تعا تفرج
ياسين بقوش والسيفونية والأجيال
خطيب بدلة
في إحدى حلقات مسلسل كوميدي، من تأليف الكاتب الكبير محمد الماغوط، يذهب بعض الأشخاص إلى ملهى ليلي، اسمه “كاباريه البحث عن الذات”! وعندما يزور ياسين بقوش الكاباريه، لأول مرة، يسأل عن اسم الموسيقا الخافتة التي تُسمع في الخلفية، يخبرونه أنها سيمفونية، فيعوج طاقيته إلى الأمام ويقول، بغباء شديد: أنا الرَّخَارْ رايح أسمع لي شي سيفونية!
سادت في أوساط الأدباء الشباب، في الثمانينيات، طرائف تعبر عن واقع أدبائنا الصاعدين، وهي أن الواحد منهم، وليس في رصيده الأدبي سوى قصيدتي غزل، إحداهما مختلة الوزن، والثانية نثرية ولكنها بائسة، ومع ذلك يقول لمن يلتقيه: أيش رأيك التافه بقصيدتي العظيمة؟
قرأت لصديق أحبه طرفة، أنشرها هنا مع بعض التحوير، ملخصًها أن أديبًا ناشئًا، كتب أربع قصص قصيرة هزيلة، أو ربما مجموعة شعرية وجهُها بعرض إصبعين، ذهب، ذات مرة، إلى معرض الكتاب، وبعد عودته إلى المقهى، سأله الزملاء: بمَن التقيت في المعرض؟ فقال: واللهِ، شفت نجيب (محفوظ)، ويوسف (إدريس)، وبينما أنا أتجول في الأقسام لمحت حنا، وعبد السلام، وكان زكريا يوقع مجموعته الجديدة، سلمت عليه من بعيد، لأني كنت مشغولًا.
وكانت لأحدهم سوسة (هواية)، ملخصها أنه يحب أن يأخذ صورة تذكارية مع أدباء أو فنانين مشاهير، وبعد حين من الزمن، يُحضر معه مجموعة الصور إلى المقهى، ويبدأ بالشرح: هاي صورتي مع سعيد (حورانية)، يومها حضر لي أمسية، ولما كنا طالعين، سلم علي وقال لي أنت راح تحطنا نحن كتّاب القصة في جيبك، وهاي صورة مع يوسف (عبدلكي)، عرض علي يصمم لي غلاف لمجموعتي القصصية، وهاي مع هيثم (حقي) قال لي هاي القصة بتصير سهرة تلفزيونية روعة.
لدينا، للأمانة، كتاب حقيقيون، تعلموا، وتثقفوا، واطَّلعوا على إنتاج غيرهم، وسهروا الليالي، وحفروا في الصخر، حتى تمكنوا من وضع بصمة قوية على جدار الإبداع، والباقي ينطبق عليهم المثل الشعبي: شَخَّاخ وينام في الوسط. من هذا الطراز كاتب مبتدئ عرضَ قصيدة له على شاعر معروف، وطلب منه رأيه فيها. قدم له الشاعر المعروف ملاحظاته، بكل مودة واحترام، فاغتاظ منه، وقال له: ولكن نفس هذه المشكلات موجودة في شعرك! غضب الشاعر المعروف وقال له: يا أخي أنا شعري خرا، لكننا الآن نناقش قصيدتك.
وكان من معارفنا كاتب مبتدئ، يُكثر من استخدام مصطلح “الأجيال” في حديثه اليومي، أخبرنا، مرة، أنه كتب قصة قصيرة “أخت حفيانة”! سألناه عن معنى هذه العبارة، فقال: يعني لم يُكتب مثلها عبر العصور. ومع أننا كنا نعاني الضجر، فقد أصر أن يقرأها علينا، ونحن شردنا كثيرًا في أثناء إلقائه إياها، ومع ذلك سألنا إن كنا انتبهنا لمشكلة جوهرية فيها. فلما أعلنَّا عجزنا عن ملاحظة المشكلة الجوهرية، قال إن بطل القصة يتخيل نفسه، في السطر السابع، من المقطع الرابع، ممتطيًا حصانًا بسنامين، وعندما راجع القصة، تذكرَ أن السنام للجمل وليس للحصان، فقال لنفسه: لو أبقيت المقطع على حاله، دون تصحيح، هل يعقل أن تغفر لي “الأجيال” ذلك؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :