبيع مع الأسد من قبل الزلزال.
وأضاف النيفي أن الحديث عن إمكانية فتح معبر “كسب” لضرورات إنسانية من الواضح أنه ليس كذلك، وأن الغاية من ورائه سياسية، وربما وجد الأتراك أيضًا ما يبرر التطبيع أو رفع وتيرته مع الأسد من خلال هذه الدعوات.
لا أفق.. العقوبات تردع
يرتبط الحديث عن كسر الجمود وفك العزلة عن النظام السوري، وتأمين انخراطه مع المجتمع الدولي وإعادته إلى “الحضن العربي”، وإعادة العلاقات معه، مع أي تحركات عربية سواء عبر إعادة فتح سفارات أو عبر زيارات الرؤساء والمسؤولين لدمشق أو بناء اتفاقيات وتفاهمات متنوعة.
وتصطدم عديد المحاولات بعقوبات صارمة فرضتها دول غربية على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام وأبرز المسؤولين فيه ورجال الأعمال النافذين لتورطهم في جرائم الحرب في سوريا.
وأبرز هذه العقوبات هو قانون “قيصر” الذي وقّعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 21 من كانون الأول 2019، والذي ينص على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد، ودخل حيّز التنفيذ في حزيران 2020.
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، يرى أن اعتبار النظام للزلزال فرصة مناسبة جدًا من أجل إعادة علاقاته مع بعض من محيطه العربي أو المحيط الدولي، هو جهد لا طائل منه في ظل استمرار عقوبات “قيصر” والعقوبات الأوروبية.
ويعتقد النيفي أن الدول التي تفكر أو تريد تطبيع علاقاتها مع النظام، لو كان بمقدورها ذلك لكانت طبّعت منذ 2019، لكن الرادع الأمريكي يحول دون ذلك، معتبرًا أن تطبيع الدول العربية أو غيرها مع الأسد لا نتيجة منه، والغاية هي التعويم الدعائي والتعويم السياسي، لأن نظام بشار الأسد لا يملك أي شيء يقدمه للآخرين.
وأكدت واشنطن أن رفع العقوبات عن النظام في هذه الظروف الحرجة، في إشارة لتبعات الزلزال، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وفق ما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، خلال إحاطة صحفية، في 6 من شباط، موضحًا أن “النظام عامل شعبه بوحشية على مدار 12 عامًا، وذبح مواطنيه وقصفهم بالغازات السامة، وهو المسؤول الأبرز عن معاناتهم”.
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، خلال لقائه نظيره النمساوي، في واشنطن، في 7 من شباط، إن بلاده ملتزمة بتقديم المساعدة للناس في سوريا في سبيل التعافي من هذه الكارثة، مضيفًا، أن “هذه الأموال تذهب بالطبع للشعب السوري وليس للنظام، وهذا لن يتغير”.