تشهد مناطق سيطرة النظام السوري منذ نحو شهر فقدانًا لعديد من أصناف الأدوية، ترافق مع قرار رسمي برفع أسعارها، إلى جانب حالة من الفقدان شبه التام لمادة حليب الأطفال منذ عدة أشهر، ما خلق “سوقًا حرة” تباع فيها العلبة بما يصل إلى 40 ألف ليرة سورية.
وتعتبر مستودعات الأدوية المورد الرئيس الذي يمد الصيدليات بجميع أنواع الأدوية وحليب الأطفال، وتتحكم بالكميات المرسَلة لكل صيدلية.
صاحب صيدلية في القنيطرة جنوبي سوريا، قال لعنب بلدي، “منذ عدة أشهر نعاني فقدان بعض الأدوية ومادة حليب الأطفال، والسبب أولًا احتكار بعض تجار الأدوية، وثانيًا غلاء الأسعار وارتفاع سعر الدولار، ما أدى إلى عدم توفر المواد إلا في السوق الحرة”.
وأحجمت مستودعات الأدوية عن بيع أي سلعة سواء حليب الأطفال أو الأدوية، وإذا باعت فبزيادة بسعرها من 30 إلى 50%، بحسب الصيدلاني الذي قال إن هذه الزيادة تجبره على رفع الأسعار.
وحذر من أن استمرار ضعف توريد الأدوية سيفرغ الصيدليات ويؤدي إلى إغلاقها، في حين تبقى المستودعات والمعامل “متحكمة بالسوق”، على حد قوله.
ووصل سعر علبة حليب الأطفال الصناعي إلى 27 ألف ليرة، وهي لا تكفي الطفل سوى لأسبوع واحد.
في حين يرى الصيدلاني، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن حل المشكلة يكون بإصدار نشرة أسعار جديدة متوافقة مع مطالب مستودعات الأدوية من قبل الجهات المعنية.
وأصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في 9 من كانون الثاني الحالي، تسعيرة تخص مادة حليب الأطفال الصناعي ماركة “نسله”، بحيث تباع العلبة بوزن 400 غرام من نوع “نان 1- 2” للمستهلك بسعر 18 ألفًا و800 ليرة سورية، وللصيدلاني بـ17 ألف ليرة، ومن نوع “كيكوز 1- 2” بالوزن نفسه، بـ15 ألفًا و300 ليرة للمستهلك، و13 ألفًا و909 ليرات للصيدلاني.
صيدلاني من مدينة حمص، أفاد بأن أزمة المحروقات الأخيرة دفعت مستودعات الأدوية لتحميل تكلفة توصيل الطلبية على الصيدلاني بسبب ارتفاع أسعار المحروقات في “السوق السوداء”.
وأوضح الصيدلاني أن مستودع الأدوية كان يوصل الأدوية إلى الصيدلية بسعر المستودع، لكن حاليًا أصبح المستودع يأخذ قيمة فاتورة الدواء، بالإضافة إلى مبلغ 100 أو 150 ألفًا كـ”أجرة توصيل الطلبية”، ما أجبر الصيدليات على رفع سعر الأدوية.
وحول أزمة حليب الأطفال قال الصيدلاني، إن الصيدليات لا تلتزم بتسعيرة وزارة التجارة الداخلية، فسعر الحليب في حال توفيره من المستودعات يصل إلى 35 ألف ليرة ليباع للمستهلك بنحو 37 ألف ليرة.
ما بدائل السكان؟
سلام (35 عامًا) أم لطفل في ريف القنيطرة، قالت لمراسل عنب بلدي، “منذ ثلاثة أيام وأنا أبحث في الصيدليات القريبة في قريتي عن علبة حليب أطفال، لكن دون جدوى. كل الإجابات من الصيدليات كانت أن الحليب مقطوع”.
ولم تجد سلام حينما وصلت إلى الصيدليات في مركز المحافظة أي علبة، على الرغم من أنها عرضت دفع مبالغ مرتفعة في سبيل الحصول على إحداها.
وفي النهاية اضطرت إلى استخدام حليب الأبقار وإضافة بعض الماء إليه لإطعام طفلها، على حد قولها.
وأضافت سلام أن أغلبية جيرانها في القرية يتبعون ذات الطريقة هذه الفترة لإطعام أطفالهم، ومنهم من يستخدم حليبًا صناعيًا يباع في المحال التجارية من ماركة “نيدو”، مع أنه حليب كامل الدسم وليس مخصصًا للرضع.
