عنب بلدي – ضياء عاصي
خلال الشهرين الأخيرين من عام 2022، وبالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية، تلقى عديد من السوريين الذين أُزيلت ملفات التجنيس الخاصة بهم رسائل من إدارة الهجرة، تدعوهم للقدوم بغرض إعادة النظر في ملفاتهم.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي على مجموعات الخدمات والاستشارات للسوريين في “فيس بوك”، كثرت الاستفسارات عن محتوى رسالة موجهة من إدارة الهجرة في ولايات مختلفة.
الرسالة التي تفيد بالمراجعة فقط وفق عناوين محددة داخل أبنية الإدارة، ذكر الحاصلون عليها أنهم خُيّروا بين استكمال ملفاتهم أو الاستغناء عنها، مقابل اختيار برنامج إعادة التوطين في دول ثالثة وفقًا لبعضهم.
ما وراء استئناف الملفات
ملفات التجنيس التي أزيلت لمبررات غير “حقيقية” مثلما يدّعي أصحابها، فضلًا عن أن معايير اختيار المرشحين لها غير واضحة، كانت ولا تزال تخلق حالة ارتباك بين مجتمع السوريين مع كل حدث سياسي في البلاد.
الشاب ريزان أصلان، المقيم في اسطنبول، كان أحد الأشخاص الذي أزيلت ملفاتهم بحملة الإزالة الأخيرة في أيار 2022، بعد انتظار دام لأكثر من ثلاث سنوات في مراحل التجنيس.
وفي كانون الأول 2022، تلقى ريزان رسالة من إدارة الهجرة لتقديم اعتراض، بحسب ما قاله لعنب بلدي، في حين دُعي آخرون للموافقة على إعادة تقييم الملف واستكماله.
الناشط الحقوقي السوري ومدير مركز “عدالة لحقوق اللاجئين” في اسطنبول، أحمد قطّيع، قال لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، إن إعادة ملفات الجنسية المُزالة، هي استجابة لضغوطات حقوقية وإعلامية.
وفقًا لقطّيع، فإن التجنيس يُستخدم كملف ضغط بوجود مطالب دولية بإعادة التوطين داخل تركيا، “وهو ما وافقت عليه الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي مقابل تقديم دعم مالي”.
لكن هذا الملف، بحسب الناشط الحقوقي، “في حالة جمود منذ مدة، وعندما يمارس كل من الطرفين ضغوطات لتحريك ملف التجنيس وإعادة التوطين، يحاول كل منهما إثبات حسن نياته بالتدريج”، ما يبرر النشاط الأخير في عملية مراجعة الملفات المُزالة.
حملات الإزالة التي بدأت قبيل الانتخابات البلدية التركية في 2019، وانتهت في أيار 2022 مع ادعاءات بإزالة 15 ألف ملف تجنيس، وهو ما نفته مديرية النفوس والمواطنة، لا تزال الأسباب حولها مبهمة.
لكن المديرية أكدت أن الأمن القومي والنظام العام وعدم الصلة بالإرهاب، من الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار في كل مرحلة من مراحل الإجراءات، وهو ما يهدد بإزالة الملف وحتى بعد الحصول على الجنسية.
ملفات داخل ملفات
لطالما كان ملف الجنسية محل صراع الأحزاب السياسية التركية، فعندما تضغط المعارضة على الحكومة بقيادة حزب “العدالة والتنمية”، مهندس أزمة اللاجئين بحسب المعارضة، يفقد بعضهم ملفه في سبيل موازنة العملية الهندسية.
الناشط الحقوقي المتخصص بقضايا اللاجئين السوريين طه الغازي، قال لعنب بلدي، إن النشاط الملحوظ بإعادة تفعيل الملفات غير مقترن بشكل مباشر بالفترة الانتخابية المقبلة، معتبرًا أن ذلك استجابة للدعاوى القانونية السابقة التي قدمها أصحاب الملفات المُزالة.
