الموسيقي السوري عمر الكيلاني يقدّم “جيتارولوجي” من اسطنبول

  • 2023/01/31
  • 7:29 م
الموسيقي السوري عمر الكيلاني يتحدث إلى جمهور حفله الموسيقي_ 28 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

الموسيقي السوري عمر الكيلاني يتحدث إلى جمهور حفله الموسيقي_ 28 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

يمزج الموسيقي السوري الشاب عمر الكيلاني بين الجيتار وتقنيات الموسيقا الإلكترونية، في مقطوعات يحاول أن تكون أصيلة بتوزيع جديد لبعض الأغاني، في مقطوعاته الموسيقية الجديدة التي يقدمها في حفلات بمدينة اسطنبول التركية.

ويتفق كثير من العلماء والفلاسفة والفنانين عبر التاريخ على الدور المحسوس للموسيقا في حياة البشر على المستوى الفردي لكل منهم على حدة، وعلى صعيد جماعي أعم وأشمل ذي حضور غير مادي.

وفي الوقت الذي يعتبرها الأديب والروائي الفرنسي فيكتور هوغو تعبيرًا عمّا لا يمكن قوله، ولا يمكن السكوت عنه، فالشاعر والمسرحي الإنجليزي وليم شكسبير قال على لسان لورنزو، أحد أبطال مسرحيته “تاجر البندقية”، إنه “ما من مخلوق بلغ ما بلغ من البلادة وجمود الحس والهمجية إلا وللموسيقا تأثير في طبيعته، الرجل الذي لا يشعر بالموسيقا ولا يهزّه الطرب، مفطور على الغدر والاحتيال والاغتيال”.

وبالنظر إلى فائدة الموسيقا، فالروائي المصري إحسان عبد القدوس لخّصها في روايته “ثقوب في الثوب الأسود”، بأن الموسيقا الهادئة تساعد على التفكير في مشكلة، والصاخبة تساعد على الهرب من مشكلة.

وقال في مديحها الشاعر العراقي المعاصر كمال أديب الدين (1953)، “شكرًا أيتها الجميلة كطفلة والعذبة كقُبلة والضائعة كمستقبلي الذي يشبه سيركًا من الأعياد: أوّلها عيد السم وآخرها عيد الموت جوعًا، شكرًا”.

“جيتارولوجي”

أحيا الشاب السوري عمر الكيلاني، في 28 من كانون الثاني الحالي، حفلًا موسيقيًا في الصالة الفنية من مقهى “يولو آرت سنتر” في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول التركية.

وخلال الحفل قدّم عمر مجموعة من مقطوعاته الموسيقية الجديدة، إلى جانب بعض الأغنيات التي شاركه بها بعض رفاقه، وعزفها على آلة الجيتار في حفل حمل اسم “جيتارولوجي”، تعبيرًا عن حالة المزج بين الجيتار وتقنيات الموسيقا الإلكترونية، وحضره جمهور متنوع الثقافات.

يعزف عمر على الجيتار منذ 12 عامًا، وشكّلت مقطوعاته الموسيقية التي قدّمها من تأليفه نقلة نوعية في موسيقاه، كما وصفها خلال حديث إلى عنب بلدي، لافتًا إلى تركيزه على تقديم مؤلف موسيقي أصيل، على خلاف الفترات التي عزف فيها ما يطلبه الناس، معيدًا توزيع بعض المعزوفات والأغنيات المألوفة.

ويعمل أيضًا في هندسة الصوت والتسجيل و”المكساج” والتوزيع، سواء في نمطه الموسيقي أو بنمط آخر.

“أفضل الموسيقا بلا كلمات صريحات، لكن الأغنية مطلوبة أيضًا، ولا أحبذ التلحين والتأليف الموسيقي لغيري، في الموسيقا لا أفضّل التعامل إلا مع عازفين من نفس الذائقة”، قال عمر لعنب بلدي.

وأكد عمر ضرورة الموازنة بين “التكنيك” و”السلطنة”، على اعتبار أن غياب “التكنيك” يعني نقصًا أو خللًا في الأسلوب، فالعملية تكاملية، ولا ينبغى أن تكون الأمسية الموسيقية عرضًا للإبهار البصري، وفق رأيه.

وحول وجود عامل مشترك بين مقطوعاته الموسيقية الجديدة، أوضح الموسيقي أن لكل مقطوعة قصة وتوقيتًا ومكانًا مختلفًا، ويبدو ذلك من خلال أسماء المقطوعات “خوفان، أغازلك (..)”، ففي مقطوعة “في ذلك الشهر” تلخيص موسيقي لفترة زمنية مضت بمشاعرها وأفكارها وأحداثها، ما يجعل كل مقطوعة قصة ورحلة.