ومنذ أكثر من 20 يومًا، وحليب الأطفال بجميع أنواعه مقطوع بشكل شبه تام عن محافظة درعا، بحسب ما رصدته عنب بلدي من مواطنين قابلتهم، لتصل أسعار العلبة في حال توفرها من 17 ألف ليرة إلى 40 ألفًا.
وتلجأ بعض الأسر للحصول على علب الحليب، بالتوصية من الأردن عبر سيارة نقل الركاب (البحارة)، لكن مثل هذا الخيار لا يوجد عند الأغلبية، فبعض الأسر تكتفي بحليب الماعز أو البقر بعد فقدان الحليب الصناعي من السوق، الذي ارتفع سعره ليصل الكيلو منه إلى 2800 ليرة.
لماذا لا يُصنع محليًا؟
يموّل المصرف المركزي السوري معامل الأدوية من القطع الأجنبي لاستجرار المواد الأولية اللازمة لصناعة الأدوية، وأدى الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي المحدد بثلاثة آلاف ليرة، وسعر الصرف بالنسبة للحوالات (4500 ليرة)، إلى خسائر لشركات الأدوية التي تطالب وزارة الصحة برفع الأسعار حتى لا يكون الإنتاج خاسرًا.
وجاء أيضًا في حديث وزير الصناعة، زياد صباغ، ورئيس اتحاد غرف الصناعة، غزوان المصري، المنشور اليوم، الجمعة 13 من كانون الثاني، أن البلاد لا تنتج محليًا الحليب الصناعي، بسبب العجز الموجود في إنتاج الحليب الطبيعي من جهة، وعدم وجود أي معمل لإنتاج الحليب المجفف من جهة أخرى.
نقيبة صيادلة سوريا، وفاء كيشي، قالت في حديثه لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية الثلاثاء الماضي، إنها طالبت عبر النقابة معامل ومستودعات الأدوية بتوزيع الدواء للصيدليات، ووزارة الصحة بالإسراع بتعديل أسعار الدواء حتى يمكن تأمينه في السوق.
وأرجعت كيشي سبب أزمة الدواء إلى الخسائر المستمرة منذ نحو ستة أشهر عند أصحاب معامل الأدوية بعد تعديل سعر صرف الدولار الرسمي، الذي كان 2200 وأصبح 4500 مطلع العام الحالي، ما أدى إلى توقف إنتاج الأدوية في المعامل و”التقنين الشديد” بتوزيعها للمستودعات وبالمثل للصيدليات.
وبالنسبة لأصحاب الصيدليات، أشارت كيشي إلى أنهم في “مأزق” كونهم استنفدوا الأدوية التي تعتبر رأس مالهم، وفي حال تعديل سعر الأدوية سيحتاجون إلى مبلغ يماثل ثلاثة أضعاف رأس المال حتى يعيدوا نسبة تغطية الأدوية التي كانت موجودة.
أما عن حليب الأطفال الصناعي فقالت كيشي، إن كميات ستتوفر خلال الأسبوع المقبل، لكنها لن تسد الحاجة، إذ تحتاج السوق إلى توريدات مستمرة لثلاثة أشهر حتى تغطي احتياجات المستهلكين.
ومنتصف الشهر الماضي، أعلنت مديرية الشؤون الصيدلانية التابعة لوزارة الصحة رفع أسعار مجموعة من الأدوية بنسب مختلفة، وصلت إلى نحو 30%.
ما ضرر حليب البقر؟
وفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، فإن التركيزات العالية من البروتين والمعادن الموجودة في حليب البقر، “يمكن أن تضغط على الكلى غير الناضجة عند الرضيع وتسبب مرضًا شديدًا في أوقات الإجهاد الحراري أو الحمى أو الإسهال”.
ويمكن أن تؤدي هذه الاستجابة التحسسية إلى التهاب في أمعاء الطفل أو نزيف مجهري في البطانة المعوية، كما أن نقص الحديد في حليب البقر يمكن أن يؤدي إلى فقر الدم والتوعك، بحسب الأكاديمية.
ومنذ عام 2020، اعتمدت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري تسعير الأدوية وفقًا لسعر صرف الدولار الأمريكي، وذلك بناء على قرار صادر عن مصرف سوريا المركزي في آذار 2020، يقضي بتوحيد سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية في جميع تعاملات القطع الأجنبي والحوالات بمختلف أنواعها.
–