عنب بلدي – حسام المحمود
وضعت عدة لقاءات سياسية جرت مؤخرًا، ملف التقارب التركي مع النظام السوري في صلب المحادثات التي أجرتها، دون أن تقدّم ما يوحي بالتقدم أو التراجع في مسار الملف.
أحدث تلك اللقاءات أجراها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بزيارته إلى الولايات المتحدة، في 18 من كانون الثاني الحالي، التي التقى خلالها نظيره، أنتوني بلينكن.
ورغم معارضة واشنطن وعدم تشجيعها أي تطبيع علاقات مع النظام من قبل أي دولة، وفق تصريحات متتابعة على لسان مسؤوليها، لم يتطرق البيان المشترك الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، عقب لقاء جاويش أوغلو وبلينكن، لمسألة “تقارب أنقرة- دمشق”.
وجاء في البيان أن الوزيرين ناقشا أوجه “الأزمة السورية” كافة، وشددا على التزام بلديهما بآلية سياسية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي “2254”.
وحمل البيان حديثًا عن محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وحزب “العمال الكردستاني”، وترحيبًا بتمديد آلية تسليم المساعدات إلى الشمال السوري، ثم الانتقال إلى موضوعات وقضايا دولية أخرى.
وما أعطى الزيارة بعدًا إضافيًا، هو الزيارات التي سبقتها من جهة، وأحاديث غير رسمية عن نية واشنطن تقديم “مغريات” لأنقرة تثنيها عن خطوتها باتجاه النظام السوري.
توقيت حساس
الزيارة التي كانت مقررة مسبقًا، وقبل جولة جاويش أوغلو الإفريقية (بين 8 و14 من كانون الثاني الحالي)، سبقتها زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى تركيا، ولقاؤه نظيره التركي، والرئيس رجب طيب أردوغان.
وعزز فرضية “المغريات” الأمريكية لأنقرة، طلب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من مجلس النواب (الكونجرس) الموافقة على بيع مقاتلات جوية من طراز “F-16” لتركيا، بصفقة تصل قيمتها إلى 20 مليار دولار أمريكي، وفق ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 13 من كانون الثاني الحالي.
التطور في الموقف الأمريكي حيال تسليح تركيا بهذه المقاتلات، جاء بعد مماطلة طويلة دفعت أنقرة لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية “S-400″، الأمر الذي عرقل الصفقة أيضًا بطبيعة الحال.
وفي إحاطة وزارة الخارجية الأمريكية، في 19 من كانون الثاني الحالي، جدد نائب المتحدث باسم الوزارة، نويس فيدانت، تأكيد موقف بلاده الرافض لإعادة اللاجئين السوريين، كون الظروف غير مناسبة في سوريا.
هذا التصريح يأتي في وقت تسعى فيه أنقرة للتباحث مع النظام السوري في عدة ملفات، ومن أبرزها عودة اللاجئين “عودة طوعية”.
الدكتور خلدون الأسود، عضو مجموعة “أمريكيون من أجل سوريا حرة”، أوضح أن لقاء وزير الخارجية التركي مع كل من نظيريه الأمريكي والإيراني، يصب في إطار البحث التركي عن تفاهمات دولية تحقق لأنقرة ما تريد في سوريا، على اعتبار أن النظام السوري عاجز عن تلبية “الطموحات” التركية بالقضايا المثارة بشدة حاليًا، وأبرزها الوضع في شمال شرقي سوريا، وملف اللاجئين.
وقال الأسود لعنب بلدي، إن النظام لا يملك ما يقدمه لتركيا، فلا إمكانية لإعادة اللاجئين بالنظر إلى جملة ظروف تتحكم بواقع مناطق سيطرته، ولا قدرة لديه على استخدام خيار عسكري ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بمعزل عن دعم الدول المعنية بالملف السوري، إن رغب طرق هذا الباب.
وحول غياب ملف التقارب التركي مع النظام السوري عن نقاشات جاويش أوغلو وبلينكن، استبعد خلدون الأسود عدم تناول موضوع بهذه الأهمية بين الوزيرين، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن تجاوز موضوع أو عدم الحديث فيه والانتقال إلى قضايا أخرى لمناقشتها على جدول الزيارة يعني أن هناك قضايا عالقة توضع جانبًا لمناقشة موضوعات أخرى.
وذكر خلدون الأسود أن الموقف الأمريكي من مسألة التقارب أو التطبيع لا يمكن تجاهله، وأن أنقرة ستأخذ موقف واشنطن بعين الاعتبار في طريقها للتفاوض مع الروس والإيرانيين حول علاقاتها مع النظام، بطبيعة الحال.
عبد اللهيان في أنقرة
خلال مؤتمر صحفي مشترك جمعه بنظيره التركي، في أنقرة، أبدى وزير الخارجية الإيراني امتنانه لتغير مسار العلاقات بين تركيا والنظام.
وقال الوزير الإيراني خلال المؤتمر الذي سبقه لقاء مع الرئيس أردوغان، ثم مع نظيره التركي، “نؤمن بأهمية أي خطوة إيجابية في إطار العلاقات بين البلدين، ونؤمن بأهمية هذه العلاقات للمنطقة”.
زيارة عبد اللهيان رافقتها تصريحات كبير مستشاريه للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي، خلال مقابلة مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا)، وأكد خلالها أنه لا يمكن حل القضية السورية بسهولة دون وجود إيران.
وسبق زيارة عبد اللهيان إلى أنقرة زيارته إلى دمشق، في 14 من كانون الثاني الحالي، إذ التقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد.
وفي اليوم نفسه، علّق الأسد على مسألة التقارب مع تركيا، مؤكدًا أن الدولة السورية لن تسير إلى الأمام في حوارها مع الجانب التركي إلا إذا كان الهدف إنهاء الاحتلال ووقف دعم “التنظيمات الإرهابية”، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام على صفحتها الأولى من عددها المطبوع الصادر في 15 من كانون الثاني الحالي.
وعقب هذه التصريحات، أدلى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بتصريحات مماثلة تصب في السياق نفسه، ليأتي الرد على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، بأن العملية العسكرية التركية في سوريا لا تزال خيارًا مطروحًا على الطاولة بالنظر إلى مستوى التهديد الذي تواجهه أنقرة.
الباحث في المعهد العالي للدراسات الدولية بجنيف بلال السلايمة، أوضح أن تصريحات النظام في هذا السياق لا يمكن قراءتها بمعزل عن الضغط الإيراني، مشيرًا إلى تأخر الترحيب الإيراني الرسمي بالمحادثات الثلاثية في موسكو.
كما أن علاقات إيران مع النظام أصابها نوع من الفتور مؤخرًا، بالتزامن مع تأخر وصول شحنات النفط والحديث عن رفع إيران أسعار النفط المباع لسوريا.
تقليص اعتماد على إيران
وفي منتصف كانون الثاني الحالي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال“، أن إيران ضاعفت السعر الذي يدفعه النظام السوري مقابل الحصول على النفط الخام.
ووفق ما نقلته الصحيفة، فإن خط الائتمان الذي سمح لسوريا في السابق بالدفع لاحقًا سرعان ما استنفد بعد أن رفعت إيران السعر من معدل 30 دولارًا للبرميل، ما دفع طهران إلى فرض رسوم مسبقة مقابل تزويد النظام بالنفط.
تطبيع أو تقارب النظام مع أي جهة سيقلص من اعتماده على طهران، وهو أمر لا ترحب به إيران، رغم عجزها عن توفير الدعم للنظام وتغطية احتياجاته، وهو ما يمثّل معضلة بالنسبة للسياسة الإيرانية تجاه سوريا.
بلال السلايمة، باحث دراسات دولية |
وقال السلايمة، إن طهران حريصة على أن تكون بصورة التحركات المتعلقة بالتقارب، دون تعارض مع دعمها تعويم النظام، لكنها في الوقت نفسه، لا تريد لهذا التقارب أن يكون بوابة تمدد تركي في الملف السوري.
بينما أوضح الباحث المختص بالشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، لعنب بلدي، أن الشروط التي يضعها النظام تندرج في إطار رفض المبادرة التركية، لكن بطرق دبلوماسية.
كما أن رفع سقف التفاوض في مسار التقارب يعود إلى القرار الإيراني وليس للنظام، فالانفكاك الإيراني عن النظام يعني انهياره.
واستبعد الباحث إمكانية الانسحاب التركي من الأراضي السورية، لأسباب محلية وإقليمية ودولية إلى جانب مكانة تركيا باعتبارهًا دولة فاعلة في الملف ككل، وفي شمال غربي سوريا تحديدًا.
الموقف الأمريكي المتجلي بعدم التوصل لحل، ورفض المقترحات المقدمة، وتجميد العمليات العسكرية، وبقاء خرائط النفوذ الدولية في سوريا على حالها، هو سيد الموقف، بحسب النعيمي.
ويرى الباحث أن زياراتي عبد اللهيان إلى كل من تركيا وسوريا ترتبطان بالجولات السياسية التي تستثمر فيها إيران للعب دور الوسيط لحل الأزمات، لكن التصريحات الرسمية التي أطلقها الوزير، تندرج ضمن رؤية ضبابية عامة، ولم تتطرق إلى العمق.
وعلى طريق التقارب الذي دشّنه بشكل رسمي لقاء وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري بموسكو، في 28 من كانون الأول 2022، خرجت عديد من التكهنات بزمان ومكان لقاء وزراء خارجية الأطراف ذاتها، وهو لا يزال غير محدد بدقة، انعكاسًا لملامح خلافات في الرؤى لا يخفيها الطرفان، إلى جانب عدم المباركة الأمريكية.
أنقرة أكدت، في 3 من كانون الثاني الحالي، أنها لن تطبّع علاقاتها مع النظام رغمًا عن المعارضة السورية، كما أن حديث الإعلام السوري المحلي عن اتفاقات في اللقاء الثلاثي بموسكو نهاية عام 2022، نسفه تقرير لـ”ميدل إيست آي“، نفى نقلًا عن مصدر تركي مطلع، دون تسميته، التوصل إلى قرارات في موسكو.