الزوجة والبيت.. عقدة الشبان المهجّرين إلى إدلب

  • 2023/01/29
  • 11:51 ص

بدلات عرائس في محل مدمر في مدينة إدلب -تشرين الأول 2020 (عنب بلدي يوسف غريبي)

عنب بلدي – أنس الخولي

وضعت الحرب عشرات الشبان من مختلف مناطق سوريا في ظروف قاسية، بعد أن هجّرهم النظام السوري قسرًا إلى شمال غربي سوريا، تاركين وراءهم منازلهم وعائلاتهم.

ورغم سعيهم لمتابعة حياتهم وتجاوز ما مروا به، يجدون أنفسهم في مواجهة رفض مجتمعي يفرض عليهم عراقيل إضافية.

وفي حين يعاني سكان إدلب تدهور الوضع المعيشي، يواجه الشبان المهجرون مشكلات أخرى مرتبطة بصعوبات في الزواج، وتأمين السكن، وعجزهم عن متابعة تعليمهم، ما يزيد ثقل شعورهم بالوحدة والضياع.

دوامة البحث عن سكن

يعد العثور على سكن مناسب من أبرز هموم الشبان المهجرين في إدلب، جرّاء رفض عديد من أصحاب البيوت تأجيرها لشاب أعزب.

حاول محمد القافي (32 عامًا)، خلال الأشهر الماضية، العثور على منزل في مدينة إدلب، لكن رفض أصحاب المنازل تأجير شبان عازبين أدخله وأصدقاءه في دوامة لا نهاية لها، وفق ما قاله الشاب لعنب بلدي.

وصل محمد إلى إدلب بعد تهجيره قسرًا من الغوطة الشرقية قبل خمس سنوات، واستطاع العثور على غرفة للإيجار، لكن انتهاء عقد المنزل ورفض صاحبه تجديد العقد أجبره على البحث عن بديل.

وقال محمد، إن أسباب رفض أصحاب المنازل تأجيرها تختلف من شخص لآخر، إذ يتذرع بعضهم بمخاوف تتعلق بسلوك الشبان و”انحرافهم”، لغياب رقابة الأسرة عليهم.

بينما يبرر آخرون رفضهم بعدم اعتناء الشبان بالمنزل بشكل جيد، ويرفض آخرون خوفًا من مشكلات يخلّفها سكن شبان في أبنية تضم عائلات.

ويواجه عيسى الحميد (38 عامًا) مشكلة مشابهة تجبره وأصدقاءه على البحث عن طلاب جامعات، ليشاركوهم السكن، ويتقاسموا معًا الالتزامات المادية ومصروفات المنزل، بحسب ما قاله الشاب لعنب بلدي.

وأوضح عيسى أن معظم أصحاب المنازل يفضّلون تأجير طلاب الجامعات دون غيرهم، باعتبارهم منشغلين في تعليمهم، وأكثر التزامًا مقارنة ببقية الشبان.

عبد الله الجابر، صاحب مكتب عقاري في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن أصحاب المنازل خصوصًا في الأبنية الطابقية، يتجنبون تأجير منازلهم للشبان العازبين، خوفًا من ردود فعل الجيران.

ولا يمنع أصحاب المنازل “العربية” القديمة تأجير الشبان، لكن عدد هذه المنازل المعروضة للإيجار محدود جدًا، ما يجعله خيارًا محدود الأثر، وفق ما ذكره عبد الله.

الزواج.. خطوة “شبه مستحيلة”

بعد سنوات من البُعد عن العائلة وفقدان معظم الطقوس الأسرية، يحاول الشبان استعادة ما فقدوه من خلال تكوين أسرة في أرض النزوح.

يرغب الشاب المهجر من القنيطرة إلى إدلب طارق الحمصي (32 عامًا) بالزواج منذ أكثر من سنتين، لكن غياب أسرته جعل الموضوع “شبه مستحيل”، إذ تجري العادة بأن تبحث أم الشاب أو شقيقته عن عروس تناسب ظروفه.

وقال طارق لعنب بلدي، إن معظم الشبان المهجرين دون عائلاتهم تُركوا أمام خيارين، إما الاعتماد على عائلاتهم الموجودة في مناطق النظام بالبحث عن زوجة مناسبة، وإما الاعتماد على الأصدقاء والمعارف في إدلب.

ويواجه الشبان الذين يختارون الزواج من مناطق سيطرة النظام عديدًا من المشكلات، أبرزها المخاطر الأمنية المرتبطة بإحضار الزوجة إلى المناطق “المحررة”، بحسب ما ذكره طارق.

كما يخشى الشبان غياب الانسجام والتفاهم بالمستقبل، بالإضافة إلى تخوفهم من عدم تأقلم زوجاتهم مع الحياة في مدينة جديدة بعيدًا عن عائلاتهن.

ولا تتوقف الصعوبات عند البحث عن الزوجة المناسبة، إذ كثيرًا ما تقابَل طلبات الشبان بالرفض من قبل عائلات الفتيات، بحسب ما قاله أنس المحمد (33 عامًا)، مهجر يقيم في إدلب.

ويُرجع الأهالي ذلك إلى عجزهم عن الوصول إلى معلومات تطمئنهم عن عائلة الشاب وأخلاقه.

ويرفض عبد الحميد العقل (52 عامًا) تزويج بناته لشبان مهجرين دون عائلاتهم، خوفًا من عواقب غياب الرقابة الأسرية عنهم لسنوات، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

وأضاف أن الآباء لا يستطيعون التأكد من حُسن أخلاق الشبان، ما يجعل تزويج بناتهن من شاب مهجر أشبه بإرسالهن إلى “المجهول”.

وحوّلت عمليات التهجير القسري والنزوح المتكرر لآلاف السوريين، المجتمع في إدلب إلى مزيج من أشخاص وثقافات من مختلف مناطق سوريا.

وتعاني إدلب اكتظاظًا سكانيًا يفرض صعوبات إضافية على سكانها، بينما تغيب الإحصائيات الواضحة لعدد سكانها، بسبب تداخلها مع مناطق من ريف حلب.

وتفاقمت مشكلة الاكتظاظ السكاني في إدلب بعد حملات “العودة الطوعية” التي أجرتها تركيا، ما أجبر عديدًا من العائلات التي لجأت من مختلف مناطق سوريا على العودة إلى إدلب.

وبلغ إجمالي عدد سكان المناطق “المحررة” في شمال غربي سوريا حتى 2022 نحو 4.6 مليون شخص، بينهم 2.9 مليون شخص نازح داخليًا، يعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع