وثقت منظمتان حقوقيتان عمليات اعتقال “تعسفية”، وممارسات تعذيب “وحشية” لعدة أشخاص، وأعمالًا ترقى لـ”العنف الجنسي” ضد نساء وفتيات في منطقة عفرين شمالي حلب، اعتُقلوا على يد فصائل “الجيش الوطني السوري” والقوات التركية.
واستندت منظمة “حقوق الإنسان في عفرين- سوريا” و”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في تقريرهما الصادر اليوم، الأربعاء 1 من شباط، إلى 40 مقابلة “مركّزة” أُجريت مع ناجين وناجيات.
وطالت عمليات الاعتقال والتعذيب 25 ذكرًا بالغًا، و15 امرأة وفتاة بينهم طفلة، كان من بينهم أشخاص طاعنون في السنّ، منهم 34 حالة من الكرد، بينها رجل وامرأة من الديانة الإيزيدية، وست حالات من العرب، وفق التقرير.
وذكر التقرير أن العديد من المعتقلين أمضوا أيامًا وأسابيع وأشهرًا عديدة، قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد دفع مبالغ طائلة.
ولفت التقرير إلى أن عمليات الاعتقال والتعذيب والإخفاء لعبت دورًا أساسيًا في دفع الناجين والناجيات وعائلاتهم إلى النزوح قسرًا من مناطق سكنهم الأصلية.
وقررت الأغلبية العظمى من الذين تم الإفراج عنهم الانتقال والنزوح إلى مناطق أخرى (أحياء من حلب ومخيمات النازحين)، خوفًا من إعادة اعتقالهم من قبل تلك الجهات، وفي الحالات التي بقي فيها عدد من الناجين، أُعيد اعتقالهم مرة أخرى، وفق التقرير.
وقال التقرير إن السبب الظاهر والتهمة التي تم توجيهها هو التعامل مع “الإدارة الذاتية” المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أو العمل معها.
وتُتهم أنقرة “قسد” بأنها امتداد لحزب “العمال الكردستاني” (المحظور والمصنف إرهابيًا)، وهو ما تنفيه القوات رغم إقرارها بوجود آلاف المقاتلين والقياديين من الحزب، وشغلهم مناصب قيادية.
وكان السبب الحقيقي للاعتقال، بحسب التقرير، هو من أجل إجبار الأشخاص على دفع مبالغ كبيرة لقاء الإفراج عنهم، وإجبارهم أحيانًا أخرى على التنازل عن ممتلكاتهم، ودفعهم لمغادرة مكان سكنهم الأصلي.
وجُمعت الشهادات في عام 2021 وبداية 2022، وجرت الانتهاكات خصوصًا في الفترة الزمنية التي تلت دخول فصائل “الجيش الوطني” مدعومة بالقوات التركية خلال عملية “غصن الزيتون” إلى عفرين في آذار 2018.
وتركّز توزّع معظم المعتقلين في منطقة عفرين، عدا اثنتين من الحالات تمّ توثيقهما وكانتا من مدينة اعزاز التي سبق أن سيطر عليها “الجيش الوطني” خلال عملية “درع الفرات” التي انتهت في 28 من آذار 2017.
من المسؤول؟
تعددت الجهات التي وقفت خلف عمليات الاعتقال والتعذيب في عفرين، وبحسب الشهادات الـ40 التي جمعها التقرير، توزعت بحسب الجهة إلى:
12 حالة على يد “الجبهة الشامية” (نواة الفيلق الثالث).
10 حالات على يد “الشرطة العسكرية”.
7 حالات على يد “أحرار الشرقية”.
7 حالات على يد الاستخبارات التركية.
6 حالات على يد “فيلق الشام”.
5 حالات على يد “فرقة السلطان مراد”.
حالتان على يد “فرقة السلطان سليمان شاه”.
حالتان على يد “جيش النخبة”.
حالة على يد “لواء الفاتح”.
وتعرّض بعض الأشخاص، وفق التقرير، لعمليات اعتقال وتعذيب لأكثر من مرة، على يد نفس المجموعة أحيانًا، وأخرى على يد مجموعات مغايرة.
