“الموافقة الأمنية”.. بوابة لدفع الرشوة بحمص

  • 2023/01/15
  • 12:20 م

حاجز أمني لقوات النظام في مدينة حمص (لؤي بشارة/فرانس برس)

حمص – عروة المنذر

وضعت دوائر النظام السوري “الموافقة الأمنية” حجر عثرة أمام إنجاز أي معاملة، ويضطر عديد من السوريين في الداخل أو الخارج لتوكيل مكاتب تسيّر معاملاتهم، وتجبرهم على دفع مبالغ تفوق تكاليف تسييرها.

وشملت الموافقات الأمنية جميع المعاملات الحكومية في مختلف المجالات، مثل معاملات نقل الملكية، وإزالة “الشيوع” عن عقار، والحصول على جوازات السفر، والتوظيف، وطلبات التقاعد، وإقامة حفلات الزفاف.

وفتحت هذه “الموافقة” الباب على مصراعيه لابتزاز السوريين حتى ينجزوا معاملاتهم، وأصبحت باب ابتزاز ورشى تحصل عبرها الأجهزة الأمنية على الحصة الكبرى مقارنة بأتعاب معقبي المعاملات.

وأجبرت هذه الإجراءات أصحاب مكاتب تعقيب المعاملات على التواصل مع الفروع والمفارز الأمنية، وفتح قنوات الرشى لإنجاز أعمالهم، وتقاضي مبالغ كبيرة حتى لو كانت المعاملة نظامية، ولا مانع قانوني يعترض استخراجها.

 نصف التكلفة مقابل “الموافقة”

يعاني معقبو المعاملات من مشكلة الموافقات الأمنية، التي زادت الأعباء المادية عليهم وأخّرت من وقت إنجاز المعاملات.

“لؤي” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهو أحد معقبي المعاملات في حمص، قال لعنب بلدي، إن الموافقات الأمنية عاقت عمل المعقبين “بسبب تأخر صدورها دون دفع أموال”.

وأضاف أن عديدًا من المعاملات لا يمكن إنجازها لعدم قدرة أصحابها على الحصول على الموافقات الأمنية، إذا كان هناك اسم لأحد المطلوبين في المعاملة، وهو ما يكلفهم جهدًا ووقتًا دون أجر.

وأوضح “لؤي” أن عناصر الدراسات المسؤولين عن الموافقات الأمنية، في حال عدم وجود معاملات لإنجازها، يزورون مكاتب معقبي المعاملات ويطلبون المال، في حين يحمّل أصحاب المكاتب هذه المبالغ على المعاملات التي ستُنجز في المستقبل، ما يزيد تكاليف إنجاز المعاملات.

وبعد فرضها من قبل حكومة النظام، سمحت الأفرع الأمنية لعناصرها بتحصيل الأموال من خلال الموافقات الأمنية في حمص، ما حوّل معقبي المعاملات إلى “سماسرة” عند عناصر الدراسات، يحصّلون لهم المبالغ من أصحاب المعاملات مقابل الحصول على الموافقات بشكل سريع.

يوسف (48 عامًا)، طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، وهو من سكان حي القصور بحمص، قال لعنب بلدي، إنه اضطر لدفع مبلغ 150 ألف ليرة سورية، مقابل الحصول على موافقة أمنية أتاحت له بيع شقته في الحي مؤخرًا، على الرغم من أنه يمر عبر الحواجز الأمنية، ولا يوجد باسمه أي “ورقة بحث” أو “طلب مراجعة أمنية”.

وكلّف يوسف معقب معاملات لإنجاز معاملة نقل الملكية بأسرع وقت، إذ تكفّل بالحصول على الموافقة، وأشار يوسف إلى أنه حصل عليها بعد دفعه المبلغ خلال يومين.

وعن سبب استعجاله في بيع المنزل وحصوله على الموافقة، أوضح يوسف أنه أراد قبض ثمن المنزل وتحويل المبلغ للذهب، بسبب عدم استقرار قيمة العملة في الآونة الأخيرة، وفي حال عدم دفعه المبلغ الذي طلبه معقب المعاملات من أجل الموافقة الأمنية، فإن استخراجها يتطلب فترة تصل إلى 20 يومًا على الأقل، وهو ما يهدد بخسارته قيمة المنزل.

العقارات خارج حسابات الرشى

رغم فتح باب الرشى للحصول على الموافقات الأمنية، فإن المسائل العقارية لها شأن خاص، ومعاملات نقل الملكية لا تصدر فيها الموافقات الأمنية في حال كان صاحب العقار أو المشتري من المطلوبين، ما يعوق عملية نقل المليكة.

يوسف، وهو أب لثلاثة شبان يملكون أرضًا زراعية في سهل الحولة، قال لعنب بلدي، إن أولاده يحاولون بيع أرضهم منذ ثلاث سنوات دون جدوى، لأن أحدهم عسكري فار من الخدمة الإلزامية منذ عام 2014، وهو ما يمنعهم من أخذ الموافقة الأمنية.

وأضاف يوسف، طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أن عملية البيع يمكن أن تحصل من خلال إصدار حكم محكمة لمصلحة المشتري، لكن سيخسر كل دونم حوالي مليون ليرة، وعلى الرغم من محاولته تسيير المعاملة عبر مكتب تعقيب معاملات مقابل دفع مبالغ مالية، لم يستطع الحصول على الموافقة الأمنية.

وفي عام 2015، أصدرت حكومة النظام تعميمًا إلى وزارة الإدارة المحلية، يقضي بإضافة البيوع العقارية وعمليات إيجار وفراغ المنازل والمحال إلى القضايا التي تستوجب الحصول على موافقة أمنية مسبقة من الجهات المختصة، وهو الأمر الذي أضاف أعباء على المواطنين، وحدّ من حريتهم في التصرف بأملاكهم.

وعلى الرغم من مضي سبع سنوات على التعميم، الذي بررته الحكومة حينها بمنع شراء العقارات أو استئجارها من قبل “الإرهابيين” واتخاذها كمقار لهم، وبحماية الملكيات العقارية من الضياع أو التزوير، ما زال التعميم ساريًا، وبموجبه بات أمين السجل العقاري يشترط الحصول على الموافقة الأمنية لتسجيل نقل الملكية العقارية.

وبحسب تقرير لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، صدر مطلع الشهر الحالي، أصبحت الموافقات الأمنية خلال سنوات النزاع شرطًا لاستئجار شقة، وترخيص دكان، وبيع عقار، وتأسيس مشروع سياحي أو صناعي أو تجاري، واستخراج وكالات عامة أو خاصة، واستخراج وثيقة الشهادة الجامعية، والحصول على تراخيص إقامة نشاطات اجتماعية وثقافية ودينية، وغيرها الكثير.

وبيّن التقرير أن الاستثناءات الصادرة على المعاملات التي تحتاج إلى موافقة أمنية في سوريا، إما كانت “شكلية”، وإما تتعلق بما يدر النقد الأجنبي لخزينة الدولة من السوريين في الخارج.

مقالات متعلقة

  1. "الموافقة الأمنية" حماية لأملاك المواطنين أم عرقلة لحياتهم
  2. إجراءات "أمنية" جديدة لمعاملات الجوازات السورية في اسطنبول
  3. الرشوة.. لتفادي الانتظار على أبواب "تكامل" بحمص
  4. موظفون في حمص ينتظرون "طاقة فرج" روسية

مجتمع

المزيد من مجتمع