سيرين عبد النور – الرقة
بعد عامين من سيطرة تنظيم “الدولة” على مساحات واسعة من المدن والقرى في سوريا، ظهرت تباينات واضحة في المجتمع الذي خضع لسطوة التنظيم، في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والإدارية وحتى القضائية .
تباينات حاول التنظيم من خلالها تطويع المجتمعات المحلية واستيعاب عناصرها، لكنه “شيد جدرانًا مرتفعة فصلته عن الأهالي الذين كان من الممكن أن يشكلوا له حاضنة شعبية ورافدًا بشريًا”، بحسب عدد من سكان مدينة الرقة، المعقل الرئيسي للتنظيم في سوريا.
ثلاث طبقات مجتمعية في الرقة
ويميز الأهالي بين ثلاث طبقات اجتماعية في المدينة، أولها عناصر التنظيم الذين يتدرجون بحسب مهامهم، والدول القادمين منها، وثانيها أنصار التنظيم المحليون والمقربون منه كالتجار، وآخرها عوام الناس الذين يتحملون القسط الأكبر من العقوبات ويشكلون الشريحة الأكثر عددًا .
أبو محمد (اسم وهمي)، مدرس متقاعد من سكان مدينة الرقة ويبلغ من العمر 50 عامًا، اشتكى الأوضاع في المدينة التي تغيرت في الآونة الأخيرة، وقال “لم تكن حياتي مثالية سابقًا لكنها كانت جيدة، بينما يعاني الجيل الأصغر حاليًا من صعوبة العيش هنا”.
ووصف أبو محمد في حديثه لعنب بلدي، تنظيم “الدولة”، بأنه “بعث جديد بشكل مختلف، إذ استطاع خلال سنتين صنع دوائره الخاصة وتقسيم مجتمع الرقة من جديد”.
بينما يؤكد الكثير من أهالي الرقة الذين حاورتهم عنب بلدي، أن التنظيم حاول إعادة صياغة القوانيين الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، داخل أغلب المناطق التي سيطر عليها .
وتركت محاولات التنظيم فرض سيطرته على جميع نواحي الحياة في المدينة، أثرًا سلبيًا عند شرائح واسعة في المجتمع، بعد إقصائها، وفق “أبو محمد”.
الأهالي يشعرون بالتمييز في المعاملة
بشير، أحد سكان حي المشلب في المدينة، اعتبر أن قمع التنظيم لم يفلح في منع الأهالي من الشكوى بخصوص التمييز بينهم وبين عناصره، إذ يشعر الأهالي “بالغبن والمعاملة الدونية من قبل العناصر والمتعاطفين مع التنظيم”.
ووفق بشير فقد نجح التنظيم بخلق طبقة من المنتفعين الذين تربطهم علاقات منفعة متبادلة معه، سواء كانت هذه المنفعة اقتصادية، بتسهيل جزء من التجارة وتعاملات البيع والشراء، أو منفعة أمنية من خلال كسب ود التنظيم عبر الوشاية بمن يخالفه أو يعاديه.
شعور أهالي الرقة بالتمييز في المعاملة، دعاهم لتداول جمل استهجان بحق عناصر التنظيم، منها “الداعشي على حق وإن كان غلطان.. عناصر الدولة هم القدوة..”، التي يتداولها مناصروه بـ”اعتزاز”، دون الإشارة إلى ظلم العناصر للأهالي، بحسب بشير.
أم علي (اسم وهمي)، تقطن في حارات البدو داخل المدينة، أوضحت أن “الأولوية في كل شيء لعناصر التنظيم، سواء في توزيع السلل الغذائية، أو المساعدات، أو حتى دَور الخبز”.
وأشارت أم علي في حديثها لعنب بلدي، إلى أن العناصر يحصلون على مساعدات شهرية توزع عليهم، إضافة إلى مخصصات من المحروقات والغاز، فضلًا عن مرتباتهم، كما أنهم “يأمرون الناس بالصلاة في الوقت الذي يجلسون داخل مقاهي الإنترنت والمطاعم ويتركونها”.
ويستطيع مناصرو التنظيم المرور على الحواجز بدون تفتيش، كما لا تطبق عليهم قوانين “الشرطة الإسلامية”، إلا نادرًا، بينما يحتاج المدنيون إلى أوراق من الحسبة، في جميع معاملاتهم، ويتعرضون “للتشبيح والمخالفات”، على حد وصف الأهالي.