عنب بلدي – القنيطرة
مع كل شتاء، تتعرض الأشجار المعمّرة بمحمية “جباتا الخشب” و”طرنجة” في محافظة القنيطرة لعمليات قطع جائر، وهذا العام كان “الأسوأ”، وفق شهادات الأهالي، إثر زيادة في عمليات القطع غير معهودة سابقًا، وعجز الجهود المحلية والجهات العاملة في المنطقة عن وضع حدّ لها.
وجود جهات وفرق مختصة لحماية هذه الغابة، كـ”مخفر الحراج” التابع لمديرية زراعة القنيطرة، بالتعاون مع لجنة من أهالي المنطقة، لم يوقف ذلك، إذ تجري أغلبية عمليات قطع الأشجار المعمّرة بعد منتصف الليل، ويتم خلالها قطع الأشجار الثخينة والطويلة، والتي تزن أطنانًا، ويبلغ عمرها عشرات السنين، وينتج عنها كميات وفيرة وبأوزان كبيرة من الحطب.
التصريف في درعا وريف دمشق
أحد عناصر “مخفر الحراج” (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إنه تفاجأ في صباح 5 من كانون الثاني الحالي، بقطع ما يقارب 40 شجرة معمّرة من السنديان، يبلغ طول كل منها 17 مترًا، ونصف قطرها أكثر من 60 سنتمترًا.
وأوضح العنصر أن الأشجار قُطعت وجرى ترحيلها باتجاه بلدة حضر المجاورة للغابة (شمالي الغابة)، حيث تعتبر المركز الرئيس لجمع الحطب، وتجارها معروفون بتصريف الحطب وبيعه باتجاه محافظتي درعا وريف دمشق.
وذكر أن مساحة المحمية البالغة 133 هكتارًا من مختلف أنواع الأشجار كالسنديان، والبلوط، والملول، والزعرور، والخوخ البري، وغيرها، باتت مهددة بالقطع الجائر، ما لم يجد المسؤولون مع أهالي البلدة “حلًا رادعًا”.
ولا تزال عمليات القطع مستمرة بشكل يومي دون إجراءات جادة لمنعها، بحسب ما رصده مراسل عنب بلدي في القنيطرة، وبحسب شهادة العنصر.
ويعمل “المخفر” على كتابة الضبوط وإرسالها إلى مديرية زراعة القنيطرة، إضافة إلى تصوير قطع الأشجار، لكن هذه الإجراءات لا تمنع عمليات القطع.
وتعد محمية “جباتا الخشب” و”طرنجة” محمية طبيعية حرجية، وواحدة من أهم معالم السياحة في القنيطرة، ووجهة للسياح القادمين من مختلف المحافظات السورية، وتقع على السفح الجنوبي لمرتفعات جبل الشيخ من الجهة الشمالية من القنيطرة، ويبلغ ارتفاعها نحو 1100 متر عن سطح البحر.
“تجار أزمات”
يشتري التجار الطن الواحد من الحطب الأخضر بسعر يصل إلى 650 ألف ليرة سورية (حوالي 108 دولارات أمريكية).
“أبو أحمد” أحد أهالي بلدة جباتا الخشب قال لعنب بلدي، إن من يقطع الأشجار ويبيعها هم مجموعة من الشبان أُطلق عليهم اسم “تجار الأزمات” بهدف الربح، وبعض “مدمني المخدرات”، لشراء المواد المخدرة بثمن حطبها.
وأوضح “أبو أحمد” أن عملية قطع الأشجار هذا العام أكثر سوءًا من الأعوام الماضية، ما ينذر بتهديد مستقبل أشجار المحمية، لافتًا إلى أن الأهالي لا يعرفون كيف يوقفون عمليات القطع “دون إراقة دماء”، على حد تعبيره.
أحد أهالي بلدة طرنجة وعضو في اللجنة التي ترافق عناصر الحراج خلال عملهم، تحدث لعنب بلدي عن ضرورة تكاتف الأهالي مع الجهات المعنية، ووضع خطط للحد من عملية قطع الأشجار وبيعها حتى لو اضطرت الجهات إلى استخدام القوة.
وأضاف أنه يجب تسيير دوريات ليلية، ومنع دخول الغابة خلال فترة الليل، ووضع حواجز على مداخل ومخارج الغابة، وكتابة المخالفات لمن يحمل أدوات قص داخل الغابة، حتى لو كانت أدوات بدائية، خصوصًا بعد أن سُمح للأهالي بالاحتطاب تحت إشراف اللجنة وأخذ كفايتهم في وقت سابق.
وذكر أن جميع الأهالي أخذوا كفايتهم من الحطب للعام الحالي، وليسوا بحاجة إلى الاحتطاب للتدفئة، وكل من يدخل الغابة اليوم هدفه قطع الأشجار وبيعها.
دون محاسبة وبتشجيع من النظام و”حزب الله”
مع بداية كل شتاء وخلاله، تتعرض المحمية لعمليات قطع جائر ترافقها تحذيرات من اللجان المعنية بحمايتها، ومبادرات من الأهالي لوقفها، وبقيت المحمية صامدة أمام الاحتطاب عبر سنوات الحرب، بجهود محلية منعت الرعي الجائر، وأشرفت على طريقة قطع الأشجار وراقبتها واهتمت بتقليمها.
وخلال الشتاء الماضي، شجّع النظام السوري و”حزب الله” اللبناني على قطع أشجار الغابات والتخلص منها، إذ تم فتح الحواجز أمام تجار الحطب الذين يقطعون أطنانًا من الأشجار، ويخرجونها إلى القرى والبلدات المجاورة، كبلدة حضر، أو إلى محافظة درعا، وفق مراسل عنب بلدي في القنيطرة.
ولفت حينها إلى أن أهالي بلدة حضر، الذين تقع قريتهم من الجهة الشمالية للغابة، والقريبة لأراضيهم الزراعية، يقطعون الأشجار من أجل توسعة أراضيهم الزراعية، دون محاسبتهم من قبل الجهات الحكومية المختصة.
وفي بيان لمديرية الزراعة في محافظة القنيطرة عام 2018، قالت فيه إن مساحات كبيرة من الحراج الطبيعي والصناعي تعرضت للضرر نتيجة التعديات والقطع الجائر.
وأوضحت المديرية أنه وبعد الكشف على جميع المواقع الحرجية المتضررة الطبيعية والصناعية، وحسب خطة التحريج الصناعي السنوية، تبين أنها بحاجة إلى ثلاث سنوات لإعادتها إلى وضعها الطبيعي، وأن حاجة المواقع الحرجية من الأشجار والغراس لتعود إلى وضعها السابق قُدّرت بنحو 180 ألف غرسة حرجية ومثمرة.
وفي 2018، قدّرت مديرية الزراعة قيمة الأضرار التي لحقت بالغابات الطبيعية والمواقع الحرجية في القنيطرة جراء الحرب، وتكاليف إعادة ترميمها وتأهيلها، بنحو 552 مليون ليرة سورية.