خطيب بدلة
هل تعرف حكاية السيدة “بدوريّة” التي اتصلت بشقيقها عامر، وقالت له: الحقني يا أخي، اليوم طبخت “محشي”، وزوجي “مطاوع” حمل الطنجرة، وأفرغ محتوياتها في سلة الأوساخ؟
أبلغها عامر أنه الآن في اجتماع مهم، مع المدير العام وأعضاء مجلس الإدارة، فقالت إن الموضوع لا يحتمل التأـخير، لأنها وزوجها على حافة الطلاق.. فكان لا بد لعامر من أن يعتذر عن متابعة الاجتماع، وذهب إلى منزلها مثل البرق، وحينما وصل طلب منها أن تروي له، بإيجاز، ما جرى بخصوص طنجرة المحشي..
قالت إنها كانت جالسة، أول أمس، مع مطاوع، جلسة صفا، وفجأة أبلغها أن نفسه تشتهي أكلة محشي من تحت “ديَّاتها”، وهي لا ترد له طلبًا، فقالت له: أنت تأمر يا حبيب قلبي.. وفي اليوم التالي، يعني البارحة، ترافقا إلى السوق، وبحثا بين بسطات الخضار مطولًا، حتى عثرا على كوسا وقرع وباذنجان من النوع “القلامي”، واشتريا ما يكفي لطبخة محشي مبحبحة، ثم ذهبا إلى دكان القصاب “أبو سلمو”، فطلب منه مطاوع أن يزن له كيلو من لحم الخروف “الموزات”، ويفرمها “كيما”، مع نصف كيلو من اللية، ويضع فوقها شوية عصاعيص، وقبل أن يعودا إلى المنزل اشترى لبنًا، وفليفلة خضراء حسكورية، لأن مطاوع، وهذا أمر مهم للغاية، مولع بالفليفلة الحسكورية، كلما أكل محشية يتلذذ بقرض قرن حسكورية كامل، غير مبال بالطعم الحاد، اللاذع.. وعادا إلى البيت، ومطاوع خرج إلى السهرة، وأما هي فقد علقت في مشكلة عويصة، ملخصها أن “المقوارة” الخاصة بهم، بعدما تنتهي من حفر الكوساية، أو القرعاية، أو الباذنجانة، تنفلت وتخرقها، فاضطرت لأن تقرع الباب على جارتها ذات الضريح الرخو، أم حمودة، وطلبت منها أن تعيرها مقوارتها، فقالت لها، وهي كاذبة طبعًا، إنها أعارت مقوارتها لشقيقتها سوسن، الأسبوع الفائت، وحتى الآن لم ترجعها، فتركتها ولجأت إلى امرأة ابن خالها، أم شنتو، فقالت لها، بلا خجل أو حياء، إن لديها ثلاث مقاور، كل مقوارة أحسن من الأخرى، ولكنها لا تعيرها واحدة حتى ولو طقت عينُها، لأنها، أي بدورية، قبل ست سنوات، استعارت من أم شنتو طنجرة البخار، وطبخت فيها “كوارع”، وعندما أعادتها لاحظت أم شنتو أن الزفر معلق بحواف الطنجرة، وهذا يعود إلى أن بدورية مأنشحة، لا تجلي الأواني بشكل جيد، وخاصة إذا كان الإناء للآخرين.. وقالت:
– أنت يا عامر أخي وشقيقي، وتعرفني جيدًا، بالله عليك هل أنا مأنشحة كما قالت تلك السرنوّة أم شنتو؟
عندما وجهت بدورية هذا السؤال لعامر، لم تجده أمامها، ويبدو أنه ولى هاربًا من كثرة التفاصيل المملة التي كانت تصر على سردها، متجنبة ذكر السبب الحقيقي الذي جعل زوجها يرمي المحشي في الحاوية.. وهذا ما يحصل معنا عندما نقول إن السوريين الذين قتلوا بالزلزال أناس مظلومون، هاربون من القتل والبراميل، فقراء، يعيشون على المساعدات، فيطلع لنا شيخ سلفي عنده أربع نسوان، وكم مليون دولار في البنك، ليقول لك إن الله زلزل بهم الأرض لأنهم فاسقون!