عنب بلدي – حسام المحمود
شكّل إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 31 من كانون الثاني الماضي، عن التوصل إلى اتفاق يقضي بضم إيران إلى عملية “التسوية” بين تركيا والنظام السوري، تسجيل دخول آخر لطهران في مسار التقارب بين أنقرة ودمشق، بعد تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 29 من الشهر نفسه.
ودعا حينها أردوغان لمواصلة عقد لقاءات بين بلاده وروسيا والنظام السوري وإيران، بهدف الوصول إلى الاستقرار شمالي سوريا.
وأضاف، “لتجتمع تركيا وروسيا وسوريا، ويمكن أن تنضم إيران أيضًا، ولنعقد لقاءاتنا على هذا المنوال، لكي يعم الاستقرار في المنطقة”.
وبالتزامن مع تصريحات لافروف، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إن وجود إيران في المفاوضات مع سوريا بوساطة روسية سيكون مفيدًا.
نشاط ذو نتيجة
رغم افتتاحها الحديث عن تقارب سياسي تركي- سوري، منتصف عام 2022 تقريبًا، غابت طهران لأسابيع عن المباحثات التي ترعاها روسيا بهذا الصدد، وأبرزها لقاء وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، في 28 من كانون الأول 2022، الذي جرى في موسكو.
ويمثّل الدخول الإيراني على خط التقارب تتويجًا لجهود سياسية ونشاط دبلوماسي إيراني بدا بوضوح من خلال زيارتين أجراهما وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، إلى كل من دمشق وأنقرة، خلال أقل من أسبوع.
وفي 17 من كانون الثاني الماضي، زار عبد اللهيان أنقرة، والتقى الرئيس التركي، كما عبّر خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، عن امتنان بلاده لتغير مسار العلاقات بين أنقرة والنظام السوري، وجاء ذلك بعد تأكيد الجانب التركي إطلاعه إيران على تفاصيل اللقاءات مع النظام.
وبالتوازي مع اللقاء التركي- الإيراني في أنقرة، وجّهت طهران رسالة على لسان كبير مستشاري وزير خارجيتها، علي أصغر خاجي، الذي أكد عدم إمكانية حل القضية السورية بسهولة دون وجود إيران.
وقال حينها، إن مشاركة بلاده في جميع القضايا المتعلقة بـ”الأزمة السورية” ستستمر بكامل قوتها في المستقبل.
وقبل أنقرة، زار عبد اللهيان دمشق، في 14 من كانون الثاني الماضي، والتقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، اللذين أطلقا تصريحات منفصلة صبت في السياق نفسه، ومفادها رفع النظام سقف شروطه للتفاوض، إذ أكد الأسد أن الدولة السورية لن تسير إلى الأمام في حوارها مع الجانب التركي إلا إذا كان الهدف إنهاء الاحتلال ووقف دعم “التنظيمات الإرهابية”.
كما أكد المقداد، خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الإيراني، أن أي لقاءات سياسية يجب بناؤها على احترام السيادة السورية ووجود الجيش كضامن حقيقي لسلامة أراضيها.
وبعد تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” تحدّث عن مضاعفة إيران سعر النفط الخام الذي تبيعه للنظام السوري، ورغم نفي خجول نقلته صحيفة “الوطن” على لسان مصدر لم تسمِّه، فإن تقريرًا نشرته هيئة البث الإذاعي البريطانية (BBC) بنسختها الفارسية في 31 من كانون الثاني الماضي، نقل عن المحلل السياسي الإيراني رحيم فرزام، أن إيران لجأت مؤخرًا إلى أسلوب النفط، وزادت بشكل كبير من سعر تصديره إلى سوريا، احتجاجًا على عزلها عن المفاوضات.
حضور إيران.. زخم أكبر
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن انضمام إيران لمباحثات التقارب بين تركيا والنظام السوري، والتوجه نحو منصة رباعية بحضور روسي من شأنه أن يضيف زخمًا أكبر لعملية الحوار بين الجانبين، لأن إيران لاعب أساسي في هذه المسألة وطرف مؤثر على النظام، كما هي روسيا، ما يعني أن انخراط إيران في هذه الآلية من شأنه الإسهام في ضمان أن الظروف المحيطة بمسار التفاوض مناسبة لدفع العملية.
