فراس العقاد – عنب بلدي
وثق دفتر مذكرات للاجئة سوريّة، عثر عليه مع جثتها في عرض بحر إيجة قرب شواطئ مدينة إزمير التركية، “قصة حب” لم تكتمل فصولها، فالبحر كان أسرع من سعيها للحاق بخطيبها الذي وصل إلى ألمانيا وكانت تهم اللحاق به، قبل أن يبتلعها مع عشرات اللاجئين السوريين مطلع كانون الثاني الجاري.
وبالرغم من أن اسم اللاجئة بقي مجهولًا، إلا أن الدفتر المبلل حمل ضمن صفحاته المتبيقة والقابلة للقراءة، والتي استطاع مراسل وكالة دوغان التركية DHA “تايلان يلدرم”، الحصول عليه ووجد بداخله اّلامًا ومشاعر وانكسارات سطُرت عليه خلال رحلة الفتاة منذ انطلاقها وصولًا لانفصالها عن حبيبها.
وحملت الذكريات المكتوبة بين عامي 2013 و 2015 كثيرًا من الذكريات، وتناولت فيه الفتاة بداية قصة حبها التي عاشتها تزامنًا مع انطلاق الأحداث في سوريا (حسبما كتب في المذكرات)، وبسبب تقدّم الاشتباكات بالقرب من دمشق اضطرت للنزوح مع “حبيبها” باسل الى تركيا.
وحمل دفتر الفتاة ذكريات “أكثر ألمًا”، ويبدو أنها زادت مع خروجها من سوريا، وتعمقت في نفسها بعدما هجرها باسل، والذي ابتعد عنها مطلع 2015 متجهًا صوب أوروبا، “دون شعوره بأدنى مسؤولية” تجاهها بعد مغادرته، كما وصفت في إحدى صفحات دفتر المذكرات، “بتعرف ليش صرلي يومين عم حنلك.. يومين وأنا نفسي شوفك أو اسمع صوتك أكيد ما رح إقدر شوفك لأنو رحت وصرت بعيد، بعيد كثير يا باسل رحت لمكان تعيش فيه بعيد عني لحالك، أو مع حدا ثاني ما بعرف المهم إنو رحت وصار الك حياة جديدة”.
العوامل النفسية تزيد معاناة اللاجئين
ولقراءة الجانب النفسي من الموضوع، تواصلت عنب بلدي مع الاختصاصية النفسية خلود الذهب، خريجة قسم علم النفس، كلية التربية في جامعة دمشق ومديرة فرع مؤسسة “لأنك إنسان” للدعم النفسي والاجتماعي، واعتبرت أن “ما عانته الفتاة من ألم وخسارة وغضب واجهته قبل غرقها بفقدها لشخص كان تعتبره السند والأمان حتى تخلى عنها ووقعت في الصدمة”.
وأردفت أنه وبحسب نموذج “كيوبلر روس” فإن الناس عادة يمرون بأربع مراحل حين يتعاملون مع الخسارة والفقدان (موت أو طلاق أو فراق) وهي النكران، الغضب، المساومة، التقبل.
وبحسب الاختصاصية “قد لا يمر الجميع بهذه المراحل وربما لا يتم الانتقال بنفس الترتيب وربما يتم تجاوز بعض المراحل، وأضافت “الفتاة هنا كانت في مرحلة الغضب الممزوج بخيبة الأمل والفقدان فالمواجهة قوية ولا مجال لعودة مافقدته، إلا بالغضب والتمرد على كل شيء والهروب من كل شيء”، وإن خسارة هذه الشابة ليست فقط شخصًا تعلقت به مع أنه كان السبب المباشر للصدمة، ولكنها “ربما كمعظم السوريين فقدت وطنًا ومجتمعًا وأهلًا وبيتًا ومستقبلًا”.
الضياع وسط مجتمع جديد
وفي السياق ذاته، وتزامنًا مع ازدياد حالات غرق عديدة شهدتها مراكب المهاجرين على الشواطئ، قالت الذهب “إن ما يدعوا الناس لإلقاء أنفسهم في عرض البحر أنهم لم يصلوا إلى مرحلة التقبل بعد (حسب نموذج كيوبلر روس)، بل يعانون ويقبعون في أزماتهم وغضبهم وحزنهم، “حقيقة نفوسهم تلهث وراء النجاة المزيّن بأحلام وردية، ولكنها نفوس مثقلة بآثار الفقدان، وما مروا به، ولم تعمل جهدًا لاستيعاب ما مرت به، ولم توجد جهات تساعدها لإعادة تهيئتها لما تريده حقًا”.
وعن الجهة التي يمكن أن تتحمل المسؤولية تجاه ما يحصل، قسمت الذهب القضية إلى دوائر، الكبرى منها هي دائرة المجتمع، أما الدائرة التي تليها فهي دائرة الفرد (ما يؤثر به وما يتأثر).
وبحسب الاختصاصية، اعتبر عالم النفس اريسكون أن مسؤولية الفرد تقع ضمن ما يمكنه التأثير فيه “لا يمكننا أن نحمّل الفرد مسؤولية القصف الذي يحصل في مكان ما في العالم أو الموت من الجوع في مكان آخر”.
وهنا يأتي دور الاختصاصيين في الصحة النفسية، أن يركزوا على هذه المساحة، ويساعدوا في “تبصير الفرد وتمكينه من التحكم في هذه الدائرة من خلال تفهم ما يحصل في الحروب، وإلى أن يحصل ذلك يبقى السلوك غير الطبيعي في الظروف غير الطبيعية طبيعي”.
وبحسب استطلاع نشره موقع “تايم تورك” (20 كانون الثاني الجاري) نقلًا عن خفر السواحل التركي فإنه بين 15 و 17 كانون الثاني الجاري وحده (أي خلال ثلاثة أيام فقط) استطاعت وحداته اعتقال 544 مهاجرًا ينوون التوجه نحو السواحل الأوروبية.