روسيا تربط الشرق والغرب في مطار “الجراح” وسط سوريا
عنب بلدي – أحمد ديب
بعد سنوات من توقف مطار “الجراح” العسكري بريف حلب الشرقي عن العمل، أعادت موسكو إحياءه قبل أيام، حين أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 24 من كانون الثاني، إعادة ترميم القاعدة الجوية، للاستخدام المشترك مع قوات النظام السوري.
ويقع مطار “الجراح” أو “الجيرة” العسكري شرق قرية المهدوم في منطقة منبج على بعد 60 كيلومترًا من مدينة حلب، ويحتوي على 12 حظيرة ومدرج واحد بطول 3.1 كيلومترًا، ويحظى بأهمية استراتيجية، إذ يعتبر نقطة وصل بين الشرق والغرب في المنطقة.
إعادة تأهيل لمطار خارج عن العمل منذ 2017، فتحت الباب أمام تساؤلات عن أهمية هذا المطار ودلالات التوقيت، وتأثيره على المنطقة ككل، خاصة مع قربه لمناطق سيطرة المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية”.
قاعدة بقبضة موسكو
يتوسط المطار مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وقوات فصائل المعارضة وقوات النظام، حيث يبعد عن أقرب نقطة لسيطرة “قسد” عشرة كيلومترات، وعن مركز منبج (الخاضعة لـ”قسد”) 47 كيلومترًا، ويبعد عن أقرب نقطة لسيطرة فصائل المعارضة في شمال غربي سوريا نحو 40 كيلومترًا.
ترميم ووضع يد روسيا على قسم من المطار، يضاف إلى قائمة القواعد والمواقع الاستراتيجية التي أحكمت قبضتها عليها في سوريا، منذ تدخلها عسكريًا في 30 من أيلول 2015، ما قلب موازين القوى المسيطرة ميدانيًا، بعد فقدان النظام السوري مساحات واسعة من الجغرافيا السورية.
وتسبب التدخل الروسي بمقتل ستة آلاف و943 مدنيًا، بينهم ألفان و44 طفلًا، وفق بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وحققت موسكو مكاسب على مستويات مختلفة، بعدما أجرت أكثر من 100 ألف طلعة جوية أنعشت سيطرة النظام على الأرض، كما استخدمت وجرّبت 320 نوعًا من أكثر الأسلحة الروسية في سوريا، حتى تموز 2021.
وتعتبر قاعدة “حميميم” العسكرية من أبرز القواعد العسكرية الروسية، إذ لعبت دورًا حاسمًا كمحور رئيسي ونقطة انطلاق للمشاركة العسكرية الروسية في سوريا منذ بدء تدخلها لصالح النظام السوري في عام 2015، في عام 2017، حصلت روسيا على عقد إيجار طويل الأجل للقاعدة، والذي سيستمر لمدة 49 عامًا.
إثبات وجود وتغطية على خسائر
المحلل العسكري عبد الله الأسعد، قال لعنب بلدي، إن روسيا أهّلت المطار في هذا الموقع الاستراتيجي، لأن لها في الغرب مطار “حميميم” وفي الشرق مطار “القامشلي” الدولي، وتهدف إلى ملء الفراغ الموجود وإبعاد الوجود الإيراني والحفاظ على المكتسبات الجيوسياسية.
ويترافق أي تحرك روسي في سوريا مع حديث عن أنه على حساب الوجود الإيراني، الحليف الثاني للنظام، والذي تسيطر ميليشيات وقوات مدعومة منه على مواقع ومساحات واسعة في سوريا، كما كان لتدخل طهران تأثيرًا في معاركها إلى جانب قوات النظام.
وأضاف الأسعد أن روسيا تستخدم نفوذها في سوريا كورقة ضغط على أمريكا وتركيا خصوصًا، لأنها باتت “خاسرة” في حربها على أوكرانيا، موضحًا أنها مصممة على الاحتفاظ بسوريا من أجل التفاوض مع الدول الأخرى.
