أصدر مجموعة من كبار المحامين الدوليين وخبراء القانون وقضاة سابقين في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، رسالة توضح أن استمرار مرور المساعدات عبر الحدود إلى سوريا قانوني دون تفويض من مجلس الأمن.
وجاء في الرسالة الصادرة اليوم، الجمعة 10 من شباط، أن النزاع في سوريا يخضع للمادة المشتركة الثالثة لاتفاقيات “جنيف” لعام 1949، والتي صادقت عليها سوريا، ما يسمح بإجراء مفاوضات الوصول بين الهيئات الإنسانية المحايدة وجميع الأطراف بما في ذلك غير الحكومية دون إذن الحكومة المركزية في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية.
ويعد انتظار تفويض مجلس الأمن في الحالة السورية “غير قانوني”، إذ أكدت محكمة العدل الدولية، الجهاز القانوني الرئيسي للأمم المتحدة، بشكل رسمي أنه “لا يمكن أن يكون هناك شك بأن المساعدة الإنسانية للمحتاجين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو أهدافهم، تدخلاً غير قانوني”.
ونوهت الرسالة إلى أن رفض السماح بالمساعدات عبر الحدود غير قانوني خصوصًا عندما يكون تعسفيًا.
كما يمكن الرد على الرفض التعسفي المتواصل للمساعدات عبر الحدود من قبل النظام السوري، بأن التمييز بين المحتاجين للمساعدات الإنسانية على أساس عرقي أو سياسي أو ديني، ينتهك القانون الدولي، وفق الرسالة.
وأكدت الرسالة، التي ترجمتها عنب بلدي، أن المنظمات غير الحكومية يمكنها الاستمرار في تقديم المساعدة عبر الحدود بموجب قواعد القانون الدولي العام ذات الصلة.
ويمكن للدول المانحة ووكالات الأمم المتحدة تقديم المساعدة غير المباشرة للرد على رفض النظام الذي يزعم أن المساعدات عبر الحدود “انتهاكًا لسيادة سوريا”.
وحثت الرسالة على تطبيق القانون الإنساني الدولي، ما يسمح بوصول المساعدات المنقذة لحياة المحتاجين دون تسييسها.
جاء ذلك تزامنًا مع الظروف الكارثية الذي يشهده الشمال السوري جراء الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، ما أسفر عن إعلان الشمال السوري منطقة “منكوبة”، ومقتل أكثر من ألفي شخص، بحسب أرقام “الدفاع المدني السوري”.
وتأخرت الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى شمال غربي سوريا، بانتظار الموافقة من حكومة النظام السوري.
ودخلت أولى القوافل الأممية عبر معبر “باب الهوى” الحدودي بين سوريا وتركيا، في اليوم الخامس من حدوث الزلزال، بحسب ما رصده مراسلو عنب بلدي في المنطقة.
ليست الأولى
أصدرت منظمة “Guernica 37” بتفويض من “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سوريا” (ARCS) وشركائها، في تشرين الثاني 2022، دراسة حول قانونية تمديد المساعدات عبر الحدود دون التصويت على القرار في مجلس الأمن.
وخلصت الدراسة التي اطلعت عنب بلدي على نسخة منها، بالاستناد إلى مجموعة نقاط رئيسة، إلى أن تمديد المساعدات عبر الحدود في سوريا يعدّ قانونيًا دون الحاجة إلى تفويض من مجلس الأمن.
واستندت الدراسة إلى اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية أساس القانون الإنساني الدولي الذي ينظم السلوك في النزاعات المسلحة ويحد من أثرها.
وتعطي الفقرة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع التي وقّعت عليها سوريا، رخصة للمنظمات الإنسانية غير المتحيزة لتقديم المساعدات دون إذن من الحكومة المركزية في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية.
كما استندت إلى أن الاحتياجات الإنسانية في المنطقة “هائلة” وأعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية في تزايد مستمر.
وفي حين يدّعي النظام السوري وحليفه الروسي أن دخول موظفي الوكالات الأممية إلى سوريا “|انتهاكًا لسيدتها”، يمكن إجراء بعض التعديلات على آلية المساعدات المطبقة بالوقت الراهن يمكن أن تنزع عنها اسم “المساعدات عبر الحدود”، من خلال تكليف أطراف من خارج الوكالات الأممية ببعض الأجزاء اللوجستية في آلية نقل المساعدات وإيصالها للمستفيدين في الشمال السوري، بحسب الدراسة.
ورغم التزايد المستمر للاحتياجات في شمال غربي سوريا، واصل النظام السوري وحليفه الروسي الضغط لمنع استمرار وصول المساعدات عبر الحدود إلى سوريا.
وفي 9 من كانون الثاني الماضي، مرر مجلس الأمن الدولي قرار تمديد إدخال المساعدات من تركيا إلى شمال غربي سوريا عبر معبر “باب الهوى”، لستة أشهر إضافية.
وفي حين واصلت المنظمات الأممية والمحلية التأكيد على أن قرار تمديد المساعدات عبر الحدود يرتبط بمصير ملايين السوريين في شمال غربي سوريا، واصلت روسيا العمل على تسييس الملف.
وتسعى روسيا لإيقاف المساعدات عبر الحدود، مقابل زيادة وتيرة المساعدات عبر الخطوط، ما يجعل السلطة المركزية بدمشق المتحكم الأول بالمساعدات وآلية وتوزيعها.
الاحتياجات هائلة
ناشدت عشرات المنظمات الإنسانية في الشمال السوري للاستجابة للوضع “الكارثي” الذي تشهده المنطقة جرّاء الزلزال، مؤكدة على أن حجم الاحتياجات الإنسانية تضاعف خلال الأيام القليلة الماضية.
وتعاني مناطق شمال غربي سوريا ترديًا في واقعها المعيشي والاقتصادي، إذ ارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية (قبل الزلزال المدمر) إلى 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص في العام الحالي.
كما بلغ عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في شمال غربي سوريا خلال عام 2022 نحو أربعة ملايين و600 ألف شخص، بينهم ثلاثة ملايين و300 ألف يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومليونان و900 ألف نازح داخليًا، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).