مخاوف من استغلال ترخيص العقوبات الأمريكية في سوريا.. الأثر محدود
منحت وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصًا على العقوبات المفروضة على سوريا لمدة ستة أشهر لجميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، ما أثار تساؤلات وانتقادات حول أثر ذلك الترخيص على المساعدات الإنسانية واحتمالية استغلاله من قبل النظام السوري.
ويسمح الترخيص، الصادر في 9 من شباط الحالي، بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية.
ويشمل الترخيص الحوالات المصرفية عبر البنوك الحكومية بما يخدم جهود الإغاثة من الزلزال ليتمكن الأشخاص العاملون على إغاثة المتضررين من الزلزال من التركيز على جهودهم.
انتقادات أمريكية
أصدر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، والعضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جيمس ريش، بيانًا اعتبر الترخيص الممنوح من قبل وزارة الخزانة الأمريكية “صفعة بوجه الشعب السوري”.
وأضاف البيان، أن العقوبات في أصلها تتضمن استثناءات للعمل الإنساني الذي مكّن المنظمات الإنسانية من العمل لسنوات، ما يؤكد أن السماح بالمعاملات المالية المباشرة مع النظام “غير ضروري”.
ومن المتوقع أن يساء استخدام الترخيص من قبل النظام السوري، من خلال سرقة المزيد من المساعدات، بالإضافة إلى استخدامه لخلق مسار لتطبيع العلاقات، بحسب البيان.
كما طالب البيان بعدم استمرار الترخيص لمدة أشهر، موضحًا أن تراخيص الإغاثة في حالات الكوارث الأخرى تمنح عادة لبضعة أسابيع فقط.
بدوره انتقد عضو مجلس النواب في الكونجرس، فرينش هيل، قرار وزارة الخزانة الأمريكية، معتبرًا أن منح الإذن للمعاملات المالية المباشرة مع النظام السوري “سلوك طائش”.
وفي حين تتزايد احتياجات الشعب السوري للمساعدات الإغاثية، يرى هيل أن القرار يمكن أن يسهم بتطبيع العلاقات مع النظام السوري المسؤول عن قتل السوريين، وفق ما ذكره عبر حسابه في “تويتر“.
الشعب السوري بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية لا ينبغي أن نسهم بملئ جيوب المسؤول عن اضطهادهم
لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي |
ليست الخطوة المطلوبة
الرئيس التنفيذي لمؤسسة “Emgage“، والمستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية في سياق الشرق الأوسط، وائل الزيات، قال في مقال رأي عبر “واشنطن بوست“، إن الترخيص الممنوح لسوريا من قبل وزارة الخزانة لن يسهم بمساعدة المتضررين من الزلزال.
وبالنظر إلى غياب المساعدات في الأيام الأولى للكارثة، ومحدودية وصولها في وقت لاحق، كانت الخطوة المطلوبة لمساعدة الشعب السوري هي تقديم المساعدة الفورية والمباشرة إلى شمال غربي سوريا، وفق ما يراه الزيات.
وأضاف الزيات، أنه لا يمكن الاعتماد على النظام السوري لمساعدة نفس الأشخاص الذي كان يحاول “إبادتهم” لأكثر من عقد من الزمن، مشيرًا إلى وجود العديد من المنظمات في الشمال السوري التي يمكن دعمها لمساعدة المدنيين بشكل حقيقي وفعال.
من جهته قال مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، عبر حسابه في “تويتر”، إن القرار محدود الأثر على المساعدات.
وأوضح شعار، أن العقوبات لم تكن العائق الرئيسي للاستجابة الإنسانية في سوريا، لافتًا إلى أن القرار يُفقد النظام السوري أحد أدواته لنشر “البروباغندا”.
ما الأثر؟
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، يرى أن الترخيص أعطى ورقة لمنع التضييق على وصول المساعدات بذريعة العقوبات من قبل أي جهة، كما يسمح بالتحويلات على بنوك تابعة للنظام السوري لدعم أعمال الإغاثة في سوريا.
وأضاف العبد الله، خلال جلسة نقاش عبر تطبيق “كلوب هاوس” حول الوضع الراهن في سوريا، أن المساعدات كان يمكن أن تسهم بتأخير وصول المساعدات إلى مناطق النظام خصوصًا بما يتعلق بالتحويلات البنكية لمبالغ قليلة من المحتمل أن تتجنبها البنوك.
وفي حين تتضمن تراخيص تشمل المساعدات الإغاثية، لا تلزم تلك التراخيص أي جهة بتطبيقها، ما بعطي مساحة للعديد من الجهات لرفض التعاملات المالية المرتبطة بسوريا خوفًا من أي خطأ بتفسير التراخيص، وفق ما قاله العبد الله، مؤكدًا أن العقوبات بأصلها لا تحول دون وصول المساعدات إلى مناطق النظام.
ويرى العبد الله أن الخوف من استغلال النظام للترخيص منطقي في ظل استمرار النظام بسرقة المساعدات ومحاولة تعويم نفسه، لافتًا إلى أن أثر الترخيص بهذا السياق محدود.
النظام يعترض
كررت وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري، مطالباتها بإلغاء العقوبات أحادية الجانب باعتبارها تدابير قسرية تسهم بتفاقم الكارثة الإنسانية، وفق بيان نشرته الوزارة ردًا على قرار وزارة الخزانة الأمريكية.
وقالت الخارجية السورية إن “القرار مضلل وينص على تجميد جزئي ومؤقت لبعض التدابير القسرية الانفرادية القاتلة المفروضة على الشعب السوري”.
وأضافت الخارجية أن “القرار المضلل ليس سوى نسخة مكررة لقرارات صورية سابقة تهدف لإعطاء انطباع إنساني كاذب”، مشيرة إلى الإدارة الأمريكية شددت تلك التدابير مؤخرًا من خلال منع المستشفيات العامة والخاصة من صيانة التجهيزات الطبية التي تخدم المرضى السوريين، بحسب البيان.
وطالب البيان، الولايات المتحدة بإنهاء التدابير “القسرية الانفرادية” المفروضة على الشعب السوري وبلا شروط أو استثناءات، على حد تعبيره.
ذريعة واستثمار سياسي
طالب النظام السوري منذ حدوث الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، برفع العقوبات المفروضة عليه بذريعة الحد من تداعيات هذه الكارثة الطبيعية، وإتاحة إدخال المعدات الثقيلة، للإسهام في رفع الأنقاض وإنقاذ العالقين تحت الركام.
في المقابل أكّد العديد من المسؤولين الأمريكيين والأوربيين، أن العقوبات المفروضة على سوريا لا تشمل المساعدات الإنسانية.
وخلال إحاطة صحفية، الاثنين 6 من شباط، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن رفع العقوبات عن النظام في هذه الظروف الحرجة، في إشارة لتبعات الزلزال، قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
وأوضح برايس، أن “النظام عامل شعبه بوحشية على مدار 12 عامًا، وذبح مواطنيه وقصفهم بالغازات السامة، وهو المسؤول الأبرز عن معاناتهم”.
وفي تأكيد آخر، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، خلال لقائه نظيره النمساوي، في واشنطن، الثلاثاء الماضي، إن بلاده ملتزمة بتقديم المساعدة للناس في سوريا في سبيل التعافي من هذه الكارثة، مضيفًا، أن “هذه الأموال تذهب بالطبع للشعب السوري وليس للنظام، وهذا لن يتغير”.
كما واصل خبراء وباحثين السوريين التأكيد على أن النظام يحاول استغلال الكارثة في سوريا والاستثمار فيها لإلغاء العقوبات المفروضة عليه.
المساعدات الإنسانية “استثناء”
تفرض الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي منذ بداية الثورة في سوريا، عقوبات على النظام السوري، وأبرز المسؤولين فيه ورجال الأعمال النافذين لتورطهم في جرائم الحرب في سوريا.
ويستثني الجانبان المساعدات الإنسانية والأدوية والأغذية من العقوبات، وسط جدل مستمر بأن العقوبات تضر بالشعب السوري أكثر من المتورطين بجرائم الحرب ورجال الأعمال النافذين.
وفي حزيران 2020 دخلت العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري بموجب قانون “قيصر” حيز التنفيذ، وينص القانون على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
ويشمل القانون كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، من الشركات والأشخاص والدول، حتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا.
وفي نيسان 2021، نشرت وزارة الخزانة الأمريكية توضيحات تفيد بأن فرض العقوبات بموجب قانون “قيصر” على المتعاملين مع النظام السوري، لا يشمل مساعدة السوريين بالأغذية والأدوية.
كما أكّد الوزارة مرارًا على أنها تواصل دعم العمل الحاسم للحكومات، وبعض المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والأفراد الذين يقدمون الغذاء والأدوية والإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية للمدنيين في سوريا، ووصول المساعدة إلى محتاجيها، بما لا يتعارض مع العقوبات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :