أحداث برازيليا تلقي بظلالها على حكومة لولا دا سيلفا
فيكتوريوس بيان شمس
في الثامن من كانون الثاني/ يناير 2023، هاجم حوالي 4000 من المحتجين المؤيدين للرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو المقارّ السيادية الواقعة في ما يعرف بـ “ساحة السلطات الثلاث” وهي القصر الرئاسي، والمحكمة الفيدرالية العليا، ومبنى البرلمان وسط العاصمة برازيليا التي تُركت دون حماية.
رغم وصول هؤلاء إلى تلك المباني، لم يحدث أي انقلاب، بل فوضى نتج عنها تخريب واسع في المؤسسات المذكورة، استولى خلالها بعض المحتجين على ما وجدوه من أسلحة في تلك المباني.
في اليوم التالي، وبعد نشر قوات الشرطة والجيش في شوارع العاصمة وفي محيط المؤسسات الحيوية التي هوجمت، أعلن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أثناء اجتماع طارئ ونادر مع حكام الولايات السبعة وعشرين عن اعتقال 1500 مشارك في تلك الاقتحامات، واعدًا بتقديمهم لتحقيقات ومحاكمات عادلة، والعمل على معرفة الجهات المسؤولة عن إرسالهم وتمويلهم. هذا بعد إقالة قائد شرطة العاصمة، أندرسون توهيس، الذي يتواجد مع الرئيس بولسونارو في فلوريدا، والذي لم يعط أي أوامر لإيقاف المحتجين أو منعهم من اقتحام تلك المؤسسات، وتعيين نائبه ريكاردو كابيلي مكانه من قبل الرئيس لولا دا سيلفا في مهمة تستمر حتى 31 كانون الثاني/ يناير مع توسيع صلاحياته بشكل استثنائي، وأيضًا بعد أن قامت المحكمة الفدرالية العليا بتجميد عمل محافظ العاصمة لمدة تسعين يومًا. من المفارقات في هذا المجال، أن المدعي البرازيلي العام، هو أحد المحسوبين على بولسونارو، ما زال في منصبه، ولم يحرّك ساكنًا إزاء ما حصل.
كانت وكالة المخابرات البرازيلية قد صرّحت بأنها أخطرت حكومة العاصمة برازيليا طوال الأسبوع السابق ووزير العدل في حكومة لولا، فلافيو دينو بأن هنالك نية لعمل ما في العاصمة، لكن الحكومة لم تتحرّك، علاوة على ذلك فإن شرطة الطرقات الفدرالية، وهو جهاز يأخذ أوامره من الرئيس مباشرة، لم يحرّك ساكنًا لمنع قافلة مكوّنة من 100 حافلة، تقلّ 4000 شخص من الوصول إلى المقرات الحكومية. بالإضافة إلى أن هنالك تجمعات لبعض مؤيدي الرئيس السابق جايير بولسونارو ممن يرفضون وصول لولا دا سيلفا إلى حكم البلاد، يخيّمون أمام قواعد الجيش في عدّة مدن رئيسية، منها العاصمة برازيليا منذ حوالي شهرين قبل الاجتياح الأخير، يطالبون بعودة حكم الديكتاتورية العسكرية التي سيطرت على البرازيل منذ العام 1964 وحتى العام 1985. وزير الدفاع في حكومة لولا، خوسيه موسيو مونتيرو، لم يحرك ساكنًا لتفريق هذه التجمعات من أمام القواعد العسكرية، إلا بعد الاقتحامات الأخيرة.
ما حدث يطرح سؤالًا عن دور الجيش ووزارة الداخلية وقوى الشرطة والأجهزة الأخرى وحدود مسؤولياتها وعلاقاتها مع باقي المؤسسات السيادية في البلاد، وعما إذا تورط أحد هذه الأجهزة بمؤامرة للإطاحة بحكومة لولا.
يبدو أن هنالك فتورًا في العلاقة بين لولا دا سيلفا والجيش، ولهذا سلّم وزارة الدفاع ليميني مدني هو جوزيه موسيو مونتيرو، لعله ينسج علاقة جيدة مع الجيش بوضعه الحالي، دون اللجوء إلى تغييرات جذرية تطيح بالضباط الكبار المؤيدين للرئيس السابق جايير بولسونارو، خوفًا من أي صدام مستقبلي مع الجيش، غير مضمون العواقب.
الديمقراطية البرازيلية هي ديمقراطية ناشئة، أطول فتراتها على الإطلاق ابتدأت منذ العام 1985 تاريخ انتهاء فترة حكم الديكتاتورية العسكرية، والعلاقة بين السلطات الثلاثة في البرازيل بدأت بالتوتر مع وصول الرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو إلى السلطة، وهو عسكري سابق لديه شبكة علاقات واسعة داخل مؤسسات الجيش والشرطة، كان يطمح لعودة الديكتاتورية العسكرية لحكم البلاد، وقد عمل من داخل المؤسسات لتوسيع هيمنته عليها، فبنى علاقات مصلحية مع عدد من نواب البرلمان، وأوصل العديد من الضباط لتولي مسؤوليات كبرى. حصل هؤلاء الضباط على زيادة في رواتبهم وصلت إلى 48%. قبل وصوله إلى السلطة، كان هنالك حوالي 3500 ضابط في مواقع مدنية تتبع الحكومة، وقد تضاعف العدد أثناء فترة حكمه، ووصل إلى 7000 ضابط.
ذروة التصادم بدأت قبل يوم استقلال البرازيل، في السابع من أيلول/ سبتمبر 2021، عندما وصلت معلومات لرئيس المحكمة الفدرالية العليا تقول إن أنصار بولسونارو ربما يهاجمون مبنى المحكمة، وهو ما دفعه للاتصال بمحافظ العاصمة برازيليا وقائد الجيش لتحميلهم المسؤولية عن أي أحداث قد تقع. بعدها بأيام، أي في 7 أيلول/ سبتمبر 2021، ألقى بولسونارو خطابًا في مدينة ساوباولو أمام جماهيره، هاجم فيه المحكمة الفدرالية العليا، متعهدًا بعدم تنفيذ أي قرار يصدر عنها. وبعد أن بدأت المحكمة الفدرالية العليا بفتح تحقيقات واسعة عن حملات الإعلانات المزيفة التي تروّج لسياسات بولسونارو بالإضافة لقضايا فساد أخرى، حاول بولسونارو تهدئة الأجواء معتبرًا أنه لم يكن يعني ما قال. كان هذا الصدام مؤشرًا على ما سيتبع.
انتهت أحداث العاصمة برازيليا باعتقال 1500 شخص، وإقالة بعض المسؤولين، وتجميد عمل آخرين، واستنكار دولي واسع عبّرت عنه تصريحات لرؤساء الدول الكبرى، كالرئيس الأمريكي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، وغيرهم، وكشفت تلك الأحداث عن عدم سيطرة الرئيس الجديد على العديد من أجهزة الشرطة الفدرالية والجيش التي من المفترض أن تتلقى أوامرها منه مباشرة، دون أي قرار حتى اللحظة بمحاسبة بولسونارو عما حدث، وهو ما عبّر عنه وزير العدل الذي صرّح بأن ليس هنالك أي قرار بهذا الشأن.
لبولسونارو قاعدة شعبية عبّرت عن نفسها بانتخابات تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي وقد حصل على أكثر من 49% من الأصوات بقليل، وهو سبب وجيه لعدم إدخال البلاد في صدام لا تعرف عواقبه، في وقت يحتاج فيه الرئيس الجديد للكثير من الوقت والجهد لإصلاح ما تهدّم في السنوات الماضية على كل الصعد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :