هل تؤجل الانتخابات التركية المبكرة لقاء أردوغان والأسد
أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية التركية إلى 14 من أيار المقبل، بدلًا من 18 من حزيران، وكان قد أعلن سابقًا أيضًا عن نيته إجراء حكومته سلسلة من اللقاءات مع النظام السوري تنتهي باجتماعه مع رئيس النظام، بشار الأسد، ما يطرح التساؤل عن إمكانية اللقاء قبل موعد الانتخابات.
وكانت الانتخابات التركية مقرّرة بادئ الأمر في 18 من حزيران المقبل، إلا أن أردوغان صرح مؤخرًا أن يوم 14 من أيار المقبل هو “اليوم الأنسب” لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في بلاده.
وتجرى الانتخابات الرئاسية في تركيا كل خمس سنوات، بنظام جولتين، في حالة عدم تمكن أي مرشح من الحصول على أكثر من 50% من الأصوات في الجولة الأولى، وتتزامن مع الانتخابات البرلمانية التي يجري فيها انتخاب 600 عضو برلماني.
وفي 15 من كانون الأول 2022، صرح أردوغان عن بدء سلسلة من المفاوضات تنتهي بلقائه مع الأسد والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موضحًا أنه يجب أن تتحدث الاستخبارات أولًا، ليجتمع بعدها وزراء الدفاع، ثم يجب أن يجتمع وزراء الخارجية، وبعد هذه الخطوات سيجتمع مع بوتين والأسد كقادة.
وفي 28 من كانون الأول 2022، عُقد لقاء بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، في موسكو، لكن اللقاء على مستوى وزراء الخارجية لم يجرِ الاتفاق على موعده حتى الآن، على الرغم من التصريحات التركية والروسية الداعية لانعقاده.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، صرح خلال مؤتمر صحفي، في 18 من كانون الثاني الحالي، أن اجتماع وزيري الخارجية السوري والتركي يجري التحضير له بوساطة روسية، وأن تركيا تؤيد تطبيع العلاقات مع النظام السوري، مشيرًا إلى أن أنقرة طلبت مساعدة موسكو في ذلك.
لا لقاء قبل الانتخابات
خرجت تسريبات من طرف النظام، مطلع الشهر الماضي، قبل إعلان أردوغان خطته حول اللقاءات الثلاثية، تفيد برفض دمشق اللقاء مع الرئيس التركي، بسبب اعتقادها أن مثل هذا الاجتماع قد يعزز موقف الحزب الحاكم قبل الانتخابات التركية المقبلة، خاصة إذا تناول هدف أنقرة بإعادة اللاجئين السوريين من تركيا.
الأكاديمي والباحث السياسي مهند حافظ أوغلو، قال لعنب بلدي، إنه هناك رسائل إعلامية تفيد بأن لقاء الأسد بالرئيس أردوغان سيعطيه “وسام الفوز” في الانتخابات المقبلة، وهذا أبعد ما يكون عن “الواقعية السياسية”، لأن شرعية النظام السوري تعد “نقطة خلاف” بين عديد من الدول، ولا سيما الفاعلة منها في الملف السوري.
وصنّف حافظ أوغلو التقارب السوري- التركي ضمن اعتبارَين داخلي وخارجي، أما الداخلي فمرده أن المعارضة التركية لم يبقَ لها إلا ورقة التقارب مع النظام، وبتقارب الحكومة التركية تكون قد جعلت “يد المعارضة فارغة” من أي أوراق تستغلها في الانتخابات، وعلى المعارضة أن تقدم رؤية للشعب التركي تتفوق فيها على رؤية الحكومة لرسم مستقبل البلاد.
كما قسّم حافظ أوغلو الاعتبار الخارجي إلى قسمين، الأول نابع من الضغط الروسي على الجانب التركي للتقارب ضمن الحل الروسي للملف السوري في الشمال تحديدًا، والثاني ضمن التغيرات التي “ستتجسد واقعًا” في سوريا، وأهمها التغيرات الاقتصادية من خلال فتح طريق “M4” الدولي.
