ملعب بيليه.. ملاعب الأسد
عروة قنواتي
حالة الوداع ما زالت مستمرة في العالم، رياضيًا وبشتى الاهتمامات والمجالات المتعددة في الحياة لأسطورة كرة القدم العالمية الملك بيليه، الذي فارق الحياة قبل نهاية العام 2022 بأيام قليلة، فأحدث برحيله حزنًا، وفرد للذكريات وصور التألق مساحة لا تنتهي.
ومن أبرز وأرقى حالات التكريم التي ظهرت مع رحيل الجوهرة السوداء عن عالمنا، توصية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، على لسان الرئيس إنفانتينيو، الذي حضر مراسم تشييع ووداع الملك بيليه في البرازيل، وطلب من كل دولة في العالم تسمية أحد ملاعبها لكرة القدم باسم بيليه، تخليدًا لذكرى الأسطورة البرازيلية وتكريمًا لعطائه في الملاعب والبطولات، وحضوره الساحر في تاريخ كرة القدم.
يخطر للمرء هنا نوعية الملاعب الجديدة التي يجري إنشاؤها في بعض الدول حاليًا، والتي قد تحمل لحظة قص شريط الافتتاح فيها اسم الراحل بيليه، أو الملاعب العريقة في دول الشرق الأوسط والعالم التي بُنيت قبل 40 و50 عامًا، وشهدت خلال السنوات الماضية بطولات ومباريات زاخرة بالنجوم والأساطير، كاستاد “مصر” مثلًا أو استاد “القاهرة” الدولي، أو ملاعب المملكة العربية السعودية الساحرة بلياليها وأجوائها وتصاميمها… ولن أتحدث عن ملاعب كثيرة في العالم، لأنني سأحتاج إلى الصفحة الرياضية بالكامل حتى نمر مرور الكرام على عظمة كل ملعب.
خيال آخر يداهم المرء: ماذا عن ملاعب بلدي سوريا؟ وقبل أن يدخل في قبول الفكرة أو رفضها يظهر تصريح السيد صلاح رمضان، رئيس اتحاد كرة النظام السوري، وهو يقترح ملعب “العباسيين” في العاصمة دمشق لحمل اسم الراحل بيليه.
الله الله الله… هنا يستطيع الإنسان أن يرفع صوته ضاحكًا ومتألمًا مع عبارة: “شو أذكر منك يا سفرجل.. كل عضة بغصة”، ملاعب الأسد التاريخية أدت وظائفها العسكرية والأمنية بحق الشعب السوري أكثر من أن تكون مسرحًا للفرح والنشوة بالفوز ومكانًا للتباري الرياضي والصراع على التأهل والهبوط، ملاعب الأسد العظيمة التي لا تجد فيها صنبور مياه حقيقيًا، الملاعب التي لا تفتح من أبوابها في المباريات النهائية المحلية أو المباريات الكبرى إلا بابًا أو اثنين ليدخل الجمهور على صورة “طرش” الغنم وعصا الشرطة وحفظ النظام فوق الرؤوس، الملاعب التي كانت خلال الأعوام الماضية مراكز للاعتقال والقتل والتغييب وثكنات عسكرية للميليشيات ومرابض للمدفعية ومهبطًا للطائرات المروحية، بمدرجاتها المهترئة وعشبها الصناعي أو الطبيعي الذي تعوّد الأحذية العسكرية أكثر من أحذية الرياضيين في المسابقات.
يريد السيد صلاح رمضان أن يسمي أقدم ملاعب الأسد باسم الراحل بيليه، الذي خاض مع فريقه سانتوس لقاء كرويًا وسط الحرب الأهلية في نيجيريا فأسهم بإيقاف الحرب لساعات حتى تنتهي المباراة، والذي سافر إلى كثير من دول العالم الفقيرة لأجل بناء السلام ودعم كرة القدم، يريد السيد رمضان أن يسمي ملعب “العباسيين” باسمه.
ملعب “العباسيين” الذي لم يستطع خلال 40 عامًا استضافة كأس آسيا للناشئين، لا هو ولا كل ملاعب سوريا، ولا توجد بطولة “عليها القيمة” مصنفة دوليًا أقيمت على الملاعب السورية، اللهم إلا بطولة كرة القدم في دورة المتوسط عام 1987، التي شارك فيها منتخب سوريا بالصف الأول وبقية الدول المشاركة بمنتخباتها العسكرية والجامعية ومنتخب عمال المصانع والشحن البحري.
أنا لا أقلل من الحضور الجماهيري السوري وعشق أبناء سوريا لكرة القدم، ولا أسخر من طاقات الشباب السوري لاعبين ومدربين في المنافسة والقدرة والتباري الحقيقي، أقول فقط إن منظومة ملاعب وصالات ومنشآت الإسكان العسكري في سوريا بشعاراتها وعناوينها بحب الأسد و”البعث” والجيش والسلطة، وبدورها الإجرامي الأول في العام 1987 بدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط لإخفاء معالم الجريمة وكل ما حدث في سوريا مطلع الثمانينيات، وبدورها خلال السنوات الماضية ومساهمتها بالاعتقال والتعذيب والتغييب القسري والقتل الممنهج وسحق كرامة وهوية الإنسان السوري لا ترقى لكي تحمل اسم من أحبّه الفقراء وأحبّ الناس ظهوره وسحره الكروي.
ولن يكون اسم بيليه يومًا على أي ملعب ضمن مناطق سيطرة النظام السوري وسيلة لنسيان ما حدث داخل هذه الملاعب، فالأجيال ما زالت على قيد الحياة تروي وتحكي فظاعة وذل التعامل داخل هذه الملاعب أيام الحرب وأيام السلم.
اتركوها باسم الأسد وأبنائه وحافظوا على صورهم الكبيرة داخلها، سيدور الزمان يومًا ويكون الإنسان السوري فخورًا بملاعبه وبإنجازاته دون منظومة أمنية وعسكرية وحزبية، يومها نفخر جميعًا بأن نرفع اسم وصورة وذكرى الراحل بيليه بيننا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :