أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري تعميمًا يقضي بتسعير المواد الاستهلاكية في الأسواق، وفق فواتير تداولية تحرر من المنتجين وتجار الجملة والمستوردين.
التعميم الصادر عن الوزارة، في 16 من كانون الثاني الحالي، طلب من مديريات التجارة الداخلية في المحافظات، اعتماد فاتورة المنتجين والمستوردين وتجار الجملة أساسًا في تحديد أسعار مبيع المستهلك، وفق نسب الأرباح المحددة.
وبناء على هذا التعميم، يلغى العمل بنشرة الأسعار الصادرة عن الوزارة، وبُرر هذا الإجراء بـ”المتغيرات المتسارعة في بنود التكاليف، خاصة سعر الصرف، وارتفاع تكاليف مستلزمات الطاقة، حرصًا على استمرارية تدفق المواد في الأسواق، وتداول الفواتير الحقيقية”.
تستعرض عنب بلدي في هذا التقرير، آراء خبراء في أسباب قرار الوزارة، وأثر ذلك على السوق المحلية، وعلى المستهلكين.
استمرار لـ”تحرير الاقتصاد”
الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي قال، إن التوجه العام للسياسة الاقتصادية لحكومة النظام هو تطبيق اقتصاد السوق، وليس ذلك بجديد، بل يعد استمرارية لسياسات ما قبل الأزمة في تحرير الاقتصاد السوري.
وأضاف الدسوقي، في حديث إلى عنب بلدي، أنه بات هناك اليوم سعران لعديد من المواد، كـ”المدعومة” والمحروقات، فالأولى ذات كميات قليلة، ولا تغطي كافة السلع وإنما الأساسية، ولا تكاد تكفي الاحتياجات الأساسية، وغير مستقرة من حيث توفرها، وهناك سعر السوق “الحرة” للمواد والسلع، وهي متوفرة لمن لديه القدرة على دفع ثمنها.
|
واعتبر الباحث أن قرار وزارة التجارة حول تسعير المواد ضمن الأسواق المحلية، وفق الفواتير التداولية التي تحرر من المنتجين والمستوردين وتجار الجملة، جاء لـ”قوننة” المعمول به في الأسواق، إذ لم يكن التجار يعتمدون لوائح الأسعار الصادرة عن الوزارة، بل كانت لديهم أسعارهم الخاصة، وكان ذلك يعرضهم لابتزاز دوريات التموين.
ويمكن تفسير القرار الأخير بعدة أسباب، منها الثقل الذي يتمتع به التجار للضغط على الوزارة لإصدار مثل هذا القرار، إذ إنهم يتمتعون بنفوذ كبير وقوة متنامية في ظل الاعتماد المتزايد على الاستيراد وتعطل النشاط الإنتاجي، بحسب الدسوقي.
لا يُستبعد أن نشهد تعديلات بالتشريعات والقوانين في إطار التحول المتزايد لاقتصاد السوق، وذلك ما يطالب به التجار، أيضًا هناك تخوف لدى حكومة النظام من حدوث انقطاعات في عديد من المواد، في ظل إحجام التجار عن الاستيراد أو طرح منتجاتهم بأسعار لا تتناسب مع الكلف، ولا تحقق لهم هامش ربح للاستمرارية تبعًا للوائح أسعار الوزارة.
أيمن الدسوقي باحث في الاقتصاد السياسي |
فوضى في الأسواق
وحول أثر هذا القرار، اعتبر الباحث أيمن الدسوقي أن من المتوقع أن تشهد الأسواق حالة من فوضى أسعار السلع، مع انسيابية أكثر في توفرها.
إلا أن انخفاض القدرة الشرائية في ظل انخفاض قيمة الرواتب والأجور مع التدهور المستمر لليرة السورية، ومع تراجع مستمر لتوفر المواد المدعومة من قبل الدولة، سيُترك المواطن لمصيره وفق مقولة “دبر راسك”، بحسب الدسوقي.
معمول به بالخفاء
من جهته، اعتبر الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة “تشرين” علي محمد، أن قرار وزارة التجارة الداخلية ليس مختلفًا عما هو موجود على أرض الواقع، إذ لم يكن التجار يلتزمون سابقًا بالنشرات الصادرة عن الوزارة، بينما كانت هذه النشرات تُستخدم فقط كأوراق ثبوتية بأيدي موظفي التموين عند كتابة بعض المخالفات لعدم الالتزام بالتسعيرة.
واعتبر محمد في حديث لصحيفة “الوطن” المحلية اليوم، الأربعاء 18 من كانون الثاني، أن ما صدر عن الوزارة يحاكي ما كان معمولًا به فعليًا في الخفاء، مضيفًا أن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل المتغيرات الاقتصادية الكبرى، “هل ستتملص وزارة التجارة الداخلية من القيام بحساب التكاليف الفعلية للمستوردات، وبالتالي في كيفية تحديد نسبة الربح للمستوردين وكذلك للمنتجين”.
ويرى الدكتور علي محمد أن من الضروري وجود سيطرة كاملة على قضية التسعير والتكلفة الكاملة للمستوردات، باعتبار أنها ممولة من مصرف سوريا المركزي بسعر صرف تفضيلي.
كلام حق.. نتائجه باطلة
وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، اعتبرت أن ربط أسعار السلع كلها بالفواتير، دون صدور نشرة أسعار معيّنة من قبل وزارة التجارة الداخلية، كلام حق لكن نتائجه باطلة.
وفسرت عاصي قولها عبر منشور لها في “فيس بوك“، بأنه لو كان يسود الاقتصاد جو المنافسة الكاملة، ودعم العملية الإنتاجية والاستيراد مفتوح للجميع، دون عراقيل ومعوقات، لكان تحرير الأسعار وتطبيق قواعد السوق، التي تفترض استقرار السعر عند نقطة توازن العرض والطلب، أمرًا إيجابيًا، ونتائجه في مصلحة الكل مستهلكين ومنتجين.
ولكن في ظل مستوى الاحتكار الكبير، والانفلات السعري، فإن تعميم الوزارة قد يرفع الأسعار إلى مستويات غير مقبولة، من شأنها تعميق الفجوة بين المتطلبات والدخول، بحسب حديث الوزيرة السابقة.
–