السياحة.. النفط.. الغاز.. أبرز القطاعات التي تستثمر فيها
روسيا تفتح أسواقها أمام صادرات النظام وتقبض على عصب الاقتصاد السوري
عمر الحلبي – عنب بلدي
تزامن التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب النظام السوري تحت غطاء محاربة “الإرهاب” على الأراضي السورية، مع تدخل “مادي محسوس” من نوع آخر، هدفه السيطرة على أهم مفاصل سوريا الاقتصادية، وخاصة في مجال الصناعات الاستراتيجية والسياحة، والنفط والغاز في مياه البحر المتوسط الدافئة على الساحل، حيث تتربع “حميميم” أهم قاعدة روسية في الشرق الأوسط.
وصف الصحفي الاقتصادي سمير الطويل، في حديث مع عنب بلدي، هذا التدخل بأنه “احتلال” ورسم ملامح لدولة “علوية” تمتد من اللاذقية إلى طرطوس فحمص ودمشق، مشيرًا إلى أن ما يقال عن تصدير وفتح أسواق روسية أمام السوريين “كلام فاضي” هدفه تمييع الموضوع الأساسي.
خلال السنوات الخمس الماضية، لم يكن التدخل الروسي ودعمه إلى جانب النظام علنيًا، بل كانت تمتنع عن منحه ما يريد، وظهر هذا جليًا عندما رفضت موسكو منح النظام قرضًا بقيمة مليار دولار في 2014، وقالت صحيفة “كوميرسانت” وقتذاك نقلًا عن مصدر حكومي روسي “إن موسكو في الوقت الحالي غير جاهزة لتقديم قرض بقيمة مليار دولار لسوريا”.
وأبقت روسيا منذ ذلك الحين الباب مواربًا لتدخل نوعي ولحظي حسب ما تقتضيه مصلحتها العليا، في ظل عدم وجود أي رؤية واضحه لنهاية الصراع لصالح طرف ما، سواء المعارضة أو النظام، حتى 30 آب الماضي، عندما أعلنت التدخل العسكري المباشر.
الوجود السوفييتي المتجذّر
قبل العام 2011، كان حجم التبادل التجاري بين سوريا وروسيا دون المليار دولار، لكن وجود روسيا الحالية وقبلها الاتحاد السوفييتي متجذر في سوريا منذ منتصف القرن الماضي، ووجود الروس لا يحتاج إلى كثير من الأدلة لإثباته، فهم من بنى سد الفرات، وأنشؤوا مصانع الحديد والصلب والكونسروة، ومدّوا سككًا حديدية طولها 1500كم في سوريا.
لكن هذا الوجود كان ضمن أطر قانونية وبروتوكولات حكومية فيها فائدة مشتركة للطرفين، وصلت إلى أوجها عام 2005، عندما وقعت سوريا وروسيا اتفاقية “كبرى” للتعاون الصناعي والتكنولوجي، على خلفية زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لموسكو وتم وقتها الاتفاق على مشاريع كبيرة فاقت الـ 100 مشروع، وتم بموجب هذه الزيارة شطب 73% أي (9.8 مليار دولار) من صافي الديون السورية لموسكو والبالغة 13.4 مليار دولار.
وخلال العام الماضي، جعلت تصريحات رجال أعمال سوريين مقربين من النظام حول ضرورة الاستفادة من الأسواق الروسية لتصريف المنتجات السورية كالحمضيات والزيتون، السؤال عن المقابل الذي ستحصل عليه موسكو من السماح للمنتج السوري بدخول أسواقها ومزاحمة المنتج المحلي هناك، وذهب محللون إلى القول “إن العقود الاستثمارية الضخمة والمزايا التي يتحصل عليها رجال الأعمال هي ما يرغب به الروس لقاء ذلك، وصولًا إلى السيطرة الكاملة على البلاد”.
النظام استجلب الروس
استدعى النظام السوري التدخل الروسي ومعه الإيراني، على الصعيدين العسكري والاقتصادي، فالجبهات الطويلة المفتوحة مع السوريين استنزفت قدرات النظام المالية وأصبح طلب العون من الحلفاء ضرورة للبقاء، لكن ما بات يقدمه الروس والإيرانيون باليد اليمنى يسحبونه باليسرى وذلك بالسيطرة على ممتلكات عامة والاستحواذ على أصول وعقارات وغيرها وباعتراف شخصيات مقربة من النظام نفسه.
وروسيا التي كانت العلاقة الاقتصادية معها في حدود متواضعة مقارنة بعلاقة سوريا بتركيا والسعودية قبل 2011، أصبحت من أهم الراغبين بالاستثمار في هذا البلد الذي بدأت الآلة العسكرية تفتته مع تحول الصراع السلمي إلى عسكري، بل عمد النظام إلى استجرار السلع والمنتجات من روسيا بعدما فرضت عليه قطيعة دولية، فارتفع “الميل المتوسط للاستيراد” (نسبة الاستيراد إلى الناتج المحلي الإجمالي) من روسيا في 2010 إلى 70.4%، في حين كان وصل إلى 76% في عام 2011، حسب المدير العام لهيئة تنمية وترويج الصادرات إيهاب اسمندر لصحيفة الوطن المحلية.