ولم يستطع بعض المعتقلين معرفة مكان الاعتقال ولا الجهة التي نفّذته، بسبب طبيعة الممارسة في أثناء عملية الاعتقال (الخطف)، وعصب عيونهم وامتناع الجهات التي قامت بعمليات الاعتقال عن التعريف عن نفسها.
مواقع السجون
واختلف توزّع مراكز الاحتجاز جغرافيًا بحسب الجهة التي وقفت وراء الاعتقال والمنطقة التي كانت تسيطر عليها حينها، وكان توزعها وفقًا للتقرير:
-سجن “المعصرة” الواقع في قرية سجو بريف اعزاز، وكان خاضعًا لفصيل “الجبهة الشامية”.
-مدرسة “أمير الغباري” الواقعة في شارع “السياسية” بحي “عفرين الجديدة”، تمّ تحويلها لمركز احتجاز من قبل الاستخبارات العسكرية التركية.
-مبنى “الإدارة المحلّية” (سابقًا) في منطقة عفرين، كان خاضعًا لسيطرة فصيل “الجبهة الشامية” و”فرقة السلطان مراد”.
-سجن “إسكان/اسكا” في منطقة جنديرس كان تحت سيطرة “فيلق الشام”.
-مقر “الشرطة العسكرية” في حي شارع “الفيلات” بمنطقة “عفرين الجديدة”، يتبع لـ”الشرطة العسكرية”، وكان المقر بالأساس ثانوية التجارة (قرب مستشفى عفرين) قبل تحويله إلى مقر عسكري ومركز احتجاز.
-سجن “معراته العسكري” و”معراته المدني”، ويتبعان لـ”الشرطة العسكرية”.
-مدرسة “الأشرفية المحدثة” و”مبنى السرايا” في حي “عفرين القديم”، كانا مركزي احتجاز يتبعان لـ”أحرار الشرقية”، ومركز احتجاز آخر في حي “عفرين الجديدة” بشارع “الفيلات” معروف بـ”بناية معبطلي”.
ظروف احتجاز “سيئة” وتعذيب
ووثّق التقرير عدة انتهاكات ارتكبتها فصائل “الجيش الوطني” مدعومة بالقوات التركية، وكانت:
-تحويل عقارات ومنازل تعود للأهالي إلى مراكز احتجاز بعد الاستيلاء عليها بشكل “غير قانوني”، مثل مزار، ومنازل لمدنيين، وحظيرة أبقار، ومقصف ليلي، وبعض الأماكن لم يتعرف عليها المعتقلون.
-المحتجزون تعرضوا لمختلف “أصناف التعذيب النفسي والجسدي، والإهانات المتكررة، والتعذيب الوحشي”، وتوفي عدد من المحتجزين في أقبية التعذيب، بحسب الشهادات التي تمّ الحصول عليها.
– تم وضع المعتقلين في أماكن احتجاز ضيقة، ومُنعوا من الذهاب إلى دورات المياه سوى مرة واحدة في اليوم، وجرى تجويعهم من خلال تقديم وجبة واحدة لهم، وبكمّية قليلة جدًا، بالإضافة إلى “الإغفال التام” للنظافة الجسدية.
-لم تراعِ أماكن الاحتجاز الحساسية الجندرية، وجرى احتجاز السيدات بشكل مشترك مع رجال آخرين، وبمساحات ضيقة، وجرت عمليات التحقيق معهن من قبل محققين ذكور، وقاموا بتوجيه إهانات وكلمات نابية شديدة لهم.
كما وثّق التقرير وسائل التعذيب المتبعة من قبل الفصائل المذكورة، وكانت الضرب بالعصي وخراطيم التمديدات الصحية، وكوابل الكهرباء الرباعية، وتعليق الأشخاص إلى الأعلى بسلاسل حديدية، وعمليات ضرب بأخمص البندقية واستخدام الصعق الكهربائي.
وتحدثت إحدى الشهادات في التقرير عن وجود عملية اغتصاب متكررة لطفلة قاصر (16 عامًا)، كما أفضت بعض عمليات التعذيب إلى وفاة المحتجزين، وفي حالات أخرى نتج عن التعذيب إصابة الضحية بعاهات دائمة، عدا الآثار النفسية الناتجة عن هذه الانتهاكات.
