عنب بلدي – خاص
يواجه طلاب الجامعات شمال غربي سوريا صعوبات وعقبات تثقل كاهلهم وتجعل من الدراسة عبئًا لا عملية محببة سهلة المراد، من إيجار السكن، وارتفاع تكاليف المواصلات، وقلة فرص العمل.
صعوبات يواجهها الطلاب ككل، لكنها أكثر ثقلًا على الطلاب المهجّرين أو القادمين من مدن وبلدات إدلب للدراسة في جامعات الريف الحلبي، سواء الحكومية منها أو الخاصة.
لا حلول جذرية للمشكلات التي يعيشها الطلاب في ريف حلب الذي تسيطر عليه “الحكومة السورية المؤقتة”، وفي مناطق إدلب التي تسيطر عليها حكومة “الإنقاذ”، وتقتصر مساعي الحل على مبادرات وتبرعات من بعض المنظمات والفرق التطوعية العاملة، وسط واقع اقتصادي ومعيشي متردٍ تشهده المنطقة.
سكن وبطالة ومشكلات إدارية
أحمد نيعة، وهو طالب من مدينة سلقين شمالي إدلب، يدرس في كلية الهندسة بجامعة “النهضة” الخاصة بريف حلب، أوضح أن إيجار المنزل بريف حلب هو همّ الطلاب الأول، إذ يصل إلى 80 دولارًا شهريًا (حوالي 1500 ليرة تركية)، يضاف إليها “أتعاب” صاحب المكتب التي تصل إلى 50 دولارًا لتأمين منزل يسكن فيه طالبان أو ثلاثة.
وقال الشاب لعنب بلدي، إن وضع المنزل من حيث النظافة والخدمات لا يرقى للمبلغ المدفوع، ولا يُقارن بالوضع المعيشي للمنطقة، مضيفًا أن ارتفاع أسعار جميع المواد من سلع غذائية أو تدفئة مشكلات إضافية تزيد من عبء الدراسة الجامعية.
من جهته، الطالب أحمد بيضون الذي يدرس في جامعة “حلب الحرة” باعزاز، اعتبر أن أكبر مشكلة تواجه معظم الطلاب خلال الدراسة هي تأمين الدخل والمصروف، مشيرًا إلى أن قسم طب الأسنان الذي يدرسه مكلف أكثر من غيره لما يتطلبه من أقساط وتجهيزات وأدوات.
ولفت الشاب المنحدر من بلدة بداما غربي محافظة إدلب، إلى أنه يبحث عن عمل منذ أشهر لكنه لم يجد، وفي حال عثوره على عمل فإنه يتعارض مع دوامه الجامعي ويؤثر على تحصيله العلمي.
وإلى جانب المشكلات السابقة، قال الطالب عمر زعتور المنحدر من مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، والذي يدرس في كلية الإعلام بجامعة “النهضة” باعزاز، إن هناك صعوبات إدارية من قبل الجامعات نفسها.
وأوضح عمر لعنب بلدي، أن الجامعات لا توفر أو تقدم التجارب العملية الكافية، بما يؤهله دخول سوق العمل سواء خلال فترة دراسته أو بعدها، مشيرًا بحكم اختصاصه إلى عدم معرفته بعمل الكاميرا أو التدريب عليها في الجامعة، وهذا الأمر ينطبق على أفرع عديدة.
الطالب في جامعة “النهضة” مهند رصين جسري، اعتبر بالإضافة إلى الصعوبات السابقة، أن تلاعب بعض المكاتب العقارية بالطلاب هو أكبر المشكلات، لمعرفتهم بأن الطالب مضطر لاستئجار منزل يوفر عليه مصاريف مواصلات من بلدات ومدن بعيدة.
وقال مهند لعنب بلدي، إن بعض المكاتب العقارية تستغل حاجة الطالب للسكن، وتأخذ منه تأمينًا أو “كمسيون” حوالي 50 دولارًا أمريكيًا، وتعود لإخراجه لأسباب عديدة بعد شهرين أو ثلاثة، ويتم تأجير المنزل لطلاب آخرين واعتماد نفس الأسلوب معهم بعد فترة.
مشكلات في إدلب أيضًا
الطالبة حلا (متزوجة وأم لثلاثة أطفال) تدرس في قسم الإرشاد النفسي بجامعة “إدلب”، وتقيم في ريف جسر الشغور، أوضحت أن المسافة البعيدة عن الجامعة، ووجود طفلة صغيرة لديها، لا يمكنانها من الحضور بالنسبة الكافية في الجامعة.
تعمل حلا معلمة في إحدى المدارس، ويفكر زوجها بجدّية بالسكن في مدينة إدلب رغم ارتفاع الإيجارات، لكنه حل مؤقت للتخلص من تعب السفر اليومي، وتذليل الصعوبات حتى تتخرج في الجامعة.
وتحدثت حلا عن ضغوط متراكمة مع دوام المدرسة والجامعة وإدارة المنزل وتربية الأطفال، بالإضافة إلى صعوبات في تأمين مستلزمات الحياة اليومية، وارتفاع تكاليف السكن والكهرباء والماء والإنترنت وغيرها.
والتقت عنب بلدي عددًا من الطلاب والطالبات في جامعة “إدلب”، ينحدرون من مناطق ريف حلب ومنهم من ريف جسر الشغور، ومنهم مهجرون من ريف دمشق إلى شمالي إدلب، بعضهم متزوج وبعضهم عازب، تحدثوا عن صعوبات مشابهة لتلك التي يعيشها طلاب في جامعات بريف حلب.
تبرعات وحملات دعم
الطالب أحمد نيعة بعد دراسته لثلاث سنوات في جامعة “النهضة”، أوضح أن المنظمات والفرق التطوعية لا تركز على دعم الطلاب، وأن الأولوية في دعمها تنصب على المخيمات والنازحين، لافتًا إلى ضرورة تخصيص جزء بسيط من الدعم للطالب في مشواره التعليمي الطويل.
وتنشط منظمات تدعم احتياجات الأشخاص في الشمال السوري، وتخصص جزءًا من دعمها للقطاع التعليمي ككل، من هذه المنظمات “فريق الاستجابة الطارئة” الذي ينظم حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدعم الطلاب وتأمين أقساط الدراسة لهم.
ونشر “فريق الاستجابة”، في 11 من كانون الثاني الماضي، إحصائية لحملاته خلال أربع سنوات في قطاع التعليم، شملت ستة آلاف و933 مستفيدًا، ووصلت قيمة التبرعات المجموعة إلى 326 ألفًا و150 دولارًا أمريكيًا.
ومن المنظمات النشطة “فريق ملهم التطوعي”، الذي ينشر بشكل دوري عن تبنيه لعمليات دعم طلاب سواء في الجامعات أو في مراحل مبكرة من الدراسة، وكذلك دفع تكاليف معلمي فصول دراسية محددة.
كما تنشط بعض الجهات في إنشاء بعض المشاريع، منها “هيئة الإغاثة التركية” (IHH) التي افتتحت، في 27 من كانون الأول 2022، مبنى للسكن الجامعي في مدينة اعزاز، يضم 40 غرفة وصالة، ومكتب إدارة، بسعة تصل إلى 320 طالبًا.
وحمل السكن الطلابي اسم “سكن قونية علاء الدين كيكوبات”، وأنشأه فرع “هيئة الإغاثة” في ولاية قونية التركية، والسكن مخصص لطلاب جامعة “الشام” في اعزاز، التي أنشأتها “هيئة الإغاثة” عام 2015ـ 2016، وتضم حوالي ألفي طالب.
مشكلات تتجدد
المشكلات المذكورة ليست بجديدة على واقع الطلاب، لكنها تتجدد مع بداية كل موسم دراسي، أو مع كل يوم دراسي، بحسب وضع الطالب التعليمي وقدرته على تأمين ومجاراة العملية التعليمية.
كما يواجه الطلاب في ريف حلب بشكل خاص عدة مشكلات طفت على السطح مؤخرًا، منها ما أُثير في كانون الأول 2022 من قرارات متداولة متعلقة بالأقساط والرسوم والاستنفاد، لاقت استنكارًا وغضبًا من قبل بعض الطلاب.
واعتبرها بعض الطلاب استغلالًا لهم، متهمين جامعة “حلب الحرة” وإدارتها بأنها تحولت إلى “مؤسسة ربحية لا تعليمية”، وقوبلت هذه القرارات بنفي الجامعة.
وفي 12 من كانون الأول 2022، منع حوالي 25 طالبًا من طلبة كلية طب الأسنان بجامعة “حلب” من إجراء امتحاناتهم، لعدم دفعهم رسوم القسط الجامعي.
وأوضح عميد كلية طب الأسنان، الدكتور محمد خطاب، حينها لعنب بلدي، أن القسط من أجل أن تستمر العملية التعليمية، إذ تعتمد الجامعة في 80 إلى 85% من تمويلها على رسوم الطلبة، وفي 15 إلى 20% على دعم من بعض المنظمات، بحسب العميد.
ولفت عميد الكلية إلى أنه في حال عدم دفع الطلبة الرسوم، ستواجه الجامعة مشكلة مالية تعود بالضرر على دراستهم، وسير عمل الجامعة، ونجاح العملية التعليمية وعمل المدرّسين فيها، وهذا ما يدفع الجامعة للمطالبة بالدفع والضغط على الطلبة.
كما أُثيرت، في تشرين الأول 2022، قضية كلية الإعلام بجامعة “حلب الحرة”، التي لا تزال تشهد بعض التجاذبات وتراشق الاتهامات بين أطرافها من طلبة وإدارة الجامعة، وسط مطالب للطلبة تنتظر الاستجابة.