وأرجع الناشط الغازي تلك الاستجابة إلى العدد الكبير من الذين تقدموا بالدعاوى، ما اضطر المحاكم الإدارية لإصدار قرار لمراجعة أحقية الأشخاص بالتجنيس مرة ثانية.
الدوائر المختصة والمشرفة على قرارات التجنيس، باتت ملزمة بتطبيق قرار المحكمة، وهو الأمر الأهم بحسب الغازي.
كما خلصت نتيجة التواصل والجهود القانونية مع رئاسة الهجرة التي كان الغازي جزءًا منها، إلى أن إعادة الملفات المُزالة ستشمل فقط من أُزيل ملفه “بغير وجه حق”، أو بتبرير غير قابل للتحقق.
واقتصرت تلك التبريرات على أمرين، الأول وجود أوراق مزوّرة، والثاني ثبوت ارتباطات أو اتصالات مع أشخاص أو جماعات على اللائحة السوداء للحكومة التركية.
لفت الغازي إلى أن الملفات المُزالة خارج هذين التبريرين ستعود للاستئناف إن لم يكن هناك أي إشكال أمني، وشدد على أهمية مراجعة محامين مختصين لاحتمال عدم إعادة جميع الملفات بشكل تلقائي لكل الأشخاص.
هل يستمر التجنيس بعد الانتخابات؟
يرى الناشط الحقوقي طه الغازي أن عملية التجنيس ستستمر حتى بعد الانتخابات التركية، إذ إن من الملاحَظ في الفترة الأخيرة زيادة عدد الملفات الجديدة للتقديم على الجنسية، التي تأخذ من عام إلى عامين كحد أقصى لتسلّم قرار التجنيس.
وفي حال كانت الملفات الجديدة مرهونة بفترة ما قبل الانتخابات، فيستحيل تسلّم الأشخاص قرار التجنيس خلال مدة ستة أشهر أو أقل، وهذا ما يشير إلى استمرارها، “تسارعت عملية فتح ملفات جديدة، لكن المدة الزمنية للتجنيس ذاتها”، وفق ما قاله الغازي.
اللعبة المصيرية ليست بيد السوريين، ولا تحكمها المؤهلات ولا المهارات، إذ لم تحدد معايير “الجنسية الاستثنائية” في قانون الجنسية التركية، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بنسختها التركية.
يحصل السوريون الخاضعون لـ”الحماية المؤقتة” على “الجنسية الاستثنائية” عن طريق الترشيح من قبل وزارة الداخلية، وتقدم ملفاتهم في إدارة الهجرة، ثم تُحوّل إلى مديرية النفوس والمواطنة لتدخل في ثماني مراحل من البحث والتدقيق حتى تسلّم قرار التجنيس.
وفي حديث إلى “BBC” التركية، قالت عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة “أنقرة” وعضو جمعية أبحاث الهجرة، الدكتورة نيفا أوزترك، إن الحصول على “الجنسية الاستثنائية” هو أمر تقديري، إذ لا يمكن لكل مستثمر أو رياضي ناجح الحصول عليها.
وشددت الدكتورة أوزترك على ضرورة وجود معايير محددة ضمن القانون للحالات الممكن الحصول فيها على الجنسية، وألا يكون التجنيس إجراء إداريًا فقط، بحسب قولها.
وصل عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية، بحسب بيان صادر عن المديرية العامة لشؤون السكان والمواطنة، في 2 من كانون الأول 2022، إلى ما مجموعه 221 ألفًا و671 سوريًا، منهم 125 ألفًا و563 شخصًا فوق السن القانونية.
وبلغ عدد السوريين في تركيا، المسجلين ضمن “الحماية المؤقتة”، ثلاثة ملايين و528 ألفًا و835 لاجئًا سوريًا، وفق إحصائية صادرة عن دائرة الهجرة التركية، في 5 من كانون الثاني 2023.