وتتهم روسيا، بأنها ومع طول مدة الصراع، ومضي 100 يوم على تدخلها الجوي والبري دون أن تحقق أي نتائج تذكر على الأرض، بأنها تحاول خلق “جيب” على شكل “دويلة” عند الشريط الساحلي السوري يضمن لها مصالحها الحيوية في قاعدتها العسكرية هناك، وتكون هذه الدويلة موطئ قدم تابع لها ويخدم مصالحها الاستراتيجية دوليًا. هذه الدويلة، التي تنفي موسكو السعي لتأسيسها أو دعمها، هي ما أطلق عليه اصطلاحًا بـ “سوريا المفيدة” وتضم أهم القطاعات والاستثمارات وترتتبط مع دمشق العاصمة السياسية للنظام السوري، ولهذا بدأ التعاون الاقتصادي بين الطرفين يرتفع ويظهر جليًا في مجالات عديدة.
التبادل التجاري
صعد حجم التبادل التجاري بين النظام السوري وروسيا في آب 2014 إلى ملياري دولار بمعدل الضعف تقريبًا مقارنة بالعام 2010، وقد كان للصادرات الزراعية إلى روسيا والمستوردات لأغراض الصناعة والأدوية والحبوب والأسلحة دور كبير في رفع الرقم، فالقطاع الخاص السوري يعتبر الأسواق الروسية منفذًا لتصريف الحمضيات وزيت الزيتون والخضراوات، وزاد اهتمامهم بهذه السوق بعد توتر العلاقات بين روسيا وتركيا المصدّر الأساسي للمنتجات الزراعية إلى موسكو.
وتشير أرقام نشرتها صحيفة الوطن المحلية، إلى أن قيمة طن الصادرات السورية إلى روسيا وصلت إلى أعلى قيمة في 2013 بـمقدار 115.38 ألف ليرة سورية، وبالمقابل فإن قيمة الطن المستورد من روسيا كان 48.24 ألف ليرة عام 2013. ووفق مدير الهيئة فإن هناك ربحًا من التجارة الخارجية مع روسيا. وهنا “زاد معدل التبادل التجاري مع روسيا بعدما زادت حركة الصادرات والواردات بين البلدين”.
لكن هذه الإيجابية “المؤقتة” التي حققها اقتصاد النظام السوري انعكست سلبًا على المدى الطويل، فدرجة انكشاف الاقتصاد السوري في 2011 ارتفعت إلى 30%، لتشهد في 2012، 2013 تراجعًا في معدل الانكشاف الاقتصادي السوري على روسيا إلى (14.1%، 10.5%) على التوالي، وفق هيئة تنمية الصادرات.
معامل روسيّة في سوريا
وبالتوازي مع حركة الاستيراد والتصدير بين الجانبين، زار خلال آب الماضي، وفد من رجال أعمال روس دمشق، وأجروا مباحثات مشتركة مع نظرائهم السوريين لإطلاق مشاريع استثمارية مشتركة تمهد لمرحلة تعاون جديدة أكثر “استراتيجية وعمقًا” تتجاوز التبادل التجاري المقتصر على المنتجات الزراعية والمواد الأولية بين البلدين، وتكون برأسمال مشترك، واتفق الجانبان على رصد 250 مليون دولار لتأسيس معامل من أجل “إنتاج البطاريات والإطارات، ومعمل لإنتاج البيرة ومشروع لإقامة معمل للبرادات والغسالات والأفران وآخر لإقامة محولات” وفق صحيفة الوطن المحلية.
وتطورت علاقات الجانبين حتى بدأت شركات روسية تكشف عن استثمارات ضخمة في سوريا “النظام” بعد أن ضمنت هذه الاستثمارات بجنودها على الأرض وفي الجو.
النفط والغاز للروس
العام 2013، وفي زروة الصراع العسكري إذ قتل 73 ألف سوري، منح النظام روسيا أول اتفاق للتنقيب عن النفط والغاز في مياه سوريا الإقليمية.
ووقع الجانبان ما يعرف بـ “عقد عمريت” البحري للتنقيب عن النفط وتنميته وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية في البلوك رقم 2، بين جنوب طرطوس على الشاطئ حتى بانياس وبعمق 70 كيلومترًا، ومتوسط عرض 30 كيلومترًا، طيلة 25 عامًا بتمويل روسي. ووقع العقد وزير النفط في حكومة النظام سليمان العباس وشركة سويوز نفتاغاز الروسية. وأشار العباس إلى أن المساحة التي يغطيها العقد تبلغ 2190 كيلومترًا مربعًا بقيمة 100 مليون دولار”.
