بعد نحو أقل من عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي استهدف عديدًا من المدن وصولًا إلى العاصمة كييف، وعقب تراجع وتيرة الحرب مقتصرة على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية، بدأ عديد من المستثمرين الأجانب، ومنهم السوريون، بشراء العقارات في مناطق أوكرانية آمنة نسبيًا.
ويسعى السوريون في بلاد اللجوء الأوروبية أو تركيا، إلى تأمين مدخراتهم المالية في ظل التضخم المالي العالمي، بشراء العقارات أو الذهب أو بالتحويل لعملات أكثر استقرارًا كالدولار.
لماذا أوكرانيا؟
أدت الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية إلى تدمير آلاف المنازل وتعرض عديد من البنى التحتية للضرر، ولجوء ملايين الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية المجاورة، وسيطرة روسيا على أقاليم أوكرانية وإعلان ضمها لها بشكل نهائي.
على الجانب الآخر، أدى الصراع إلى زيادة المعروض للبيع من العقارات في أوكرانيا، ومع قلة الطلب تراجعت الأسعار، ما دفع المستثمرين الأجانب المخاطرين للشراء في مثل هذه الظروف، طمعًا بالأرباح المتوقعة بعد نهاية الحرب من جهة، وانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي بشكل رسمي وانفتاح اقتصادها على السوق الأوروبية من جهة أخرى.
إبراهيم نداف، صاحب قناة على تطبيق “تيك توك” يعمل في مجال بيع العقارات والاستثمار في أوكرانيا للأجانب، قال لعنب بلدي، إنه يوجد إقبال من عديد من الجنسيات على شراء العقارات في أوكرانيا، ومنهم أصحاب الجنسية السورية.
ويعود سبب الإقبال وفق إبراهيم لانخفاض أسعار العقارات بعد بدء الحرب من 20 إلى 50% باختلاف المناطق وبحسب قربها من مركز المدينة، أو في حال كان العقار بمناطق ريفية.
وتتراوح أسعار المنازل في أرياف العاصمة كييف بين ستة آلاف ونحو 20 ألف دولار بحسب مساحة المنزل والأرض التابعة له، ومدى حاجته للترميم، بينما تتراوح أسعار الأراضي المخصصة للبناء بين خمسة آلاف و12 ألف دولار، بحسب مساحتها وموقعها، لكن يمنع بالقانون الأوكراني امتلاك الأجنبي الأراضي الزراعية.
وعلى الطرف المقابل، تتراوح أسعار العقارات مثلًا في تركيا، التي تستقطب المستثمرين الأجانب عبر التسهيلات الحكومية والفرص الاستثمارية ومنها منح الجنسية التركية للذين يشترون عقارًا بقيمة 400 ألف دولار، بين 75 ألف دولار للشقة الصغيرة ذات الغرفة الواحدة، و400 ألف دولار للشقة ذات الأربع غرف.
ما الطريقة؟
توجد عدة طرق قانونية تمكّن الأجنبي من شراء عقار في أوكرانيا، إحداها أن يفتح شركة ذات مسؤولية محدودة في أوكرانيا برأس مال مصرح به، ويتناسب مع قيمة العقار الذي ينوي شراءه، ثم شراء العقار باسم الشركة.
وفي حال عدم توفر المال، يمكن لذات الشركة اقتراض المال من البنوك، وشراء العقار، كما يمكن للأجنبي فتح حساب استثمار شخصي في البنوك الأوكرانية وشراء العقارات من الحساب، لكن هذه العملية تتطلب وجود الأجنبي بشكل شخصي في أوكرانيا لفتح الحساب.
وبالنسبة لإجراءات نقل الملكية، يمكن شراء العقار للأجنبي من خلال وجوده في أوكرانيا، وبحضور البائع عند الكاتب العدل الحكومي أو الخاص، حيث يجري توقيع عقد شراء رسمي مع نقل الملكية بالسجل العقاري في الدولة.
كما يمكن إجراء نقل الملكية عن بُعد، من خلال عمل توكيل شراء من بلد الأجنبي عند الكاتب العدل، وتصديق التوكيل وإرسال التوكيل الأصلي للموكل إليه المقيم في أوكرانيا، الذي يستكمل إجراءات توقيع عقد الشراء، وتسجيل العقار بالسجل العقاري.
وتقف مشكلة الحصول على تأشيرة سفر (فيزا) بالنسبة للسوريين الراغبين بالاستثمار في أوكرانيا كإحدى أهم العقبات، إذ إنه بسبب الظروف الحالية، يُمنح عدد محدود من التأشيرات الأوكرانية للأجانب، فيما تظل طريقة التوكيل للشراء متاحة، كما يمكن للسوريين الحاصلين على الجنسيات الأوروبية أو التركية دخول أوكرانيا دون تأشيرة.
أسامة (43 عامًا) سوري مقيم في أوكرانيا منذ نحو خمس سنوات، اشترى منذ نحو شهر عقارًا في أوكرانيا باعتبارها “فرصة” مع هبوط الأسعار بشكل ملحوظ في بعض المدن.
واستطاع أسامة تملّك العقار بعد حصوله على إقامة أوكرانية، ولم يواجه أي صعوبات بالشراء، ونصح من يريد من السوريين الاستثمار حاليًا في أوكرانيا باختيار منطقة آمنة وبعيدة عن الاضطرابات قدر الإمكان، إذ كان لدى أسامة منزل في مدينة لوغانسك، لكنه خسره بعد الحرب بسبب ضم روسيا للمدينة.
ما مستقبل الحرب في أوكرانيا؟
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن آماله بانتهاء الحرب الأوكرانية- الروسية في 2023، على الرغم من كونه لا يرى أي احتمال لإجراء محادثات لإنهاء تلك الحرب في المستقبل القريب، متوقعًا استمرار الصراع العسكري المتصاعد بالفعل لحين الدخول في مفاوضات جادة.
ودعا غوتيريش إلى بذل كل الجهود لوقف الصراع الأكثر تدميرًا في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية بحلول نهاية عام 2023.
وفي تقدير لمعهد “توني بلير” للتغيير العالمي، فإن من الواضح أن أوكرانيا قد اجتازت المرحلة الأولى من الحرب بنجاح، إذ فشلت روسيا في تحقيق طموحاتها العسكرية، وبدأ المد يتحول لمصلحة أوكرانيا خلال الأشهر القليلة الماضية.
وخلُص تقدير المعهد إلى أنه لا يمكن لروسيا حاليًا أن تكسب الحرب وفقًا للشروط التي وُضعت في الأصل لتحقيقها، وهي السيطرة الكاملة على أوكرانيا.
كما أن أوكرانيا مجهزة بشكل جيد لعدم خسارة الحرب، لكنها ليست مجهزة بشكل كافٍ حتى الآن للفوز في الحرب بشكل نهائي، إذ سيكون أداء أوكرانيا هذا الشتاء ونتائج الهجمات في فصل الربيع “حاسمة” في مسار الحرب العام الحالي، وفق المعهد.
ويشير تقرير صادر عن “S&P Global Market Intelligence”، إلى أن جائحة “كورونا” والحرب الروسية- الأوكرانية والصدمات الجيوسياسية الأخرى ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي في عام 2023.
وهناك خمسة موضوعات شاملة ستشكّل السياسة الاقتصادية في 2023، هي: النزاعات التي لم يتم حلها، وأمن الطاقة، واضطرابات سلسلة التوريد التي ستظل عرضة لنقص العمالة والموارد، وتحول أسواق العمل مع تجاوز الطلب للعرض، والركود المحتمل في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية.
وشرعت البنوك المركزية في أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، وبحلول نهاية 2023، يتوقع “صندوق النقد الدولي” أن ينخفض التضخم العالمي إلى 4.7%، أي أقل من نصف مستواه الحالي.
–