ورجّح الباحث السياسي بدء حراك أمريكي بعد الانتخابات التركية، يتمثّل بالضغط على أنقرة للانفتاح على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بعد أن باء التقارب مع دمشق “بالفشل”، وعليه لا يعتقد حافظ أوغلو أن اللقاء الذي “تسعى” إليه موسكو سيحصل قبل حسم نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويرى الباحث المختص بالشأن التركي الدكتور سعيد الحاج، أن لقاء قريبًا بين الأسد وأردوغان غير متوقع قبل الانتخابات التركية، فالمساحة الزمنية المتقلصة بعد تقريب موعد الانتخابات لا تكفي لعقد ترتيبات وتمهيدات للقاء كهذا من جهة، وأن حملة الانتخابات ستبدأ خلال الأشهر المقبلة، وستركز على السياسة الداخلية أكثر من جهة أخرى، بحسب ما قاله الباحث لعنب بلدي.
ولم يستبعد الباحث سعيد الحاج حدوث لقاء على مستوى وزراء الخارجية قبيل الانتخابات التركية، إذ يعتقد أن الإشارات الصادرة عن تركيا والنظام تشير إلى أن الطرفين لديهما دافع للتقارب أو الحوار على أقل تقدير، أما ما يعوق المسار حاليًا فهي بعض “التفاصيل”.
وبحسب الباحث المختص بالشأن التركي، يتفق الطرفان على أن عودة العلاقات والتطبيع بشكل كامل غير وارد على المدى المنظور، لكن يمكن التعاون في ملفات محددة، مثل مكافحة الإرهاب، ومحاربة قيام مشروع انفصالي، والمنطقة الآمنة، وعودة اللاجئين السوريين.
ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، في 18 من كانون الثاني الحالي، تقريرًا نقلت فيه عن “مسؤول أمني تركي رفيع المستوى”، لم تكشف هويته، استعداد بلاده لطرح جميع المواضيع على طاولة الحوار مع النظام السوري، بما في ذلك انسحاب القوات التركية كليًا أو جزئيًا من سوريا.
ما أهمية اللقاء لأنقرة
أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة “MetroPOLL” التركية للأبحاث، تأييد 59% من المواطنين الأتراك إجراء أردوغان لقاء مع الأسد، ووفقًا لاستطلاع الرأي الذي نشره مؤسس ومدير المؤسسة، أوزير سينجار، فإن نسبة من صوّت بالرفض وصلت إلى 28.9%، بينما فضّل 12.1% أن يبقوا على الحياد.
وقالت المؤسسة، إنها أجرت الاستطلاع في الفترة الممتدة ما بين 13 و18 كانون الأول من 2022، وشارك فيه 2077 شخصًا ينتمون إلى طبقات اجتماعية متنوعة.
ربط الباحث السياسي مهند حافظ أوغلو أهمية اللقاء بالنسبة لأنقرة بعدم جدية واشنطن بالتحرك في الملف السوري، لأن ذلك سيوصل تركيا إلى المضي قدمًا مع روسيا في رؤيتها للحل، “بغض النظر عن نتائج الانتخابات”، وعليه سيكون حزب “العدالة والتنمية” معنيًا بحصول لقاء وزراء الخارجية، لتأسيس لقاء قمة ما دامت الولايات المتحدة لا نية لديها بأي تغيير في سوريا.
وسيحرص الحزب الحاكم على تصريحات تحمل التقارب، ولقاء بين وزراء الخارجية، لأنها قد تحمل مؤشرات إيجابية بالنسبة للرئيس التركي وحزبه “العدالة والتنمية” تجاه الانتخابات، وفق الباحث المختص بالشأن التركي سعيد الحاج، الذي استند إلى نتائج استطلاعات الرأي التركية.
