عنب بلدي – محمد فنصة
تحدث المندوب الدائم للنظام السوري لدى الأمم المتحدة، خلال كلمته الأحدث حول ملف الكيماوي في سوريا، عن نيّة النظام إغلاقه، مستدلًا بـ”تعاون” حكومته مع منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، ما يطرح التساؤلات حول جديّة هذا الطرح، وسبب صدوره.
وقال المندوب الدائم، بسام صباغ، خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، في 5 من كانون الثاني الحالي، إن “استمرار تعاون سوريا مع منظمة (حظر الأسلحة الكيماوية) هو لإغلاق ملف الكيماوي فيها”، مجددًا مطالبته الدول الأعضاء بالتعامل مع هذا الملف “دون القفز إلى استنتاجات مسبقة”، ومطالبة الأمانة الفنية للمنظمة أيضًا بـ”المهنية والحيادية”.
وبحسب ما نقلته الوكالة الرسمية السورية للأنباء (سانا) عن صباغ، فإن ما يعرقل إغلاق ملف الكيماوي في سوريا، هو “ممارسات التشكيك والنكران لدى بعض الدول الغربية خدمة لأجنداتها السياسية”، وأشار إلى أن سلوك النظام “المسؤول وتعامله الإيجابي” مع المنظمة يثبت أن ليس لديه ما يخفيه.
وفي ذات الجلسة، أعلن نائب الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، أديجي إيبو، عن عزم منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” إرسال “فريق مصغر” لزيارة سوريا، في الفترة ما بين 17 و22 من الشهر الحالي.
ووافق النظام على طلب الأمانة الفنية حول إرسال الفريق المصغر من أعضاء فريق تقييم الإعلان لإجراء “أنشطة محدودة” في سوريا، دون تحديدها، لكنه طلب “معلومات تكميلية” من أجل اتخاذ الترتيبات اللازمة “لتسهيل هذه المهمة”.
وكان النظام سابقًا قد عطّل زيارات فريق تقييم الإعلان، مطالبًا فيها استثناء شخص واحد من الفريق، ورافضًا أن يمنحه التأشيرة.
تصريحات “صورية”
شدد نائب الممثلة السامية على ضرورة تعاون دمشق “بشكل كامل” مع الأمانة الفنية للمنظمة، من أجل معالجة الثغرات والتباينات التي لا تزال غير محسومة.
وبما أن النظام لم يرسل المعلومات التي طالبت بها المنظمة بشكل مستمر حول 20 قضية معلّقة حاليًا، فإنه لا يمكن اعتبار إعلان النظام حول برنامجه “دقيقًا أو مكتملًا”، وفقًا لاتفاقية الأسلحة الكيماوية، وما صرح به المسؤول الأممي.
مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال لعنب بلدي، إن إغلاق ملف الكيماوي لا يكون بالحديث فقط، فلا تزال هناك حوادث مستمر البحث فيها، وإن التعاون الفعلي في حال حدث من جانب النظام سيؤدي إلى كشف مزيد من انتهاكاته.
ولا يمكن أخذ تصريحات وفد النظام على محمل الجد، بحسب عبد الغني، فالتعاون الذي يؤدي إلى إغلاق الملف يحتاج إلى التحقيق ببقية الحوادث العالقة، وإعطاء سلسلة القيادة، والاعتراف ومحاسبة الضالعين بالحوادث المثبتة، والإجابة عن أي أسئلة يطرحها الفريق، وهو ما لا يمكن للنظام تطبيقه.
في العام الحالي، تخطط منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” للجولة المقبلة من عمليات التفتيش لمرافق مركز الدراسات والبحوث العلمية في برزة وجمرايا، دون تحديد موعد معيّن.
ولم يقدم النظام بعد المعلومات الفنية أو التفسيرات التي من شأنها أن تمكّن الأمانة الفنية من إغلاق القضية المتعلقة بالكشف عن مادة كيماوية في مرافق برزة، والتحرك غير المصرح به للأسطوانتين المرتبطتين بحادثة الأسلحة الكيماوية التي وقعت بدوما في نيسان 2018.
ويتفق مع عبد الغني رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، سليم نمور، الذي يرى أن تصريحات وفد النظام هي “تمثيلية”، وأنه يريد إغلاق الملف من دون مسؤوليات أو تهم جنائية بحقه، وفق ما قاله لعنب بلدي.
واستند نمور بالتعبير عن فقدان مصداقية النظام، حين أعلنت المنظمة في نيسان 2016 تدمير مخزونه من الأسلحة الكيماوية، لكن بعدها في 2017 و2018، استخدم النظام هذه الأسلحة مجددًا في هجماته.
سياسة العرقلة
يأتي إعلان المنظمة مطلع العام الحالي إرسال فريق مصغر إلى سوريا، بعد شكاوى أممية من مماطلة النظام السوري، لخّصتها جلسات مجلس الأمن الدولي عام 2022 حول تنفيذ القرار “2118” بشأن إزالة برنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وعلى الرغم من تحقيق تسع جلسات في المنظمة الدولية كتغطية لتطورات الملف، يتشابه في كل مرة التقرير الذي تتلوه الممثلة السامية لشؤون نزع السلاح الكيماوي، إيزومي ناكاميتسو، بعدم إحراز أي تقدم من قبل النظام.
وحول قرار إرسال الفريق المصغر وموافقة النظام على دخوله للبلاد، ذكر رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، سليم نمور، أن قضية اللجان والفرق تمكّن من فهم طريقة تعامل النظام معها، في إطار تعامل المجرم الذي يستمر بعرقلة مسار التحقيق حتى يصل للأشخاص الذين يمكن أن يبرئوه أو يتستروا على معالم الجريمة.
ووصف نمور السياسة التي يتبعها النظام وروسيا منذ عام 2013 حين صدور القرار “2118”، بـ”سياسة أو آلية العرقلة”، بدأت بعرقلة تشكيل اللجان، وإذا شُكلت يعرقل دخولها للبلاد، وإذا دخلت يعرقل صدور تقاريرها، وإذا صدرت يعرقل تنفيذ التقارير عبر مجلس الأمن.
ويرى نمور أن النظام عندما تزداد الضغوط الدولية نحوه، يُسهل إجراءات المنظمة بخطوة ثم يعرقل بالخطوة التي تليها وفق ذات الآلية التي يتبعها، وفي أسوأ الأحوال تستخدم روسيا حق “النقض” (الفيتو).
بدوره، يرى مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، أن النظام يُدان عبر كل جلسة لمجلس الأمن تعلن فيها منظمة “حظر الكيماوي” عدم تعاونه مع طلباتها.
ويعتقد عبد الغني أن هذه الإدانات المتكررة شكّلت ضغوطًا على النظام جعلته “يرضخ” لقبول دخول الفريق المصغر، وأن التأخير والعرقلة اللذين كان يعمل بهما النظام ويمنع دخول فريق التحقيق بالقوة، يعدان انتهاكًا للقانون الدولي.
تصريح إماراتي “صادم”
دفعت إحاطة نائب الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، أديجي إيبو، الأحدث عددًا من الدول إلى الرد، واعتبر حقوقيون كلمة المتحدثة الرسمية باسم بعثة الإمارات لدى الأمم المتحدة، شهد مطر، “صادمة وغير موفقة”.
وأشارت مطر إلى أن “إحداث أي تقدم ملموس في ملف الكيماوي، يتطلب الانخراط في حوار بنّاء”، مؤكدة أهمية التواصل والحوار بين منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” ودمشق، وداعية الأطراف كافة إلى “العمل بروح قائمة على المبادئ التي أُنشئت عليها منظمة (حظر الأسلحة) بطابعها الفني، ومنها التوافق وعدم التسييس”.
وقالت مطر، “إن الملف الكيماوي السوري لا يزال، للأسف، من أكثر الملفات المسيسة في هذا المجلس، وهو ما لاحظناه خلال النصف الأول من عضويتنا في مجلس الأمن”.
وأكدت المتحدثة “رفض وإدانة الإمارات الثابت لاستخدام الأسلحة الكيماوية، تحت أي ظرف من الظروف، من قبل أي كان، وفي أي مكان”، معتبرة أن استخدامها يشكّل “انتهاكًا صارخًا” لأحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية والقانون الدولي.
مدير “الشبكة السورية”، فضل عبد الغني، يعتقد أن الكلمة الإماراتية “لم تكن موفقة”، محذرًا من أن أي دولة تحاول تبرئة النظام المُدان من قبل هيئات الأمم المتحدة باستخدام الأسلحة الكيماوية، سوف يجعلها متورطة معه.
وتعد الكلمة الإماراتية التي وصفها عبد الغني بـ”الرمادية”، أقرب للخطاب الروسي من الحقيقة والواقع المثبت وفق منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”.
ووصف رئيس “رابطة ضحايا الكيماوي”، سليم نمور، الكلمة الإماراتية بـ”الصادمة”، ويرى أن التسييس الذي تكلمت عنه ممثلة الإمارات كان الأجدى أن تشير فيه إلى عرقلة النظام تشكيل اللجان واستخدام “الفيتو” الروسي، في قضية أخلاقية وجنائية مثل قضية استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وأضاف نمور أن ما يحمي النظام فعليًا من المحاسبة إلى حد هذه اللحظة هو “التسييس” المتبع في هذه القضية من النظام وروسيا من جهة، و”الاختباء” الدولي خلف “الفيتو” الروسي من جهة أخرى، في مقابل تحقيق العدالة الدولية.