الموسيقي السوري عمر الكيلاني يعزف أغنية خلال حلفه الموسيقي_ 28 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

دراما أكثر

أوضح عمر الكيلاني أن حالة “الضغط الدرامي” التي بدت واضحة في الحفل كانت مقصودة موسيقيًا، لمساعدة الجمهور في تنفيس المشاعر المكبوتة، فلدى الناس ما هو مشترك، كالمشاعر والذكريات، كما أن جمهور الموسيقا متآلف ثقافيًا بغض النظر عن هويته، فما يميّز الفن أنه لغة مفهومة ويمكن للجميع أن يشعر بها، أيًا كانت هويته.

وفي مشروع سابق للكيلاني، باسم “حول العالم في سبع دقائق”، جاءت كل دقيقة أو نصف دقيقة من موسيقا مكان مختلف في العالم، لتنشأ حالة من توحيد الثقافات، لدرجة أن التواصل في التدريبات بين الموسيقيين كان يجري بعدة لغات.

“لا يعنينا كموسيقيين خلافات الدول، وبالتالي لا تأثير لها بيننا، نحنا نقدم أعمالًا جماعية لأن الموسيقا يمكن دمجها”، أضاف عمر.

وإذا كان للظهور الجماعي تأثير في تقليص الظهور والهوية الفردية للعازف، فهو محدد بموقعه من العملية، فيمكن أن يكون العازف مطلوبًا لحفل لن يكون نجمه، وهو مسار يخوضه نسبيًا موسيقيون كثر، ومنهم عمر، تماشيًا مع واقع يفرض نفسه، ولا يتيح للموسيقي العمل وفق ما يهواه فقط.

ومن جهة أخرى، يمكن للأعمال الجماعية أكثر من المشاريع الخاصة التعبير عن العازف، حين يكون موّلد الفكرة، والموزع، كما يرى عمر، مشيرًا إلى تقديمه أكثر من أربعة مشاريع خاصة خلال 2022، ضمن مشروع “كلاسيك جيتار أوركسترا”، بمشاركة أكثر من 20 عازفًا من ثقافات وجنسيات متنوعة.

التفكير بالشهرة يضع الموسيقي محط تأثر بالآراء السلبية، وعليه المعاناة والمصارعة مع كل خطوة، بحثًا عن إعجاب جماعي. أنا أنجز عملي وأصنع موسيقا أحبها، والنتائج تأتي ضمن القيمة المضافة.

الموسيقي السوري عمر الكيلاني

 

شهرة وشعبية وعقبات

في الوقت الذي يطغى فيه نسبيًا حضور أغنيات شعبية غير متفق على سويتها الفنية، إن وجدت، وتحظى بإمكانية وصول وشهرة أكثر من أنواع موسيقية أخرى، بالاستناد إلى جمهور عريض، يفضّل الموسيقي الشاب التركيز على طريقه الموسيقي، لأن الشباب عمومًا، والسوري تحديدًا، يحتاج ويقبل هذه الموسيقا، وفق رأيه.

وبالحديث عن المشكلات أو العقبات التي يواجهها خلال عمله بالمجال الموسيقي، شدد عمر الكيلاني على تأثير الأوراق الثبوتية ومحاولات استصدار تأشيرة دخول لبلد ما على تنقلاته كموسيقي مدعو إلى حفل في دولة أخرى ربما، معتبرًا ذلك عقبة كبيرة أمام أي فنان تعوق تنقله بحرية.

إلى جانب ذلك، ورغم أن اسطنبول سوق فنية واسعة، فالمنافسون أيضًا كثر، ما يجعل فرص العمل على كثرتها، غير كافية، وهذا ما يدفع عمر للعزف في الحفلات، وتدريس الموسيقا في معهد ومدرسة ثانوية، والعمل على تسجيل موسيقا وأغنيات لا تحمل بصمته.

“الطريق الفني صعب، والمشكلة ليست في الدعم، فمن يفضّل مسار الموسيقا الشعبية، سيحصد بالضرورة شهرة ومردودًا ماديًا أكبر”، قال عمر، مشيرًا إلى عدم تفضيله التعاون مع شركة إنتاج كونها “المستفيد الأكبر”، ولأن تعاملًا من هذا النوع سيحول الأمر إلى تجارة.