غزو روسيا لأوكرانيا مستمر منذ حوالي 11 شهرًا، دون أن يحقق الأهداف المرجوة لإدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولا يزال الصراع قائمًا في المدن الأوكرانية، وسط خسائر لروسيا وأوكرانيا منذ بدء الغزو في 24 من شباط 2022، بالتزامن مع دعم غربي لأوكرانيا.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، تبدلت الجهة المسيطرة على مطار “الجراح” مرات عديدة، إذ تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة عليه عام 2013، بعد أن حاصرت الفصائل قوات النظام نحو شهرين، وفي عام 2014 سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على المطار بعد طرد فصائل المعارضة.
وبقي المطار تحت سيطرة التنظيم حتى تمكنت قوات النظام بدعم جوي روسي من استعادته، بعد معارك بين الطرفين، في أيار عام 2017، واستخدم النظام المطار قاعدة لقصف مناطق سيطرة فصائل المعارضة في ريف حلب وإدلب.
وحول سبب اختيار المنطقة يرى المحلل في الشأن الروسي نصر اليوسف، أن روسيا كان باستطاعتها اختيار التمركز في مطارات أخرى، ولكن اختارت مطار الجراح لمضايقة أمريكا، ولأن النقاط الأمريكية توجد على مسافات قريبة من المطار، مضيفًا أن المطار قادر على استقبال الطائرات الاستراتيجية “TU-122” وهذا يدل على أن روسيا لا تريد إضعاف أو التقليل من التواجد العسكري في سوريا.
واتفق المحلل والخبير العسكري بشأن سبب اختيار التوقيت لترميم المطار، وهو عدم السماح لتركيا بتنفيذ عمليات في العمق السوري، بالإضافة إلى استخدام المنطقة كورقة ضغط ضد الدول الأخرى في المنطقة.
وتزامن ترميم المطار مع تسارع الحديث عن تقارب تركي مع النظام السوري، تمثل بلقاءات على مستوى وزراء الدفاع لكل من تركيا والنظام وروسيا في موسكو، وذلك في 28 من كانون الأول 2022، وحديث عن لقاء على مستوى رؤساء تركيا والنظام، لكنه لم يبصر النور بعد، ومع اعتزام تركيا تنفيذ عملية عسكرية ضد مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهجوم بري شمالي سوريا تلوّح به أنقرة منذ تشرين الأول 2022.
وبحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” في نيسان 2022، فإن القوات الروسية تسيطر على العديد من المطارات العسكرية في سوريا، وهي أكثر القوى تحكمًا في حركة الطيران والدفاعات الجوية، وتستخدم القوات الروسية 24 مطارًا في سوريا منها مطارات تستخدمها موسكو وحدها دون أي وجود للنظام أو لطهران.
ووفقًا للتقرير، تشترك روسيا ببقية المطارات مع القوات الإيرانية والنظام، وهي ست مطارات في دمشق وريفها، وأربعة في حلب وثلاثة في حمص واثنان في كل من دير الزور والسويداء، وواحد في كل من حماة والحسكة والرقة وإدلب وطرطوس.
تخوف إسرائيلي
نقلت وسائل إعلام إسرائيلية التخوف الإسرائيلي من نشاط روسيا والنظام السوري المشترك في مطار “الجراح”، إذ تخشى المؤسسة الأمنية تخشى من أن يستخدم الإيرانيون المجال لشحن أسلحتهم، إذ ستجد إسرائيل صعوبة في التصرف عسكريًا خوفًا من إلحاق الضرر بالمعدات أو الطائرات الروسية.
إسرائيل وباستمرار تستهدف المطارات العسكرية والمدينة السورية بغارات جوية، وشكلت الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف الدفاعات الجوية السورية 12% من مجمل الهجمات الإسرائيلية في عموم سوريا، بحسب دراسة لمركز “حرمون للدراسات” الصادرة في 23 تشرين الثاني 2022.
وبحسب الدراسة، فإن الضربات الإسرائيلية على المطارات المدنية والعسكرية السورية في اتجاه تصاعدي منذ عام 2013، تزامنًا مع تطورات الصراع السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :