ملاذ الزعبي
قبل أيام قليلة فقط استشهد تسعون شابًا سوريًا دفاعًا عن بلدة الشيخ مسكين في ريف درعا، وتداولت مواقع إعلامية وصفحات تواصل اجتماعي قائمة بأسماء الشهداء التسعين، كانوا جميعًا سوريين، وكان معظمهم، عدا شابين أو ثلاثة، من أبناء محافظة درعا، من الشيخ مسكين نفسها أو من بلدات مجاورة. سقطوا في مواجهة آلة قتل أسدية مدعومة بميليشيات احتلال طائفية من دول مجاورة وبغطاء طيران استعماري روسي يسعى لتكرار النموذج الشيشاني عبر سياسة أرض محروقة تدمر الحجر وتقتل البشر.
هؤلاء هم أبناء هذه الأرض، سقطوا على ترابها وهم يدافعون عن بلداتهم، كأي صاحب أرض في مواجهة أي احتلال، لم يلقوا حتفهم في حرب جهادية خارج بلادهم، ولا هم أعضاء في ميليشيا طائفية تتحرك بتوجيهات إقليمية، ولا أفراد جيش بلد يحتل بلدًا آخر بل ولم يسقطوا في مدن سورية أخرى بعيدة عن قراهم وبلداتهم. هم “أبناء الأرض السمرة” على ما في هذا التشبيه من تكرار وعلى الرغم من استخدامه المبتذل في بعض السياقات. وهم أنفسهم من سبق وحمل لواء مظاهرات سلمية طالت شهورًا.
لولا هؤلاء لكنت، أنا كصحافي، تائهًا ربما في مبنى وزارة الإعلام باحثًا عن واسطة تؤمّن لي وظيفة هنا أو هناك، ولكان سقف ما أكتبه يتعلق بإهدار المياه في خزان مدرسة ابتدائية، ولكان من يُعتبر نجمًا حقوقيًا اليوم تائهًا في أروقة القصر العدلي مستلمًا زمام قضية يدافع فيها عن مجرم مع سبق الإصرار، ولكانت الناشطة النسوية تعقد اجتماعًا مع بسام القاضي، ولكان الكاتب ذاك يكتفي بتحليل الإجرام الإسرائيلي المفضوح بحق شعبنا الأعزل في فلسطين دون أن يجرؤ على كتابة سطر واحد حتى عن دول مجاورة كلبنان والعراق، ولكان أقصى ما يمكن لمنظمة المجتمع المدني تلك أن تفعله هو جمع أكياس بلاستيكية من أرض مجاورة لمنشأة يملكها فاسد كبير.
قتل النظام وحلفاؤه وأسياده شباب الشيخ مسكين مرة، وقتلوا معنويًا قبل ذلك وبعده مرات ومرات: مرة عبر معارضة تبيع وتشتري بهم، ومرة عبر “معارضة” عاملتهم كأعدائها الألد وألّبت عليهم وشوهت صورتهم وشوشت على بطولاتهم وتضحياتهم، ومرة عبر ناشطين وناشطات بسّطوا من العوامل المركبة والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت بالعديد من السوريين إلى أن يمضوا في ثورتهم إلى أقصاها، ليتحول هؤلاء إلى مجرد “رجال غاضبين” في نظر من أصبح اليوم نجمًا بفضل ثوّار يطعن بهم.