سياحة الحرب الروسية في سوريا
افتتح الروس العام الحالي بإعلان شركة روسية حصولها على رخصة تشييد سياحية، بعد تقديمها لمخططات استثمار موقع جول جمال السياحي في اللاذقية، بكلفة إجمالية وصلت إلى 22 مليون يورو، ويهدف المشروع، إلى بناء مجمع سياحي من الدرجة “الممتازة”، مستوى أربعة نجوم، بإجمالي عدد غرف 502.
وأكد مدير عام شركة “سينارا” ديمتري إبرين، أنه تم بحث مختلف الجوانب الفنية والقانونية الخاصة، بالمشروع.
وفي المقابل، أعلنت إحدى الشركات الروسية السياحية تنظيم رحلات إلى خطوط الجبهات في سوريا، وفق ما نقل موقع روسيا اليوم، وتقول الشركة إنها تخطط لبدء إرسال السياح إلى سوريا، وتتضمن زيارات لخط المواجهة “في المعركة ضد الإرهاب”، بدءًا من العام 2016، وحجزت علامتها التجارية بعنوان “سياحة الأسد”. وتقول الشركة إن الرحلة صممت لتنسيق جولات للأفراد أو المجموعات الصغيرة من السياح، لفترة تتراوح بين 4 و 5 أيام، مشيرةً إلى أنها تواصلت مع السفارة السورية في روسيا والوزارات المعنية بهذه المسألة.
ولفتت الشركة إلى أنه “بالرغم من الأزمة السياحية في سوريا، إلا أنه هناك دائمًا أناس مستعدون للجمع بين الهدف المعرفي ورؤية الكوارث الطبيعية أو زيارة الأماكن على خطوط الجبهة في مناطق الحرب”.
وقالت الوكالة الروسية للسياحة، إن إرسال السياح إلى مناطق النزاع يتعارض مع القانون الروسي، لأن الشركة لا يمكن أن تضمن سلامتهم في ظل الحرب التي تجري في سوريا منذ 2011.
السيارات الروسية في سوريا
ولتعزيز التكامل والتعاون التجاري والصناعي بين الطرفين، أعلنت الشركة الروسية المصنعة لسيارات “لادا”، أنها ستدخل الأسواق السورية “بأسعار منافسة، وستعمل على حجز مكان متميز لها في الأسواق المحلية” خلال العام 2016، بعدما أسست إيران مصنع “سيامكو” لإنتاج سيارات شام، والذي توقف مع بدايات الثورة لكنه عاد للعمل مع إعلان الإيرانيين توريد معدات جديدة.
توسيع مرفأي اللاذقية وطرطوس
عين الشركات الروسية كانت على قطاعات حيوية أخرى، كالمطارات والموانئ، حيث قالت “سبوتنيك” الروسية، إن وزارة النقل التابعة للنظام تعتزم الاتفاق مع شركتين روسيتين لتطوير وتوسيع مرفأي طرطوس واللاذقية، مشيرة إلى أن الشركتين قامتا بزيارة المرافئ، للاطلاع على الواقع الراهن ووضع الدراسات الأولية والنقاط الفنية.
ويعتبر مرفأ اللاذقية الميناء البحري الأول في سوريا، وأحد أهم الفروع الرئيسية للحياة الاقتصادية في اللاذقية، و تم عن طريقه استيراد وتصدير معظم حاجات البلاد، غير النفطية.
ويقع المرفأ على مساحة واسعة من الواجهة البحرية للمدينة، وهو شركة عامة، وتبلغ سعة التخزين في المرفأ نحو 620 ألف حاوية، موزعة على 23 رصيفًا، وبلغ عدد السفن التي استقبلها الميناء عام 2007 نحو 1800 سفينة.
أما مرفأ طرطوس، فترسو فيه السفن البحرية والحربية وكاسحات الألغام، وترسو فيه بعض زوارق الصواريخ وسفن النقل التابعة للبحرية.
أما مرفأ طرطوس، فترسو فيه السفن البحرية والحربية وكاسحات الألغام، وترسو فيه بعض زوارق الصواريخ وسفن النقل التابعة للبحرية.
هدف الاستثمارات الروسية
تشير إحدى الدراسات الصادرة عن غرفة تجارة دمشق، إلى أن حجم الاستثمارات الروسية المتراكمة في سوريا حتى 2011 تقدر بنحو 19 مليار دولار. ولفتت الدراسة التي أعدها الباحث الاقتصادي بقسم الدراسات في الغرفة محمد عثمان، إلى أن تركز هذه الاستثمارات هو بشكل أساسي في الصناعات المرتبطة بالطاقة وقطاعي النفط والغاز، مشيرًا إلى أن بعض الاستثمارات اتجهت مؤخرًا إلى القطاع السياحي في ســوريا. لكن ومع استمرار التدخل الروسي من المتوقع أن يرتفع الرقم، لكن السؤال يبقى إلى أي مدى ستكون هذه الاستثمارات في صالح السوريين؟ وكيف ستساهم في تحقيق أهداف تنموية مع استمرار الأعمال العسكرية على الأرض؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :