إبراهيم العلوش
مهّد نظام الأسد للزلزال بقصف المباني وإضعافها عبر سنوات طويلة من الهجمات ضد الأحياء المدنية، وكان للطيران الروسي والقصف الإيراني باع طويل في الإعداد للكارثة التي تضرب السوريين الآن.
في فجر الاثنين، السادس من شباط، ضرب زلزال بقوة 7.8 على مقياس رختر مدينة كهرمان مرعش في الجنوب الشرقي من تركيا، وقد كان أثر الزلزال مدمرًا في تركيا وفي الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة وتركيا، بالإضافة إلى تأثيره الشديد في حلب واللاذقية وإدلب وحارم واعزاز وجسر الشغور، وكانت جنديرس من أكثر البلدات تضررًا، حيث سقطت مبانٍ بشكل كامل وطمر عدد من سكانها تحت الأنقاض.
ثم جاء الزلزال الثاني ظهر يوم الاثنين بقوة 7.4 درجة، ناهيك عن الهزات الارتدادية التي صارت تعد بالمئات وتزيد من عدد المباني المنهارة، وتشرد المزيد من السكان في أجواء ثلجية باردة، ما جعل حياة الأفراد تحت الأنقاض في غاية الصعوبة، وهم ينتظرون معدات الكشف التي يتأخر وصولها إلى السوريين، فالمساعدات الدولية تركزت على تركيا بشكل رئيسي بسبب علاقاتها الدولية ووجود بنية إدارية تنظم وصول المساعدات وتوزيعها، على عكس المناطق السورية في الشمال التي تعتمد على متطوعي الخوذات البيضاء وإمكانياتهم المحدودة.
وعلى عكس تركيا، تعاني المناطق المحكومة من النظام من الفوضى واستهتار السلطات بحياة المواطنين واحتكارها للمساعدات، فتمنع مساعدة الناس بدون الحصول على “موافقة أمنية”، وتجبر المتبرعين على تسليم المساعدات في مبنى المحافظة التي تتبع لها المنطقة، ما قلل من وصول المعونات إلى مستحقيها، خاصة أن مليشيات النظام وجيشه متمرسون بالتعفيش وسرقة الممتلكات.
ركب النظام موجة التذرع بالحصار ليغطي تقاعسه عن نجدة المواطنين، فمحافظة اللاذقية مثلًا عانت من دمار كبير، وخاصة في جبلة، لكن تنظيم المساعدات يتم بشكل يفتقر إلى الإنسانية، عندما يتم رمي المساعدات على الجموع بشكل عشوائي وكأن المحتاجين ليسوا بشرًا، كما قال أحد الناشطين هناك.
واستجابت بعض المنظمات المدنية في الشمال السوري لنداءات الاستغاثة، ولكن ما وصل حتى كتابة هذه السطور لا يرقى إلى مستوى احتياجات الناس، من معدات إنقاذ وخيام وتدفئة وأغذية، فنرى الناس مشردين في الليالي الباردة ويحاولون إشعال النار من الحطب والنفايات ليستطيعوا الصمود حتى الصباح على الأقل، أما على صعيد الإنقاذ فقد بذلت منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) كل الجهد عبر متطوعيها، ولكن الأنين بدأ ينقطع من تحت الأنقاض مع طول المدة التي بقي فيها الأحياء يجاهدون من أجل البقاء.
وعلى جهة النظام فقد استجابت عدة دول، منها الأردن والجزائر والعراق وغيرها، لنداءات الاستغاثة، وأرسلت قوافلها إلى المدن المتضررة، ولكن سرعان ما ظهرت المواد على وسائل التواصل الاجتماعية تباع في السوق السوداء بعد أن نهبها تجار الحرب وخبراء التعفيش، في ظل استهتار النظام الذي لم يكلف رئيسه نفسه بتوجيه كلمة في الأيام الأولى للمنكوبين بهذا الزلزال، الذي يعد من أكبر الهزات الأرضية في تاريخ المنطقة منذ زلزال حلب عام 1138، والذي بلغت شدته حينها 7.5 درجة.
أما النظام فيصر على إبطال قانون قيصر والعقوبات المفروضة على مسؤوليه بسبب جرائمهم ضد السوريين، متذرعًا بالزلزال، وقد ردت الدول الأوروبية والولايات المتحدة بأن المساعدات الإنسانية غير مشمولة بالعقوبات، وأن النظام لم يكلّف نفسه برفع طلب المساعدات، على عكس تركيا التي تقدمت بطلبات المساعدة وأعلنت أن الكارثة من المستوى الرابع الذي يبيح استقدام المساعدات الدولية.
النظام السوري ليس موضع ثقة دولية، لا سيما أنه هو سبب الحالة المزرية للسوريين التي فاقمها الزلزال، فالسوريون تحت أنقاض نظام الأسد منذ سنوات، ولعل مئتي ألف معتقل ما يزالون يئنون في معتقلاته ولا أحد يعرف عنهم شيئًا، وهل ما زالوا أحياءً أم أمواتًا، خاصة بعد كارثة الزلزال.
يسارع العالم إلى حشد المساعدات وإيصالها بأقرب وقت من أجل إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، والمشردين من المناطق المهدمة، وقد أطلق السوريون خارج البلاد منصات للتبرع المادي، بالإضافة إلى جمع المواد الغذائية والأغطية والأدوية للضحايا وذويهم، وقد تمكنت جمعية “ألزاس سوريا” في ستراسبورغ مثلًا، من جمع حمولة حاوية خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى جمعيات أخرى تجمع المساعدات. ومن اللافت عدد المتطوعين والمتبرعين الكبير، والروح العامة التي تجمع الناس في هذه الكارثة، فالكل يشعر بالمسؤولية لإنقاذ عائلة أو شخص أو طفل، ولعل مشهد الطفل الذي خرج من بين الانقاض وهو يلاعب رجال الخوذ البيضاء سيبقى مشهدًا تاريخيًا يبعث على الأمل لسنين قادمة.
يعمل الجميع هنا في المدن الأوروبية من سوريين وعرب وأتراك وفرنسيين بنشاط، وكأنهم يوشكون على إنقاذ إنسان يعاني من أجل النجاة، ولا يهم حتى ولو كان الوصول متأخرًا، فلحظة الفرج واسعة ومبهجة لمن نجا، وكذلك لمن تبرع ولو بلقمة خبز أو بابتسامة تخفف الحزن عن المنكوبين.