عنب بلدي – محمد فنصة
“لازم أطمن على مستقبل بنتي، ما حدا بيعرف شو ممكن يصير بالأيام، الذهب تبقى قيمته فيه، على عكس الليرة”، بهذه الكلمات اختصر نشأت (45 عامًا)، الدافع وراء طلبه لتسجيل مهر ابنته “المؤخر” بقيمة 100 غرام من الذهب، وهو توجه بات ملحوظًا عند المتزوجين الجدد أو حتى بتعديل المهر عند القدامى.
نشأت، وهو من سكان مدينة سلقين بريف إدلب الحدودية مع تركيا، تقدم لخطبة ابنته شاب من خارج المدينة، كان متجهًا إلى تركيا بطريقة غير نظامية عبر مهربين، لذا طلب نشأت مهرًا مرتفعًا لعدم معرفة الشاب من جهة، وتوجه ابنته لبلد “غريب”، حيث لا أقارب لها هناك من جهة أخرى، واصفًا لعنب بلدي المهر بـ”حماية للبنت” في هذه الظروف.
وفي 21 من كانون الثاني الماضي، صرح القاضي في المحكمة الشرعية الثالثة بدمشق، خالد جندية، أن معظم عقود الزواج المسجلة في الفترة الأخيرة لحالات من داخل أو خارج سوريا، يسجل فيها المهر بالذهب عوضًا عن النقود، باختلاف القيمة المسجلة بين سوريي الداخل والخارج.
وأوضح جندية أن حالة تسجيل المهور بالليرات الذهبية “ازدادت بشكل كبير”، بسبب المتغيرات الاقتصادية في البلاد، ومنها تردي الوضع المعيشي لأغلبية شرائح المجتمع، والتضخم وانخفاض قيمة الليرة السورية.
وعزا جندية سبب ارتفاع قيمة المهور التي تسجل في الخارج مقارنة بعقود الزواج التي تسجل ضمن سوريا، للوضع المعيشي المتردي للسكان.
ويبلغ سعر الليرة الذهبية في سوريا ثلاثة ملايين و116 ألف ليرة سورية، وفق التسعيرة الأحدث لـ”الجمعية الحرفية للصياغة وصناعة المجوهرات” بدمشق، فيما وصل سعر غرام الذهب عيار 21، مطلع شباط الحالي، إلى 357 ألف ليرة للمبيع، و356 ألفًا و500 ليرة للشراء.
ولم يقتصر الأمر على توجه الكثيرين نحو العقود الجديدة المسجلة، بل تزامن الأمر مع تعديل للعقود القديمة غير مدفوعة المهر، وذلك بالتراضي بين الزوجين عن طريق تقديم طلب إلى المحكمة الشرعية التي تعدل المهر إلى الليرات الذهبية بعد تأكد القاضي الشرعي من رغبة الزوجين، وفق جندية.
لحفظ حقوق المرأة
فتون (39 عامًا)، من سكان مدينة حلب شمالي سوريا، عدّلت مؤخرًا عقد زواجها لدى المحكمة الشرعية، مستبدلة مهرها القديم المسجل بالليرة السورية إلى الليرة الذهبية، إذ كان عقد زواجها السابق “بمقدم ومؤخر” يبلغ 300 ألف ليرة سورية، ليصبح ثلاث ليرات ذهبية لكل منهما.
وعن سبب طلبها تبديل قيمة المهر القديم، قالت فتون لعنب بلدي، إن المهر بقيمته السابقة فقد دوره في حماية حقوق المرأة المتفق عليها شرعًا، نظرًا إلى انخفاض قيمة الليرة السورية خلال السنوات.
الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة، أوضحت لعنب بلدي أن توجه العائلات لطلب مهر بقيمة أكثر ثباتًا كالذهب بدلًا من الليرة السورية، يعود للحفاظ على حقوق المرأة، على اعتبارها الفئة “الأكثر ضعفًا” في المجتمع، في مواجهة تعرضها للخيانة الزوجية أو لأي مشكلة تؤدي للطلاق.
وأشارت عطفة إلى أن المهر يحدده الأب أو الأم، وفق العادات والتقاليد المجتمعية الموجودة، بينما في حال كان الارتباط بناء على علاقة حب أو معرفة سابقة، لن تطالب الفتاة بمهر على شكل ذهب، إذ لن يكون ذا أهمية بالنسبة لها.