وأنهت المنظمتان الحقوقيتان التقرير بإجابات قانونية من وجهة نظر القانون السوري والقانون الدولي، واعتبرتا أن عمليات الاعتقال والتعذيب كانت خرقًا للقانون السوري، إذ حظرت الدساتير السورية المتعاقبة فعل التعذيب الجسدي أو المعنوي والمعاملة المهينة.
كما يعتبر حظر التعذيب والعقوبة أو المعاملة القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة من القواعد الآمرة في القانون الدولي (jus cogens)، ولا يخضع هذا الحظر في هذا السياق لأي تبريرات أو قيود أو ذرائع متعلقة بالشخصية القانونية للجهة المعنية.
وتستوفي الممارسات المرتكبة بحق المعتقلين شروط أحد الانتهاكين: التعذيب والمعاملة اللاإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي الإنساني، وفق التقرير، كما تأتي الممارسات كسلسلة من الانتهاكات المحتملة الأخرى بدءًا من الحرمان التعسفي من الحرية، إلى الإخفاء القسري، وجرائم العنف الجنسي، والقتل خارج نطاق القضاء.
انتهاكات وخطة لضبطها
تتكرر الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية التابعة لفصائل أو جهات ومؤسسات عسكرية تنشط في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، رغم وجود أجهزة قضائية و”شرطة عسكرية” و”شرطة مدنية”، والعديد من لجان الصلح، الموكل إليها محاسبة الانتهاكات بشكل عام.
وسيطر “الجيش الوطني”، مدعومًا بالجيش التركي ضمن عملية “غصن الزيتون”، على مدينة عفرين ونواحيها، بعد معارك خاضها ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، انتهت في 18 من آذار عام 2018.
وأدت العملية العسكرية إلى نزوح أكثر من 137 ألف شخص، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، في حين وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” سرقة ونهب ممتلكات المدنيين في عفرين من قبل الفصائل المسيطرة.
وأقامت تركيا في المناطق الخاضعة لسيطرتها بريف حلب الشمالي مؤسسات مدنية ومشاريع خدمية متعددة، تديرها من خلال المجالس المحلية التي تدعمها في المنطقة، مبررة دخول قواتها بحماية حدودها من خطر حزب “العمال الكردستاني” المصنّف “إرهابيًا”.
وفي 27 من تشرين الأول 2022، أطلقت “الحكومة السورية المؤقتة” المظلة السياسية لـ”الوطني”، خطة لتفعيل دور المؤسسات وتوحيد الفصائل، بعد سلسلة اجتماعات ولقاءات أجرتها وزارة الدفاع مع مختلف القوى العسكرية والأمنية فيه.
وكذلك جرى اجتماع قادة “الجيش الوطني” مع مسؤولي الملف السوري، الذي عُقد في ولاية غازي عينتاب جنوبي تركيا في نهاية تشرين الأول 2022.
وبقيت مخرجات الاجتماع مقتصرة على التسريبات دون أي توضيح رسمي، لكن أبرز البنود توحيد فصائل “الجيش الوطني” وإنهاء حالة الفصائلية، وحل جميع الأجهزة الأمنية ضمن الفصائل، وإنشاء جهاز أمني واحد لكل المنطقة.
وفي 25 من كانون الثاني الماضي، أعلن “الجيش الوطني” البدء بتنفيذ خطة تسليم جميع الحواجز الأمنية إلى إدارة “الشرطة العسكرية”، في مناطق سيطرته التي تشمل ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا.
وقال الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة”، العميد أيمن شرارة، إن الغاية من تسليم الحواجز أن تتبع إلى إدارة واحدة، وتنظيم عملها بشكل أفضل، ما يؤمّن سهولة التواصل فيما بينها ويسهم بحفظ الأمن والأمان.
ورغم وعود “المؤقتة” بضبط الأمن، تشهد المنطقة حالة من الفوضى الأمنية وغيابًا لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، كان أحدثها هجومًا من عناصر “الشرطة المدنية” على بعض المتظاهرين في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، واشتباكًا بالأيدي، عقب محاولة المتظاهرين إقامة خيمة للاعتصام، والمطالبة بكشف قتلة ناشط إعلامي وزوجته الحامل في المدينة.
اقرأ أيضًا: ملابسات اغتيال “أبو غنوم” طي الكتمان.. “الشارع الثوري” ينتظر
–