وفيما يتعلق بمستوى الشهرة، والفارق بين المغني والعازف في هذا السياق، اعتبر تأثر الموسيقي بغياب النتيجة المباشرة والنجاح السريع دافعًا للانكماش والانسحاب، لكن من يرغب فعلًا بتقديم الموسيقا يدرك أن الحياة العملية ليست بالسهولة المأمولة.

الموسيقي السوري عمر الكيلاني يعزف على الجيتار خلال حفله الموسيفي_ 28 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

استعراض قدرات

لوقت طويل، ركّز عمر الكيلاني على “التكنيك” بما حوّل أمسياته الموسيقية إلى ما يشبه العروض المترافقة بحركات وسرعة وعرض إمكانيات، لكن توجهًا جديدًا للعازف الشاب نحو الموازنة بين “التكنيك” و”السلطنة” أخذ يبرز مؤخرًا، في خطوة بررها بأن “للموسيقى حقها. الموسيقيون لن تعجبهم (السلطنة) فقط، وعامة الجمهور لا يرضيهم (التكنيك) فقط، لا بد من الموازنة لإرضاء الجميع”.

وتشكّل التراكمات العاطفية والاجتماعية والتجارب والمشكلات والمشاعر المكبوتة بانتظار التعبير عن نفسها مصادر مغذّية لموسيقا عمر، إذ بيّن أن الموسيقي يفضّل التعبير بالموسيقا، وكثير من مشكلاته تتعلق بمجاله الفني، وهو ما يستحق تقدير الناس أكثر، فالموسيقيون مسالمون بالوضع الطبيعي.

لا يرى عمر الكيلاني في الموسيقا نقطة وصول بل طرقًا مختلفة، لا أحد متفوق فيها على الآخر، ولا تجوز المقارنة، فلكل فنان جو ونمط مختلف، بحسب رأيه.

وحول تأثر الموسيقي بمدرسة فنية أو فنان معيّن، أوضح عمر أن كل فنان يؤثر بطريقة ما، مشيرًا إلى فكرة تنويع الأنماط الموسيقية التي يتبناها الموسيقي اليوناني، ياني.

الموسيقي السوري عمر الكيلاني بين الجمهور بعد حفله الموسيقي_ 28 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

الموسيقا التصويرية شغف

لفت عمر الكيلاني إلى وجود تطور في الموسيقا العربية، لكن المواهب الحقيقية لا تصل للجمهور، والرائج فعلًا هو الموسيقا المنحدرة، فموسيقا ما قبل عشر سنوات أفضل من الوقت الحالي، لكن ما لم يبرز أمام الجمهور بعد، ينمو ببطء، لكن بتطور لافت قد يحقق انفجارًا إبداعيًا في وقت ما، وفق رأيه.

“إضافة جملة +18 تعني وصول الأغنية، وجود شتائم أو جملة جنسية يعني وصول الأغنية، بمفاهيم الواقع، وحتى التعديل على الأغنيات القديمة بجودة عالية وضمن استديوهات احترافية له أهداف تجارية، لكن هناك فنانين لا يعملون حاليًا في الموسيقا، بانتظار عودتهم”، أضاف عمر.

واعتبر الموسيقا التصويرية العربية جيّدة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في دراما سوريا، و”سوريا- لبنان”، ومصر، وتقوم على أسماء كبيرة، ومنتج لا يمكن أن يصنعه إلا  الموسيقي المحترف، لأنها حالة فنية خالصة تتطلب التعرض لحالة فنية أخرى والتعبير عنها بعمل جديد، وهنا يتجه المؤلف الموسيقي للموازنة بين أفكاره والحالة الفنية، ما يتطلب مهارة عالية.

عمر الكيلاني شاب سوري من أبناء محافظة حلب، شمالي سوريا، درس الموسيقا ويعمل حاليًا على ألبوم موسيقي لمشروع “كلاسيك جيتار أوركسترا”، فيه دمج بين أغنيات عربية وأجنبية وأفكار أخرى، بالإضافة إلى إحياء حفلات في جامعات تركية.

كما يأمل وصول الشخصية الموسيقية التي يبنيها لأكبر عدد من الناس، وأن يكون مفهومًا على المستوى الموسيقي، للتعبير عن نفسه موسيقيًا وصناعة موسيقا جميلة أكثر، إلى جانب العمل في الموسيقا التصويرية.

جانب من الحضور في حفل الموسيقي السوري عمر الكيلاني_ 28 من كانون الثاني 2023 (عنب بلدي/ حسام المحمود)

مقالات متعلقة

فن وثقافة

المزيد من فن وثقافة