وأضاف علوش أن الحوار بين أنقرة ودمشق أكبر من عملية إصلاح علاقات بين الطرفين، بل هو مشروع لتسوية جديدة تطرحه روسيا، ما يجعل المنصة الرباعية نسخة مطورة عن مسار “أستانة”، مع اختلاف الوظيفة في الحالتين، فالمنصة الرباعية غرضها تسهيل العملية الدبلوماسية بين تركيا والنظام السوري، أما “أستانة” فكانت تصب جهودها على ترتيب اتفاقات وقف إطلاق النار، دون أن ينتفي التداخل بين أهداف المنصتين.
وتوجد عدة عوامل تحدد موقف النظام السوري في المباحثات بعد رفعه من قبل شروط التفاوض، فهناك ضغط روسي على النظام في سبيل عدم وضع شروط “تعجيزية” بغرض دفع عملية التسوية أو المصالحة مع تركيا، وفي المقابل هناك ضغط يمكن أن تمارسه طهران على النظام للتمسك أكثر بموقفه من المفاوضات، ما يجعل مرونة النظام في المباحثات مرتبطة بقدرته على الموازنة بين الضغطين الروسي والإيراني.
المسار لا يتناول فقط إصلاح العلاقات، بل يتطرق لمستقبل سوريا، والمعارضة، والوجود العسكري التركي في سوريا، وغياب إجماع الأطراف على الخطوط العريضة سيضع عقبات كبيرة في طريق المباحثات.
محمود علوش- باحث في العلاقات الدولية |
وبحسب الباحث، فالمسار السياسي الجديد لا يخلو من العقبات، لكن المباحثات وفق هذه الآلية قد تحدث تحولًا في الحالة السورية.
ومنذ اللقاء الثلاثي بين وزراء الدفاع أواخر عام 2022، تدور التكهنات بشكل مستمر حول موعد لقاء وزراء الخارجية للأطراف ذاتها، دون تحديد موعد رسمي واضح تؤكده الأطراف المعنية للقاء.
وبعد تصريحات الأسد والمقداد “المتطلبة” منتصف كانون الثاني الماضي، ردّت تركيا على لسان المتحدث باسم الرئاسة، بالتلويح مجددًا بالعملية العسكرية التركية البرية في الأراضي السورية.
وخلال لقائه مجموعة من ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية، لشرح وجهة النظر التركية حيال الأجندة الدولية بعد دخول أنقرة ودمشق في مسار تطبيع علاقات سياسية، قال إبراهيم قالن، إنه قبل اجتماع وزيري خارجية تركيا وسوريا، سيعقد لقاء بين وزيري دفاع الجانبين مجددًا.
هذه الخطوة بررها الباحث محمود علوش، بأن الظروف المناسبة لتطوير مستوى اللقاءات بين تركيا والنظام السوري لم تنضج بعد، كما أن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أعلن، في 2 من شباط الحالي، أن الاجتماعات الثلاثية بين تركيا وروسيا والنظام السوري، ستستمر خلال الأيام المقبلة على مستوى “الوفود الفنية”.
وتعتبر الاجتماعات على المستوى الفني محاولة لإيجاد ترتيبات محتملة لأي اتفاق مستقبلي يؤدي لإصلاح العلاقات بين تركيا والنظام، ولا سيما في المسائل الأمنية، ما يجعل الحديث عن تطور في المباحثات مستبعدًا ما لم يتم التوصل إلى مقاربة متفق عليها حول مستقبل هذه العملية بين الجانبين، وإشراك إيران يدفع مسار التفاوض، وهو ما تدركه موسكو وأنقرة.
وحول غياب إيران عن تصريحات وزير الدفاع التركي المتعلقة بالاجتماعات الفنية، اعتبر علوش ذلك مؤشرًا على رغبة تركية بمنح طهران دورًا سياسيًا في المسار، فإذا جرى التوصل للقاء وزراء الخارجية أو لقاء رئاسي يمكن لإيران المشاركة، دون ضرورة لمشاركة إيرانية في المسائل الفنية بالحوار بين تركيا والنظام السوري.
وخلال الأيام الماضية تراجعت الطموحات بالتوصل للقاء وزراء الخارجية على المدى المنظور، متأثرة بلقاء وزير الخارجية التركي بنظيره الأمريكي، في 18 من كانون الثاني الماضي، رغم غياب الحديث عن مسار التقارب في البيان الوزاري المشترك للجانبين، إلى جانب شروط النظام السوري التي ظهرت بعد صمت، والحديث عن لقاء وزراء الدفاع مجددًا، ما يعني العودة إلى نقطة البداية.