وفيما إذا كان تعديل أو تسجيل المهور بالذهب دليلًا على “ضعف الثقة” بين الطرفين، أجابت عطفة أن تسجيل المهر بهذا الشكل ناتج عن عادات وتقاليد مجتمعية، مشيرة إلى انسياق وانسجام الأهل مع المجتمع المحيط، حيث تسأل العائلة عن المهور التي تُطلب في ذات الفترة من العوائل المحيطة لتطلب بالشكل أو القيمة ذاتها أو أعلى منها.
وترى الباحثة الاجتماعية أن العلاقة بين الرجل والمرأة ترتبط بالمهر عندما تصبح المرأة “سلعة”، أو في حال أرادت المرأة أن “تفتخر” بقيمة المهر الذي سجله زوجها لها.
وشددت عطفة على أن قيمة المهور العالية لا تحمي من التفكك، وأنه عندما لا يوجد انسجام أو تفاهم أو قدرة على حل وتخطي المشكلات اليومية التي تظهر في العلاقة الزوجية، لن تمنع حينها المهور من الانفصال، وإنما مشاعر الحب والاهتمام والاحترام المتبادل.
وأضافت الباحثة أن المهور المرتفعة قد تلعب دورًا عكسيًا في متانة العلاقة، وتكون سببًا لممارسة ضغط نفسي على الرجل.
وتعتقد عطفة أن المهور “موروث اجتماعي” لا يرفع من قيمة المرأة بل يصنفها “كسلعة”، يمكن تغييره عندما تكون المرأة متمكنة اقتصاديًا وتعليميًا، بحيث تكون قادرة على تحديد المهر الذي تريده دون خوف من تداعيات بعد الزواج، لأنها حينها لن تختار معيلًا بل شريكًا.
ما قانونية تسجيل المهر بالذهب؟
وفيما إذا كان إقرار مسألة تعديل المهر خروجًا على قاعدة قانونية، أوضح القاضي الشرعي، خالد جندية، أن مسألة حق الزوجة في تعديل مهرها القديم الذي لم تستوفِه من زوجها، وفق ما نصت عليه المادة “54” من قانون الأحوال الشخصية، لا يخالف القانون على اعتبار أن عقد الزواج الشرعي “ذو طبيعة خاصة” لا يمكن قياسها على العقود المدنية.
المحامي السوري حسام سرحان، قال لعنب بلدي، إنه وفق القانون السوري يجب عند تسجيل المهر بالذهب إلحاقه بتسجيل قيمته الحالية وفق الليرة السورية كونها العملة المتداولة.
وفي حال جرى الطلاق بعد فترة، يُحسب الذهب عند المطالبة بالمهر بقيمته الجديدة بالليرة السورية، في حال عدم توفر الذهب المسجل بشكل عيني.
وبالنسبة لتعديل المهر القديم لآخر جديد بالذهب، يعتبر “جائزًا” بشرط حضور الطرفين أمام القاضي الشرعي بعد تقديم طلب إداري، وتأكيد توافقهما على الشروط الجديدة، بحسب سرحان.
ولا يخالف تعديل عقد الزواج قانونية العقود المدنية طالما يتم بالرضا بين الأطراف المشتركة بالعقد قانونًا أو مجتمعيًا.
ولم يكن قانون الأحوال الشخصية السوري رقم “59” لعام 1953 يتيح تسجيل الذهب للمهور، حيث كان مقتصرًا على الليرة السورية فقط، لكن جرى تعديل على مواده في شباط 2019، أتاح هذا التسجيل.
وتتوجه العائلات لتسجيل المهور بالذهب نظرًا إلى تدهور الليرة السورية في السنوات الأخيرة، إذ تراجعت قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي بنسبة وصلت إلى 100% على أساس سنوي خلال عام 2022، في انخفاض يعتبر الأكبر أمام الدولار يتم تسجيله في تاريخها.
وارتفعت معدلات الطلاق في سوريا خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حتى باتت مقاربة لمعدلات الزواج المستمر، إذ كشفت أحدث إحصائية نُشرت في تموز 2022، أن كل 29 ألف حالة زواج، يقابلها 11 ألف حالة طلاق.
وكشف القاضي المستشار وليد كلسلي، أن نسبة حالات الطلاق وصلت إلى 50% من نسبة حالات الزواج، قائلًا، “لدى مراجعة المحاكم الشرعية وفي أثناء التمحيص فيما تم ذكره من الزوجين خلال جلسات التحكيم السرية، تبين أن أسباب طلب التفريق التي وردت للمحاكم هي اقتصادية واجتماعية وثقافية”.