“تنمّر” و”كيملك” وفقر.. ثلث الأطفال السوريين خارج مدارس تركيا
عنب بلدي – محمد فنصة
تظهر أحدث إحصائية حكومية في تركيا تسرب نحو ثلث الأطفال السوريين في سن الدراسة عن المدارس، دون ذكر الأسباب، لكن مع الإشارة لوجود حالات “تنمر” يواجهونها في المؤسسات التعليمية.
صرح الأمين العام لاتحاد المعلمين في تركيا، لطيف سلفي، في 17 من كانون الثاني الحالي، أن من 65 إلى 70% من الأطفال السوريين في سن الدراسة تلقوا تعليمهم في تركيا، مشيرًا إلى أن توفير التعليم فقط للأطفال اللاجئين، لا يحل مسألة التعليم بشكل كامل.
ويواجه الأطفال السوريون اختلافات ثقافية ولغوية، وحالات من “التنمر” بين الطلاب، يعززها التجمعات التي يبنيها الطلاب السوريون فيما بينهم، وفق سلفي.
وشدد سلفي على أن التجمعات بين الطلاب تعطل الانسجام في المدارس، وأن الإداريين والمعلمين لديهم مسؤوليات مهمة بهذا الخصوص، قائلًا، “نحن نهتم بأن أصدقاءنا التربويين لا يسمحون بأي تمييز بين أطفالنا، وأن يتدخلوا بشكل بنّاء عندما يرون مثل هذه السلوكيات”.
ويقع واجب تعليم الأطفال السوريين وإعادة دمجهم بالمدارس على عاتق الحكومة التركية والمنظمات غير الحكومية، بحسب سلفي، الذ
أوضح أن الدولة أمنت الموارد المالية للتعليم، أما مهمة اندماج الطلاب تقع على عاتق المنظمات المدنية، مشيرًا إلى أن الأنشطة الثقافية والاجتماعية عوامل تساهم في الحل.
تمييز تعليمي
أثّرت حدة الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين في البلاد على حياة الأهالي في العمل أو حتى على تعليم أطفالهم في المدارس، إذ يواجه السوريون في كل جوانب حياتهم، قسمًا من المواطنين الأتراك الذين تبنوا توجه بعض السياسيين في قضية ترحيل اللاجئين، و”ضررهم على الاقتصاد”.
ووصل تأثير الخطاب العنصري إلى الصفوف والمقاعد الدراسية مؤخرًا، حتى بين طلاب المرحلة الابتدائية من الأطفال من جهة، ومن أساتذتهم من جهة أخرى.
ورصدت عنب بلدي عدة حالات عنصرية من مقابلات مع أهالي اشتكى أطفالهم من سوء معاملة أساتذتهم أو زملائهم في المدرسة، دون تدخل جدي أو حل جذري وضعته الإدارة بعد انبائهم بالأمر.
محمود (42 عامًا)، لم يأخذ على محمل الجد شكوى طفله عبد الرحمن الذي يدرس في الصف الأول الابتدائي في مدرسة تركية، حول مُدرِسته التي كانت تعتدي عليه جسديًا بشكل يومي، ظنًا منه أن ولده “مشاغب”، وأن معلمته تنهره فقط، في مبالغة متصورة من طفله.
وتطور الأمر حين أبلغ الطفل أهله بعدم رغبته الذهاب إلى المدرسة مجددًا، بسبب ضرب مُدرِسته المتكرر على رقبته وفمه دون أي سبب وجيه يدعوها لذلك، ليقرر محمود، بحسب حديثه لعنب بلدي، أن يقدم شكوى للإدارة التي أنكرت وجود مثل هذه التصرفات لدى كادرها التعليمي.
وبعد تأكيد الطفل أمام الإدارة تصرفات المعلمة، تكفلت الإدارة بحل المشكلة، لكن المُدرِّسة نقلت عبد الرحمن للمقعد الأخير وطلبت من باقي الطلاب عدم التحدث معه، مع منعه من المشاركة في الدروس ونعته بصفات سيئة، وهو ما وصفه محمود بانتقال المعلمة من الضرب لـ “الإهمال والتهميش والإهانة”.
وبالرغم من وضع محمود الإدارة بصورة التصرفات الجديدة للمُدرِّسة وطلب نقل طفله إلى صف آخر، لم تحصل الاستجابة المتوقعة، بل وصلت الأمور لضرب المعلمة ساق عبد الرحمن بعصا “الممسحة”، ما استدعى والده إخراج تقرير بحادثة الضرب من المستشفى وتقديم شكوى لمديرية التربية التركية، ولمنظمة “ASAM” التي تهتم بأمور طالبي اللجوء والمهاجرين.
وحتى تاريخ نشر التقرير، لم ترد استجابة لشكوى محمود، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لمخاوف اعتداء مستقبلية، في حين حرم طفله من التعليم وعانى من تجربة عنصرية أثرت على نطقه وشخصيته، على حد وصف والده، دون وجود مدرسة بديلة مجاورة يستطيع نقله إليها.
معوقات خارج أسوار المدرسة
ولد أكثر من 700 ألف طفل لأبوين سوريين داخل الأراضي التركية خلال فترة اللجوء، بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في تموز 2022.
وفي الفترة ذاتها، لجأت ملايين العائلات السورية إلى تركيا، ولديها أطفال بالسن القانوني للدراسة، انقطعوا عن دراستهم لفترات متباينة، وأثّر هذا الانقطاع بالإضافة إلى حاجز اللغة وتفكير بعض العائلات باللجوء لبلد ثالث على ضم أبنائهم للمدارس التركية.
وبالرغم من تخصيص مدارس للسوريين مع كادر تعليمي سوري- تركي بتمويل أوروبي إلى حد عام 2019، تسرب العديد من الطلاب حين إغلاق هذه المدارس والاكتفاء بالمدارس التركية.
وأثر الوضع الاقتصادي المتردي لمعظم العائلات السورية في قرار تعليم أولادها، إذ بدلًا من إرسالهم للتعليم، فضلت بعض العائلات ذهاب أبنائها للعمل والمساعدة في تأمين الدخل المادي، وهو ما انتشر خصوصًا بين القاصرين في المرحلة الثانوية، بحسب تقرير أعدته إدارة الهجرة والتعليم في وزارة التربية التركية للعام الدراسي 2021- 2022.
وأحصى التقرير نحو 393 ألفًا و547 طفلًا من أصل مليون و124 ألف طفل سوري في سن التعليم غير ملتحقين بالمدارس.
وبحسب الإحصائية، بلغت نسبة الطلاب الحاملين لبطاقة “الحماية المؤقتة” والمسجلين في المرحلة المتوسطة نحو 80%، والطلاب في المرحلة الابتدائية 75.13%، بينما لا تزال نسبة الطلاب في المدارس الثانوية منخفضة، إذ بلغت نسبتهم 42.65% من إجمالي الطلاب.
وبرر التقرير أسباب عدم التحاق السوريين بالمدارس، كون السوريين “اعتادوا” النظام التعليمي السوري، الذي لا يلزمهم بالالتحاق بالمدارس في مرحلة ما قبل الدراسة الابتدائية بين ثلاث وست سنوات، إضافة إلى كون الأطفال السوريين يفضّلون الإسهام في ميزانية الأسرة بعد التعليم الثانوي، بسبب “القصور الاقتصادي” الذي تعانيه الأسر السورية.
وفي 9 من حزيران 2022، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تقريرها السنوي لعام 2021، ذكرت فيه أن أكثر من 70% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر.
وجاء في التقرير، أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 70% من اللاجئين يعيشون في فقر، وهم معرضون للاستغلال وسوء المعاملة في بلدان اللجوء، بما في ذلك عمالة الأطفال.
وتضطر آية عجنجي (29 عامًا) بسبب الديون التي تراكمت خلال رحلة لجوء عائلتها من سوريا إلى تركيا، إلى العمل مع زوجها لتوفير بعض المال في ظل الوضع الاقتصادي الذي يزداد صعوبة، وهو ما لا يسمح لها بتوصيل ابنها للمدرسة، والاكتفاء بتعليمه الطريق للذهاب وحده مع عدم وجود وسائل مواصلات خاصة بالمدرسة.
وتعرض فاضل الذي يدرس في الصف الثاني لاعتداء من طفل يكبره وهو في طريق العودة من المدرسة، بحسب ما قالته والدته آية لعنب بلدي، وبعد تكرر الاعتداء، رافقت آية ابنها ووجهت تحذيرات شفوية للطفل المعتدي الذي أنكر التعرض لابنها.
ولم تنفع تلك التحذيرات، ليتعرض فاضل بعد فترة لاعتداء جسدي أعنف من ذات الطفل الذي يبلغ 13 عامًا، ويقرر عدم الذهاب للمدرسة مرة أخرى، وبعد تدخل والدة فاضل وتهديد الطفل المعتدي بالشكوى لدى الشرطة لم يحصل اعتداء جديد، لكن مع تخوف آية المستمر من حادثة أخرى.
ويرافق معظم الأتراك أبنائهم إلى المدرسة في حال عدم وجود وسيلة مواصلات خاصة تقلّهم للمدرسة، خوفًا من أي حادثة اعتداء أو خطف قد يتعرض لها أبناؤهم.
وضع قانوني يزيد التعقيد
خصصت اللجنة السورية- التركية المشتركة، مطلع العام الدراسي الحالي، رابطًا إلكترونيًا لتلقي الشكاوى والتحديات التي تواجه الطلاب السوريين في تركيا.
وحول نتائج هذا الاستطلاع والخطوات التي بذلتها اللجنة لمعالجة العقبات، تواصلت عنب بلدي مع مديرة الاتصال في اللجنة، إناس النجار، التي أفادت بوجود عدة أسباب قانونية تمنع الأطفال من الذهاب للمدرسة.
ومن هذه الأسباب، عدم وجود بطاقة “الحماية المؤقتة” (كيملك) لدى الطفل، أو مخالفة العائلة لمكان الإقامة، حيث لا يسمح بتسجيل الأطفال في المدارس إلا في ذات الولاية التي أصدرت الـ “كيملك”، كما لا يمكن تسجيل الطفل الذي لديه مخالفات في “كيملك”، مثل وجود خطأ في كتابة اسم الأب.
وتقدمت اللجنة بهذه الشكاوى مع مقترح إلى وزارة التربية التركية، لإعادة وضع الأطفال السوريين لوضع “الضيف”، كما كان معمولًا به في السابق حين لم ينظر لوضع أهل الطالب حتى يتم تسجيله.
وبالرغم من استجابة وزارة التربية، لم يجر تفعيل هذا المقترح نظرًا لوجوب تعاون جهات أخرى، وفق النجار، التي أشارت لتواصل اللجنة مع إدارة الهجرة التركية مؤخرًا لحل أزمة التعليم، والتي وعدت بدورها باتخاذ خطوات على الأرض.
ولوحظ انخفاض في عدد الحالات العنصرية التي واجهت الطلاب العام الحالي مقارنة بالعام الذي سبقه، بحسب النجار، التي أرجعت السبب لتأثير قانون تجريم التضليل الإعلامي التركي على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى لتقليل الانتهاكات العنصرية على المنصات الاجتماعية وفي الحياة الواقعية.
ومن أحد الحلول المساعدة التي عمل عليها مركز “الدراسات الدبلوماسية الإنسانية”، الذي هو جزء من اللجنة، إجراء جلسات وورش توعوية للأطفال لزيادة ثقتهم بنفسهم، وعدم السماح للكلام و”التنمر العنصري” بالتأثير عليهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :