عنب بلدي – خاص
قيل الكثير عن دور المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا إلى سوريا، ومهمته في إيجاد حل دبلوماسي للصراع الممتد منذ خمس سنوات. تارة يتهمه النظام بعدم الحياد لأنه نطق كلامًا خارج مهمته وقوض حياديته، وأخرى تعتبره المعارضة وبعض رموزها “سفيرًا للنظام” أو يحمل “أجندات إيرانية وروسية”، لكونه لا يعلم من يدمر ويقتل ويحرق سوريا، بقوله “لا أعلم من يقصف.. أرى فقط القنابل، والصواريخ”.
لكن الجميع يتفق على أن “سمسار” الأمم المتحدة، نجح في جمع النظام والمعارضة السورية و”أشباه المعارضة” على طاولة واحدة، بعد أن مهد لذلك اتفاقات دولية بين أمريكا وروسيا، الداعمين الأساسيين لطرفي الصراع السوري.
في كلمته الأخيرة التي وجهها للشعب السوري عشية محادثات جنيف 3، التي انطلقت في 29 كانون الثاني، دعا السوريين لأن يقولوا “خلاص.. كفاية”، لجميع من يأتي لحضور المؤتمر سواء من داخل سوريا أو خارجها، وأن عليهم التأكد من رؤيتهم لهذه المحادثات، في إشارة منه إلى الحرص على إنجاحها، خاصة وأنه قال في كلمته “هذا المؤتمر فرصة لا ينبغي تفويتها، ولا يمكن لهذا المؤتمر أن يفشل”.
“رجل محايد أكثر من اللازم”
ويرى ناشطون سوريون في دي مستورا، الذي خلف نظيره الأخضر الإبراهيمي بعد أن فشل في إيجاد حل في نسخة جنيف 2، أنه رجل دبلوماسي محايد “أكثر من اللازم”، بل إنه يغض الطرف عن أعمال للنظام وحلفائه تخالف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتلامس مهمته الأساسية، لكنه لا يجرؤ على مواجهة النظام السوري، وخاصة عندما تجاهل الأخير خطته الشهيرة لحل الأزمة عبر إيجاد مصالحات ومجموعات عمل صغيرة، ظنًا منه بأن الحل العسكري سيؤتي أكله قريبًا ضد المعارضة.
ويعزز ذلك القائد الميداني في الجيش السوري الحر عبد الجبار العكيدي، الذي تنبأ بفشل المفاوضات “في ظل الضغوط الدولية وتصريحات دي ميستورا، الذي يتعامل مع المعارضة وكأنه سفير للنظام”.
رجل بعيد عن الموضوعية
يذكر السوريون بيان وزارة خارجية النظام في آب 2015، حين ندد دي مستورا بالغارات الجوية على سوق في بلدة دوما، والتي أسفرت عن مقتل نحو مئة شخص، وذكرت “أن ستيفان دي ميستورا يصر في تصريحاته الأخيرة على الابتعاد عن الحيادية في ممارسة مهامه، من خلال الإدلاء بتصريحات تبتعد عن الموضوعية والحقائق”.
قد يكون مفهومًا ذلك بالنسبة للباحثين عن حل دبلوماسي، بأن الدبلوماسي السويدي يريد أن يحافظ على علاقة جيدة مع كل الأطراف (المعارضة والنظام)، لكن الذي عزز نظرة المعارضة بعدم الحياد، إصراره على دعوة “معارضين” اقترحتهم موسكو في مسعى لتوسيع مروحة المعارضة السورية بأكبر قدر ممكن من الشخصيات، وهذا ما رأى فيه المعارضون في هيئة المفاوضات والائتلاف محاولة من موسكو وطهران لشق صف المعارضة عبر إضافة شخصيات أقرب إلى النظام منها للمعارضة، مثل هيثم مناع، وقدري جميل، وصالح مسلم، ورندة قسيس.
وعندما وقفت هيئة المفاوضات في وجه هذه التحركات، راح دي مستورا أبعد من ذلك، فتواصل مع ناشطين من المجتمع المدني، ومنظمات مدنية ونساء فاعلات في المجتمع السوري لحثهم على المشاركة، على اعتبار أنه سينطلق بمن حضر.
يبدو أن جنيف 3 يختلف عن سابقاته من المؤتمرات التي جمعت المعارضة السورية بالنظام، لأن المبعوث الدولي يتسلح باتفاق روسي أمريكي على حل الصراع وفق قرار مجلس الأمن 2254، ويسير بموجب خطة يتوازى فيها المسار السياسي مع العسكري وصولًا لصوغ دستور وهيئة انتقالية وانتخابات برلمانية ورئاسية.
وإن كان النظام يماطل ويفسر بنود القرار الأممي حسب فهمه ومصالحه بمحاربة الإرهاب أولًا، ومهما كانت وجهة نظر السوريين بالمبعوث الدولي إلا أنه يأمل بحل هذا الصراع، وبالتالي يسجل دي مستورا في رصيده نجاحًا جديدًا في إنهاء أكبر كارثة تعرض لها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن نجح في إيجاد حلول لأزمات وصراعات سابقة على مدار 40 عامًا في أفغانستان والعراق ولبنان ورواندا والصومال والسودان ويوغوسلافيا السابقة.