منذ مطلع كانون الثاني الحالي، بدأت الجهات الحكومية والإعلامية في مناطق سيطرة النظام بالترويج لحلحلة أزمة المحروقات التي شلّت سوريا في الشهرين الأخيرين من 2022.
ترافق الترويج مع عودة جزئية لمفاصل الحياة الأساسية، كدوام الموظفين وطلاب المدارس والجامعات، الذي توقف حين بلغت أزمة المحروقات ذروتها، فضلًا عن تصريحات لمسؤولين تفيد بزيادة مخصصات وسائل النقل من المواد، وزيادة نسب توزيع مازوت التدفئة على العائلات.
الحديث عن حلحلة أزمة المحروقات لم يوضح ما إذا كانت مؤقتة، أو يجيب عن أسئلة الشارع المتعلقة بمدى قدرة ما يصل من ناقلات نفط حاليًا على تغطية الاحتياجات، خاصة في ظل حديث إعلامي عن مضاعفة إيران أسعار النفط الخام، واشتراطها الدفع لاحقًا، وبطء غير مسبوق في عمليات نقلها النفط إلى سوريا.
الواردات تتحكم بالأزمات
في 18 من كانون الأول 2022، صرح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، أن المشتقات النفطية يمكن أن تتوفر في 15 من كانون الثاني الحالي، دون أن يوضح سبب تحديد هذا التاريخ، متعهدًا بأن يعود الوضع إلى ما كان قبل “الأزمة الأخيرة”، لا كما كان في الماضي، بحسب قوله.
ولا تعلن الحكومة رسميًا عن حجم التوريدات النفطية التي تصل تباعًا إلى مناطق سيطرتها، إذ تقتصر تفاصيل هذه المعلومات على مواقع مختصة بتتبع ورصد الناقلات النفطية من جهة، وعلى نقل وسائل إعلام محلية أنباء عن وصول الناقلات عن مصادر لا تذكر أسماءها في ميناء “بانياس”.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، وصلت خلال كانون الثاني الحالي ناقلتا غاز ومازوت إيرانيتان إلى ميناء “بانياس”، وناقلة نفط محمّلة بمليون برميل نفط خام، كما من المتوقع أن تصل خلال الأيام القليلة المقبلة ناقلتا نفط إيرانيتان بحمولة قُدّرت بـ2.1 مليون برميل نفط خام، بحسب مواقع رصد وتتبع للبواخر وناقلات النفط.
الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا بإيطاليا، والمشارك في مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا ، الدكتور جوزيف ضاهر، قال لعنب بلدي، إن سوريا تعتمد اليوم على الواردات النفطية، ولا سيما من إيران، لذلك فإن حدوث أي مشكلة في الاستيراد، يعني أن هناك أزمة محروقات ستعيشها البلاد.
وأوضح ضاهر لعنب بلدي، أن العقوبات المفروضة على النظام السوري تسهم في مشكلات الاستيراد، وبالمثل فإن سياسات الحكومة والفساد تعمق أيضًا مشكلة وصول المحروقات إلى سوريا، معتبرًا أن نقص المحروقات في الأسواق بعد مشكلة هيكلية، ولا توجد له حلول قصيرة المدى.
ونهاية تشرين الثاني 2022، برر وزير النفط، بسام طعمة، سوء واقع المحروقات مؤخرًا باعتماد الحكومة على التوريدات (التي تحكمها ظروف دولية وبيئية) بنسبة كبيرة، موضحًا أن الوزارة لا تملك أي كفاية من المحروقات إلى حد يسمح لها بتكوين مخزون استراتيجي، بحيث تلبي فيه انقطاعات المادة الطويلة، لكون أكبر الناقلات التي تصل تكفي لأيام فقط، ولا تسمح بتأمين مخزون منها.
شروط إيرانية
في 15 من كانون الثاني الحالي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إيران ضاعفت السعر الذي يدفعه النظام السوري مقابل الحصول على النفط الخام، ما اعتبرته سببًا لأزمة الوقود التي عانتها سوريا العام الماضي.
وأضافت الصحيفة أن خط الائتمان الذي سمح لسوريا في السابق بالدفع لاحقًا سرعان ما استنفد بعد أن رفعت إيران السعر من معدل 30 دولارًا للبرميل، ما دفع طهران إلى فرض رسوم مسبقة مقابل تزويد النظام بالنفط.
ولفت تقرير الصحيفة إلى بطء في نقل النفط لإيراني إلى سوريا، موضحًا أن الناقلة التالية لن تغادر إيران إلى سوريا حتى مطلع آذار المقبل، ما يعني فجوة زمنية لا تقل عن 11 أسبوعًا بين شحنتين، على اعتبار أن الشحنة السابقة غادرت في منتصف كانون الأول 2022.
بعد تقرير الصحيفة بيوم واحد، نقلت صحيفة “الوطن” المحلية، عن مصدر إيراني رسمي (لم تسمِّه)، نفيه لتلك الأنباء التي أوردتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، مضيفًا أن “موضوع المعروض النفطي منسق بين القيادات العليا للبلدين، وأي معلومة تُنشر خارج قيادة البلدين خاطئة وغير صحيحة”.
بينما رفعت وزارة التجارة الداخلية، عند اشتداد أزمة المحروقات منتصف كانون الأول 2021، أسعار مبيع المحروقات بأنواعها، مبررة ذلك بضمان وصول المحروقات، إذ صرح رئيس الحكومة، حسين عرنوس، حينها، أن الدولة كانت أمام خيارين، إما أن تفقد المشتقات النفطية من الأسواق، وإما أن تزيد الأسعار بشكل “بسيط” يساعد في تأمينها.
وصرح وزير التجارة الداخلية، عمرو سالم، حينها، أن الحكومة باتت مضطرة لتأمين توريدات المحروقات من مصادر أخرى غير المعتمدة عادة (دون أن يسميها)، ما أجبرها على رفع الأسعار، بسبب ارتفاع تكاليف استيرادها.
الدكتور جوزيف ضاهر قال لعنب بلدي، إن حديث “وول ستريت جورنال” يحتاج إلى تأكيد، متسائلًا: لماذا تطلب طهران من دمشق أن تدفع ثمن نفطها بأسعار قريبة من مستويات السوق، في حين أنها تخفض بشدة النفط الذي تسلمه لعملاء آخرين في وضع مالي أفضل بكثير، مثل الصين.
ويرى ضاهر أن العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام السوري منذ عام 2011، اتسمت بانعدام الشفافية، خاصة فيما يتعلق بقطاع النفط، معتبرًا أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين في وسائل الإعلام السورية حول نفيهم لهذه المعلومات تهدف إلى تهدئة الإحباط الشعبي.
وتستورد الصين حوالي مليون برميل يوميًا من النفط الإيراني، معظمها عبر طرق سرية، وعلى عكس النظام، تدفع ثمن نفطها مقدمًا، ما يضاعف اهتمام طهران ببيعها النفط لدعم الاقتصاد الإيراني.
المعيشة متأثرة
أوضح الدكتور جوزيف ضاهر أن رفع أسعار النفط سيؤثر سلبًا على ميزانية الدولة والاقتصاد عمومًا، خاصة المشاريع الزراعية و الصناعية، إذ إنه يتسبب برفع تكاليف الإنتاج، ما سيزيد تكلفة البضائع وبالتالي تكلفة المعيشة.
وأشار إلى أنه حتى قبل أزمة المحروقات الأخيرة، كانت الحكومة تتأخر في تسليم الوقود والمازوت للصناعيين والمزارعين بالسعر “المدعوم”، أو تسلمهم كميات لا تكفي لاستمرار أنشطتهم إلا لفترات زمنية قصيرة، ما يجبرهم على الاعتماد على “السوق السوداء” حيث تصل أسعار المحروقات فيها إلى أضعاف “المدعوم”.
وحول إمكانية حكومة النظام دفع أسعار النفط مسبقًا لإيران، يرى ضاهر أن ميزان القوى ليس في مصلحة دمشق، وليس لديها الكثير من القضايا للضغط على إيران في هذا القطاع، معتبرًا أن طهران على الأرجح تحاول كسب بعض الأمور من دمشق، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن ترى المزيد من عدم الاستقرار في سوريا.
وتحتاج مناطق سيطرة النظام السوري إلى نحو ستة ملايين برميل من النفط شهريًا، بمعدل 200 ألف برميل يوميًا، لا ينتج منها سوى 20 ألف برميل، بحسب تصريح سابق لرئيس الحكومة، حسين عرنوس، في نيسان 2021.
–