بعد أن ألمحت روسيا إلى استخدام حق “النقض” (الفيتو) لمنع تمرير قرار المساعدات من تركيا إلى سوريا عبر معبر “باب الهوى”، صوّتت لمصلحة تمديد إدخال المساعدات، في 9 من كانون الثاني الحالي.
وقال مندوب روسيا في مجلس الأمن حينها، إنه لن يكون هناك نقاش لتمديد آلية المساعدة لستة أشهر في تموز المقبل، في حال استمر المجتمع الدولي باستخدام المساعدات عبر الحدود لممارسة “الضغط السياسي” على النظام السوري.
ويتناقض قرار التمديد مع رغبة روسيا المعلَنة بالاكتفاء بالمساعدات عبر الخطوط (عبر الأراضي الخاضعة لنفوذ النظام)، ما يثير تساؤلات حول مصلحة روسيا من تمرير القرار.
السيطرة لمصلحة روسيا
في مشهد يتكرر كل مرة، تستخدم روسيا “الفيتو” أو تهدد بذلك، إذ يتبع رفضها للقرار مفاوضات “غير معلَنة” تنتهي بموافقة روسيا على تمديد إدخال المساعدات بـ”شروطها”.
وفي أحدث نجاح حققته روسيا حيال ملف المساعدات، قلّصت مدة مرور المساعدات إلى ستة أشهر في تموز 2022، بعد أن كانت المدة المقترحة سنة، ليكون السوريون والمجتمع الدولي في مواجهة جديدة مع “الابتزاز” الروسي بعد ستة أشهر.
الخبير في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، يرى أن روسيا ترفض أن “يفلت الخيط من يدها” لمدة طويلة.
وتسعى روسيا للحفاظ على قدرتها على “ابتزاز” المجتمع الدولي، وفق ما قاله اليوسف لعنب بلدي، معتبرًا أن غاية روسيا الأولى هي إبقاء ملف المساعدات وملفات أخرى تحت سيطرتها.
كما يرتبط تعامل روسيا مع الملف بـ”عامل نفسي”، إذ ترغب بإرضاء ذاتها من خلال ترك أعضاء مجلس الأمن بانتظار قرارها، بحسب ما قاله اليوسف.
وفي ظل موقف المجتمع الدولي الرافض للحرب الروسية على أوكرانيا، وجهود الولايات المتحدة الأمريكية لفرض عزلة على روسيا، حوّلت روسيا ملف المساعدات إلى ورقة ضغط لفرض مواقفها، وفق ما قاله مدير منظمة “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء)، رائد الصالح، لعنب بلدي.
موافقة روسيا على استمرار إدخال المساعدات جاء في إطار استراتيجيتها للحفاظ على ملف المساعدات الإنسانية كورقة ضغط وابتزاز تحصّل من خلالها مكاسب سياسة لدعم حليفها نظام الأسد ومحاولة تعويمه، وأخرى اقتصادية عبر استخدام مشاريع التعافي المبكّر لتمويل عملياته العسكرية”
مدير منظمة “الدفاع المدني السوري” رائد الصالح |
من جانب آخر، اقترنت موافقة روسيا على قرار تمديد المساعدات عبر الحدود بالتقارب السوري- التركي، خصوصًا بعد أن أظهرت روسيا تغيرًا مفاجئًا بموقفها من القرار قبيل التصويت.
شريان الحياة “هش”
رغم أن قرار مجلس الأمن يضمن وصول المساعدات إلى نحو أربعة ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية لستة أشهر إضافية، نددت عديد من المنظمات المحلية والدولية والعاملين في هذا الشأن بالقرار.
المدير الإقليمي للجمعية “الطبية السورية- الأمريكية” (سامز)، الدكتور مازن كوارة، يعتقد أن تمديد القرار يتيح استمرار عمليات الأمم المتحدة بالإضافة إلى صندوق التمويل الإنساني لستة أشهر، ما يضمن وصول المساعدات العينية خصوصًا مستلزمات الشتاء.
كما يسهم القرار باستمرار تمويل البرامج التي تنفذها المنظمات المحلية والدولية، ويحافظ على أدوار الأمم المتحدة، وهي التنسيق والمساعدة على الوصول الآمن للمساعدات.
في المقابل، يؤثر تقليص المدة على استمرارية المشاريع، ويترك المنظمات عاجزة عن التخطيط لمشاريع بمدة أكثر من ستة أشهر، وفق ما قاله كوارة.
ويرى كوارة، في حديثه إلى عنب بلدي، أن هذه المدة غير كافية لإنتاج تخطيط فعال في الحالة السورية التي تعتمد على موارد محدودة، لافتًا إلى أن التمديد لمدة قصيرة يحدّ من قدرة المنظمات وفائدة سكان شمال غربي سوريا.
وعقب ساعات من موافقة مجلس الأمن على تمديد إدخال المساعدات، انتقد بيان صادر عن منظمة “اللاجئين الدولية” القرار، معتبرًا أنه فوز مهم لكنه “قصير المدى”.
وبحسب البيان، يؤكد التمديد القصير المدى هشاشة شريان الحياة الوحيد لملايين السوريين شمال غربي سوريا.
محاولات لإيقاف “التسييس”
تواصل المنظمات المحلية والدولية محاولة إيقاف تسييس ملف المساعدات، لضمان استمرار وصول المساعدات عبر الحدود.
وتسعى المنظمات بالدرجة الأولى للضغط للاستفادة من الدراسة التي أصدرتها منظمة “Guernica 37” بتفويض من “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سوريا” (ARCS) وشركائها، في تشرين الثاني 2022، حول قانونية تمديد المساعدات عبر الحدود دون التصويت على القرار في مجلس الأمن، وفق ما قاله المدير الإقليمي لـ”سامز”، الدكتور مازن كوارة.
وأضاف كوارة أن المنظمات العاملة بهذا الشأن لديها خطة للاستفادة من الرأي القانوني الذي قدمته الدراسة من خلال الدفع باتجاه مناصرته من قبل الأمم المتحدة والجهات المانحة، بالإضافة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، باستثناء الصين وروسيا.
وتهدف جهود المنظمات إلى التخلص من الابتزاز السياسي الروسي، ليستمر إيصال المساعدات دون أن يكون هذا الملف رهن التجاذبات السياسية.
بدوره، أكد مدير “الخوذ البيضاء”، رائد الصالح، أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة مطالبان بأن تكون المساعدات الإنسانية بعيدة عن أي استخدام سياسي.
وتواصل “الخوذ البيضاء” والمنظمات العاملة بهذا الشأن التأكيد على قانونية إيصال المساعدات دون قرار مجلس الأمن بالاستناد إلى دراسة “ARCS”.
وفي تقرير سابق بعنوان “بأدلة قانونية سورية.. المساعدات عبر الحدود لا تتطلّب تصويت مجلس الأمن”، ناقشت عنب بلدي أبرز النقاط التي اعتمدت عليها الدراسة القانونية لتثبت أن تمديد المساعدات عبر الحدود في سوريا يعدّ قانونيًا دون الحاجة إلى تفويض من مجلس الأمن.
الحاجة ملحّة
يشهد عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية تزايدًا مستمرًا، إذ بلغ في عام 2022، 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بعام 2021، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص في العام الحالي، وفق إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
كما بلغ عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في شمال غربي سوريا خلال عام 2022 نحو أربعة ملايين و600 ألف شخص، بينهم ثلاثة ملايين و300 ألف يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومليونان و900 ألف نازح داخليًا، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).
وتفرض الحاجة “الهائلة” على المنظمات محاولة البحث عن بدائل، بينها مبادرة “إنصاف” التي تعمل عليها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهي آلية مستقلة لإيصال المساعدات بمعزل عن المنظمات الأممية.
وتواصل المنظمات المطالبة بتمديد القرار “2642” الذي يضمن وصول المساعدات عبر الحدود، والتحذير من عواقب تجميده، مؤكدة أن المساعدات عبر الخطوط لن تسد الحاجة.
ورغم زيادة وتيرة قوافل المساعدات عبر الخطوط خلال الأشهر الستة الماضية، اتفق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، والمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال إحاطتهما الأخيرة لعام 2022، على أن المساعدات عبر الخطوط كانت “مخيّبة للآمال”.
–