وفي سياق التحضير للانتخابات المقبلة، يحتل الحوار مع الأسد أو الوصول إلى تسوية معه أو تطبيع العلاقات حصة أكبر من الحملات الانتخابية السابقة، على صعيد جميع الأحزاب بما فيها الحزب الحاكم.
وتحدثت صحيفة “تركيا” التركية، في 22 من كانون الأول 2022، عن أن حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض، أرسل “رسالة سرية” قدّم فيها تنازلات لبشار الأسد إذا ما فاز بالانتخابات التركية نقلًا عن الصحفي الأرمني السوري الموالي للنظام سركيس قصارجيان، وأن رسالة الحزب التركي “تضمنت تنازلات وتعويضات للنظام حال فوزه بالانتخابات”، مقابل عدم الموافقة على لقاء أردوغان .
ما دور إيران؟
التقى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، نظيره السوري، فيصل المقداد، ورئيس النظام، بشار الأسد، في 14 من كانون الثاني الحالي.
ورغم الترحيب الإيراني العلني بتقارب “أنقرة- دمشق”، بدت التصريحات التي جاءت على لسان الأسد والمقداد أكثر حدة للنظام في مسار التقارب، حيث أكدت أن “الدولة السورية” لن تسير إلى الأمام في حوارها مع الجانب التركي إلا إذا كان الهدف “إنهاء الاحتلال” ووقف دعم “التنظيمات الإرهابية”.
وفسّر الأكاديمي والباحث السياسي مهند حافظ أوغلو، الدور الإيراني في خارطة التقارب السوري- التركي، بأن طهران بدأت تدرك وقوعها خارج المعادلة في سوريا على الرغم من التقارب بينها وبين موسكو، لأن الجغرافيا السورية “لا تتسع” لأي دور تركي وإيراني في نفس الوقت، وهو ما وصلت إليه روسيا مؤخرًا، ما أوجد “شرخًا” بين روسيا وإيران في الملف السوري بسبب حاجة موسكو لأنقرة في هذه المرحلة.
وسارع وزير الخارجية الإيراني للتحرك بزيارات متعددة رغم “التهاب الداخل” الإيراني، لأن ذلك سيقوّض مصالحها في سوريا وسيقطع “همزة الوصل” بين العواصم العربية التي “تسيطر” عليها طهران، وفق حافظ أوغلو، وأي تقارب بين أنقرة ودمشق “سيكسر هيمنة” إيران بعيدة المدى على تلك العواصم.
ووصف الباحث المختص بالشأن التركي سعيد الحاج الموقف الإيراني من العلاقة بين تركيا والنظام بـ”اللافت”، إذ أوضح وجود مصالح لإيران والنظام من هذا التقارب، لكنها تريد أن تكون جزءًا من عملية التقارب، وهو ما يتضح من زيارة عبد اللهيان لدمشق ثم أنقرة.
وعلى الرغم من أن الانخراط الإيراني في عملية التقارب أصابها بالعرقلة أو التجميد المؤقت، سيكون “دافعًا” لاحقًا مع وجود إيران كجزء من العملية، وفق الحاج.
وتتنافس ثلاثة تحالفات في الانتخابات التركية، الأول تحالف “الشعب” الحاكم المؤلف من حزب “العدالة والتنمية” (AKP)، وحزب “الحركة الوطنية” (MHP).
أما التحالف الثاني (الأحزاب الستة) فهو أكبر تكتل للمعارضة في الانتخابات، ويتكون من حزب “الشعب الجمهوري” (CHP)، وحزب “الجيد”، وحزب “المستقبل”، وحزب “الديمقراطية والتقدم”، وحزب “السعادة” (DEVA)، والحزب “الديمقراطي”.
والثالث هو تحالف “العمل والحرية” المكوّن من حزب “الشعوب الديمقراطي” الكردي (HDP)، الذي يقبع زعيمه السابق صلاح الدين دميرتاش في السجن منذ عام 2016 بتهمة إهانة الرئيس، وأحزاب يسارية تركية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :