عنب بلدي – ضياء عاصي
مع فقدان الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي تدريجيًا، وخاصة لدى الشباب السوري في بلدان اللجوء، لا يجد الساعون للخروج من الدوران في حلقة التأسيس المستمرة منذ سنوات سبيلًا للوصول إلى مرحلة التكوين، التي غالبًا يكون الزواج أهم وأصعب خطواتها.
مشهد عدم الاستقرار، والظروف القاهرة التي يعيشها اللاجئ السوري في تركيا تحديدًا، تثقل كاهل العديد ممن يقضون حياتهم في الحد الأدنى، إلى جانب عدم توفر بيئة مساعدة للنمو، إما على الصعيد الفردي أو الأسري.
تبعات الحرب واللجوء على السوريين تتمثل بكثير من الجوانب، بينها غياب السند القانوني، وعدم وجود دولة تقدم الدعم اللازم لمواطنيها لتلبية الاحتياجات الأساسية.
مشهد مربك
كلاجئ في تركيا، لا يعلم علاء الدين أين ومتى سيتم ترحيله من هذه البلاد، بحسب ما قاله لعنب بلدي، لأجل ذلك يتوانى الشاب الخاطب عن فكرة الزواج، لعدم وضوح المستقبل، وخشية توريط شريكة حياته المستقبلية في قرارات مثل الهجرة إلى أوروبا أو العودة إلى تركيا بطرق غير شرعية بحال ترحيله.
ويعلق علاء مسألة زواجه إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية المقرر انعقادها في أيار المقبل، ريثما تتضح سياسات الدولة تجاه اللاجئين، بالإضافة إلى مسار التقارب التركي- السوري، والذي قد يؤثر على استمرار حياته بشكل طبيعي، وفق قوله.
يتخوف الشاب أيضًا من الإقدام على استئجار منزل وتجهيزه للزواج، واضعًا نصب عينيه احتمالية شمله في خطط إعادة اللاجئين، ومتخوفًا من أن تذهب جهوده سدى فيما بعد، واصفًا الحالة التي يعيشها في ظل عدم الاستقرار السياسي بـ”المأساوية”.
الوضع الاقتصادي غير مساعد أيضًا، إذ لا يختلف وضع الشخص إن كان حاصلًا على شهادة جامعية أو ما دون ذلك، أو كان يحمل بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكيملك)، بحسب علاء، الذي يدرس برنامج الدكتوراه حاليًا. فإلى جانب صعوبة وجود عمل بالمؤهلات التي يحملها الشخص، يحصل من يُمنح تصريح العمل على الحد الأدنى للأجور (8500 ليرة ما يعادل 452 دولارًا) أو ما فوقه بقليل، أما بعض الذين يعملون من دون تراخيص فيحصلون على مرتبات أقل من ذلك، ما يجعل من فكرة الزواج آخر الأولويات، إذ لا تكفي تلك المرتبات شابًا أعزبًا في منزل يتشارك فيه مع رفاقه، بحسب علاء.
غلاء المهور يطغى على كل ما سبق، أضاف الشاب، فمع الأرقام التي تُطلب، يصرف الشاب في تركيا النظر عن الزواج لعدم القدرة على تأمينها، فضلًا عن تأمين مستلزمات المنزل من المفروشات وغيرها التي تتطلب عمل سنوات لجمع ثمنها.
تنتهي متطلبات الفتاة وأسرتها في تركيا، وتأتي متطلبات أصحاب المنازل الذين يستغلون وضع السوريين مع القرارات الحكومية التي قيدت خياراتهم في نواحٍ عدة، وفق ما عايشه علاء، فإلى جانب التأمين والكمسيون يطلب عديد من المؤجرين ما لا يقل عن ستة أشهر مقدمًا “مما يزيد الطين بلّة”.
عقبات في الطريق
خارج المشاكل المادية التي يواجهها معظم الشبان السوريين، يصطدم بعض ممن يعيشون دون عائلاتهم مشكلة انتقاء الزوجة، ويرجع ذلك لافتقار البيئة المحيطة، وعدم وجود شبكة علاقات اجتماعية على المستوى العائلي.
عند ذلك التحدي، تلجأ هذه الفئة في الغالب للاستعانة بعائلاتها في الداخل السوري لإيجاد الفتاة المناسبة، وفي هذه الحالة توجد مشكلتان: أولاهما احتمالية رفض الدعوة المقدمة من تركيا لحملة بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) والإقامة السياحية، والثانية، استحالة إحضار الزوجات من المناطق المحررة في سوريا، إذ يتطلب دخول إحداهن بدعوة قانونية حصولها على جواز سفر صادر عن النظام السوري، وهو ما لا يستطيع ساكنو المحرر الحصول عليه.
منذ أكثر من عام، حاول الشاب عمر، ومن خلال الطرق الرسمية، جلب خطيبته من إدلب عبر المعابر الحدودية مع تركيا، لكن اشتراط وجود جواز السفر كان العائق الوحيد أمام كل محاولاته، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ورغم حصول عمر على الجنسية التركية، لم يجد تعاونًا أو تسهيلات حكومية في مسألته، وكان الجواب الذي حصل عليه أن تذهب خطيبته لإحدى البلدان التي توجد فيها سفارة للنظام، وذلك من الاستحالة أيضًا بمكان.
الشاب العشريني الذي نزل إلى إدلب بعد تخرجه من الجامعة ليخطب، عاد إلى اسطنبول وحصل على عمل في بنك تركي، وبدأ رحلة الادخار للزواج، بحسب تعبيره.
لكن عمر استغل كون عمله عبر الإنترنت (أونلاين)، وانتقل للعيش في مدينة طرابزون المطلة على البحر الأسود شمال شرقي تركيا، بسبب غلاء المعيشة في اسطنبول، ولتأسيس حياته الزوجية المقبلة في مدينة هادئة تتناسب المعيشة فيها مع متوسط الأجور في تركيا، وفق قوله.
ماذا عن البقية؟
بحسب آخر إحصائية لمعهد الإحصاء التركي (TÜİK) في 25 من شباط 2022، عن عام 2021، بلغ عدد العرسان الأجانب أربعة آلاف و976 شخصًا، في حين وصل عدد العرائس الأجنبيات إلى 23 ألفًا و687 عروسًا.
عند تحليل العرائس الأجنبيات حسب جنسيتهن، احتلت السوريات المرتبة الأولى بنسبة 14.6%، ثم الأذربيجانيات بنسبة 10.1% والأوزبكيات بنسبة 9.8%.
ومن جانب العرسان الأجانب حسب جنسيتهم، احتل العرسان الألمان المرتبة الأولى بنسبة 25.2%، وجاء السوريون في المرتبة الثانية بنسبة 20.7% (نحو ألفي شاب)، والنمساويون في المرتبة الثالثة بنسبة 5.5%.
السوريات جئن في المرتبة الأولى بين العرائس الأجنبيات لأتراك منذ 2015، والعرسان السوريون لتركيات الذين كانوا في المركز الثالث سابقًا، باتوا في المركز الثاني، إذ ارتفع معدل العرسان السوريين في 2021، ارتفع أربع مرات مقارنة بـ2020.
وفقًا لصحيفة “إندبيندنت” التركية، ليس من الصعب تخمين أن جزءًا كبيرًا من العرسان الألمان والنمساويين هم من الأتراك الذين يعيشون هناك، وهم مواطنون في تلك البلدان.
سجل متوسط العمر عند الزواج الأول للرجال في تركيا 28.1 عامًا، و25.4 عامًا للنساء في 2021، ولفت معهد الإحصاء إلى أن 33.6% من حالات الطلاق التي تجاوزت 174 ألف حالة في 2021، حدثت في السنوات الخمس الأولى من الزواج، و20.9% من الحالات بين ست إلى عشر سنوات.
وفي 2019، كان متوسط العمر عند الزواج الأول في المحافظات حيث يعيش السوريون بكثافة فيها كالتالي:
كلس- الشبان 26، الشابات 23.
هاتاي- الشبان 28، الشابات 24.
غازي عنتاب- الشبان 26، الشابات 23.
أورفا- الشبان 27.9، الشابات 25 عامًا.
وذلك وفقًا لمجلة معهد العلوم الاجتماعية الصادرة عن جامعة “Pamukkale” التركية.
وبلغ عدد السوريين في تركيا المسجلين ضمن “الحماية المؤقتة” ثلاثة ملايين و522 ألف لاجئًا سوريًا، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن الرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، في 12 من كانون الثاني الحالي.