تصاعد اهتمام مؤسسات النظام السوري على مدار السنوات الأخيرة بالمنتج الدرامي المحلي، ما جعله محور مناقشات تسبق وتتبع الموسم الرمضاني الذي يعتبر سوقًا عريضة للأعمال خارج مظلة منصات العرض.
وفي مطلع شباط الحالي، انعقد لقاء لمنتجي الدراما السورية، حضره وزير الإعلام، بطرس حلاق، ووزير الصناعة، زياد صبحي صباغ.
وحمل اللقاء طابعًا اقتصاديًا إلى حد بعيد، إذ لفت المشاركون إلى أهمية الدعم المالي، وضرورة رفع أسعار المنتج الدرامي محليًا وتسويقه خارجيًا.
كما أشار رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها، محمد غزوان المصري، إلى تسهيلات مستقبلية تتعلق بتحويل الأموال لمديري شركات الإنتاج، وتطوير آليات الإنتاج الفني. وتخفيف العراقيل التي تواجه العملية الإنتاجية، لأثر هذه الصناعة في الاقتصاد الوطني، وفق ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
ليست بلا سقف
من جانبه، أوضح وزير الإعلام أن وزارته قدمت 14 مسلسلًا دراميًا، ولديها 34 نصًا في طريقها للإنتاج، مشددًا على أن الوزارة تسعى لصناعة دراما حقيقية، وهي معنية بالإنتاج.
كما دعا للتركيز على دراما ذات مضمون قيّم وبنّاء، والبحث عن مضمون الإنتاج الذي يقدّم أفضل صورة عن سوريا، مشيرًا إلى أن الدراما ليست صناعة بلا سقف، ويجب أن تكون ضمن معايير و”ضوابط منتظمة”.
وفي الوقت نفسه، اشتكى المنتجون غياب التيار الكهربائي، والمعوقات التي يسببها، ليتخلل اللقاء انقطاع الكهرباء عن القاعة التي تدور فيها النقاشات.
الاهتمام الحالي بنوع المحتوى الدرامي ومضمونه، سبقه، في أيار 2022، تصنيف لجنة الإعلام والاتصالات في “مجلس الشعب”، خلال اجتماعها بوزير الإعلام، ومديري مؤسسات إعلامية، الدراما السورية “بالألوان”.
ونقلت إذاعة “شام إف إم” المحلية حينها، عن عضو اللجنة نبيل طعمة، أن الحوارات دارت حول “الدراما السوداء والصفراء والوطنية”، في إشارة إلى الأعمال المعروضة خلال الموسم الرمضاني 2022، وتناولت الأوضاع في سوريا، معتبرًا أن بعضها قدم مواضيع المجتمع بشكل سلبي.
وفي 8 من تشرين الثاني 2022، أقرت حكومة النظام مشروع مرسوم إحداث وزارة إعلام، مستبدلة بذلك الوزارة القديمة المحدثة بموجب المرسوم “186” لعام 1961.
ومنح مشروع المرسوم وزارة الإعلام دور الإشراف على المحتوى و”دعمه وتوجيهه في خدمة القضايا الوطنية والتنموية”، من خلال تقييم النصوص الدرامية والوثائقية، إلى جانب تقييم النصوص الدرامية وإجازتها نصًا ومشاهدة، ومنح الإذن بالتصوير للأعمال الفنية والدرامية، بعد التحقق من إجازة نصوصها وعرضها وتصديرها.
الإبداع محاصر
الكاتب الدرامي حافظ قرقوط، أوضح أن النظام تعامل مع الدراما منذ بداية الثورة كإحدى وسائل التأثير في الرأي العام والتشويش على أفكار الثورة، ولا سيما أن الدراما السورية متابعة محليًا وعربيًا.
قرقوط أشار في حديث لعنب بلدي، إلى اتجاه النظام ما قبل الثورة لتلميع صورة بعض الفنانين، ودعم الإنتاج الدرامي عبر القطاعين العام والخاص، لإيمانه بقدرة الدراما على التأثير، إلى جانب ما يشبه تبييض الأموال عبر الدراما، إذ يتطلب إنتاج بعض الأعمال “على الورق” مبالغ كبيرة، لكن ما ينفق فعلًا على العمل أقل من الموازنة المحددة.
واعتبر الكاتب اجتماع وزيري الإعلام والصناعة بمنتجي الدراما مؤشرًا على أن الإبداع الدرامي مراقَب ومحاصَر ويتبع للسلطة، وسعيًا لسيطرة أكبر على الدراما في ظل انتشار كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطع مجتزأة من الحلقات، وتحظى بمشاهدات عالية.
ولفت الكاتب الدرامي إلى أن كثيرًا من الأعمال المنتَجة عبر التلفزيون الرسمي تشبه “الارتزاق” أو “التنفيعة” لغياب القيمة الفنية، والقليل منها فقط يُعرض على شاشة رمضان، بينما تُعرض الأعمال الأخرى على الشاشة المحلية في أوقات هامشية، خارج الموسم، دون أن ينتبه المشاهد إليها أصلًا، وهي حالة مستمرة.
محط نقد
لا تبدو غريبة محاولة “لجم” الصناعة الدرامية، خاصة بعد موسم دراما رمضان 2022، الذي جرى خلاله عرض مجموعة أعمال محلية جرى تصويرها في العاصمة دمشق، وتناولت قضايا معاصرة ومستقاة من الواقع السوري، كالواسطة والفساد والمحسوبية والرشى، وتحكّم فئات معيّنة بموارد الدولة واقتصادها وقرارها، وحالة الفوضى التي تبدّت بشكل جليّ خلال السنوات الأخيرة.
هذه الأعمال لاقى بعضها قبولًا وانتشارًا جماهيريًا واسعًا خلال فترة العرض، لم تسلم من انتقادات ومحاولات لـ”إعادة التوجيه” من قبل بعض مسؤولي النظام حينها، إذ أقامت وزارة الإعلام ولجنة صناعة السينما والتلفزيون، في 31 من تموز 2022، ورشة عمل بعنوان “الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية”.
وحينها، دعا مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، حبيب سليمان، إلى تحصين الدراما ضد التسطيح وتشويه القيم، وتحميلها قيم التسامح والمحبة.
كما أبدى قبل ذلك الأمين العام المساعد لحزب “البعث”، هلال الهلال، اعتراضه على المنتج الدرامي السوري خلال 2022، معتبرًا أنه يحطم المجتمع في بلد صمد عشر سنوات، ويصوّر سوريا كغابة تعج بالفوضى والفساد، وهذا التصوير غير صحيح بالمطلق، وفق رأيه.
–